الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ صَالحَهُ عَلَى أن يُجْرِيَ عَلَى أرْضِهِ. أَوْ سَطْحِهِ مَاءً مَعْلُومًا، صَحَّ.
ــ
1883 - مسألة: (وإن صالحَه على
(1) أن يُجْرِيَ على أرْضِه أو سَطْحِه ماءً مَعْلُومًا، صَحَّ) إذا صالح رجُلًا على مَوْضِعِ قَناةٍ مِن أرْضِه يُجْرِي فيها ماءً، وبَيَنّا مَوْضِعَها وعَرْضَها وطُولَها، جاز؛ لأنَّ ذلك بَيعٌ لمَوْضِع مِن أرْضِه، فلا حاجَةَ إلى بَيانِ عُمْقِه؛ لأنَّه إذا مَلَك المَوْضِعَ كان له إلى تُخُومِه (2)، فله أن يَتْرُكَ (3) فيه ما شاء. وإن صالحَه على إجْراءِ الماء في ساقِيَةٍ مِن أرْضِ رَبِّ الأرْضِ، مع بَقاءِ مِلْكِه عليها، فهو إجارَةٌ للأرْضِ، يُشْتَرَطُ له تَقْدِيرُ المُدَّةِ. فإن كانتِ الأرْضُ في يَدِ رجلٍ بإجارَةٍ، جاز له أن يُصالِحَ رجلًا على إجْراءِ الماءِ فيها في ساقِيَةٍ مَحْفورَةٍ مُدَّةً لا تُجاوزُ مُدَّةَ الاجارَةِ. وإن لم تَكُنِ السّاقِيَةُ مَحْفُورَةً، لم يَجُزْ أن يُصالِحَه على ذلك؛ لأنَّه لا يجُوزُ إحْداثُ ساقِيَةٍ في أرْض في يَدِه بإجارَةٍ. فإن كانتِ الأرْضُ في يَدِه وَقْفًا عليه، فقال القاضي: هو
(1) سقط من: ر، م.
(2)
التخوم، بالضم: الفصل بين الأرضين من المعالم والحدود.
(3)
في ق: «يزل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كالمُستَأجِرِ (1)، له أن يُصالِحَ على إجْراءِ الماءِ في ساقِيَة [مَحْفورَةٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً، وليس له أن يَحْفِرَ فيها (2) ساقِيَةً](3)؛ لأنَّه لا يَمْلِكُها، إنَّما يَسْتَوْفِي مَنْفَعَتَها، كالأرْضِ المُسْتَأجَرَةِ. وهذا كلُّه مَذْهَبُ الشافعيِّ. قال شيخُنا (4): والأوْلَى أَنه يَجُوز له حَفْرُ السّاقِيَةِ؛ لأن الأرْضَ له، وله التَّصَرُّفُ فيها كَيفَما شاء، ما لم يَنْقُل المِلْكَ فيها إلى غيرِه، بخِلافِ المُسْتَأجِرِ، فإنَّه إنَّما يَتَصَرَّفُ فيها بما أُذِن له فيه، فكان المَوْقُوفُ عليه بمَنْزِلَةِ المُسْتَأجِرِ إذا أُذِن له في الحَفْرِ. فإن مات المَوْقُوفُ عليه في أثْناءِ المُدَّةِ، فهل لِمَن انْتَقَلَ إليه فَسْخُ الصُّلْحِ فيما بَقِيَ مِن المُدَّةِ؟ على وَجْهَينِ، بِناءً علِى ما إذا آجَرَه مُدَّةً، فمات في أثْنائِها (5). فإن قُلْنا: له فَسْخُ الصُّلْحِ. ففسَخَه، رَجَع المُصالِحُ على وَرَثَةِ الذي صالحَه بقِسْطِ ما بَقِيَ مِن المُدَّةِ. وإن قُلْنا: ليس له الفَسْخُ. رَجَع مَن انْتَقَلَ إليه الوَقْفُ على الوَرَثَةِ.
(1) بعده في م: «يجوز» .
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
سقط من: م.
(4)
في: المغني 7/ 26.
(5)
في م: «أثناء المدة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن صالحَ رجلًا على إجْراءِ ماءِ سَطْحِه مِن المَطَرِ على سَطْحِه، [أو في أرْضِه عن سَطْحِه](1)، أو في أرْضِه عن أرْضِه، جاز، إذا كان ما يَجْرِي ماؤه مَعْلُومًا؛ إمّا بالمُشاهَدَةِ، وإمّا بمَعْرِفَةِ المساحَةِ؛ لأن الماءَ يَخْتَلِفُ بصِغَرِ السَّطْحِ وكِبَرِه، ولا يُمْكِنُ ضَبْطُه. بغيرِ ذلك. ويُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ المَوْضِعِ الذي يَجْرِي منه الماءُ إلى السَّطْحِ؛ لأنَّ ذلك يَخْتَلِفُ. ولا يَفْتَقِرُ إلى ذِكْرِ مُدَّةٍ؛ لأنَّ الحاجَةَ تَدْعُو إلى ذلك، ويَجُوزُ العَقْدُ على المَنْفعَةِ في مَوْضِعِ الحاجَةِ غيرَ مُقَدَّرٍ بمُدَّةٍ، كما في النِّكاحِ. ولا يَمْلِكُ صاحِبُ الماءِ مَجْراه؛ لأنَّ هذا لا يَسْتَوْفِي به مَنافِعَ المَجْرَى دائِمًا، ولا في أكثَرِ المُدَّةِ، بخِلافِ السّاقِيَةِ. ويَخْتَلِفَانِ أيضًا في أنَّ الماءَ الذي في السّاقِيَةِ لا يَحْتاجُ إلى ما يُقَدَّرُ به؛ لأنَّ تَقْدِيرَ ذلك حَصَل بتَقْدِيرِ
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
السّاقِيَةِ، فإنَّه لا يَمْلِكُ أن يُجْرِيَ فيها أكثَرَ مِن مائِها (1)، والماءُ الذي على السَّطْحِ يَفْتَقِرُ إلى مَعْرِفَةِ قَدْرِ السَّطْحِ؛ لأنَّه يَجْرِي منه القَلِيلُ والكَثِيرُ. فإن كان السَّطْحُ الذي يَجْرِي عليه الماءُ مُسْتَأجَرًا، أو عارِيَّةً، لم يَجُزْ أن يُصالِحَ على إجْراءِ الماءِ عليه؛ لأنَّه يَتَضَرَّرُ بذلك، ولم يُؤذَنْ له فيه، فلم يَكنْ له أن يَتَصَرَّفَ به، بخِلافِ الماءِ في الساقِيَةِ المَحْفُورَةِ، فإنَّ الأرْضَ لا تَتَضَرَّرُ به. وإن كان ماءُ السَّطْحِ يَجْرِي على أرْض، احْتَمَلَ أن لا يَجُوزَ له الصُّلْحُ على ذلك؛ لأنَّه إنِ احْتاجَ إلى حَفْرٍ، لم يَجُزْ له (2) أن يَحْفِرَ في أرْضِ غيرِه، ولأنَّه يَجْعَلُ لغيرِ صاحِبِ الأرْضِ رَسْمًا، فرُبَّما ادَّعَى اسْتِحْقاقَ ذلك على صاحِبِها. واحْتَمَلَ الجَوازَ إذا لم يَحْتَجْ إلى حَفْرٍ، ولم يَكنْ فيه مَضَرَّةٌ؛ لأنَّه بمَنْزِلةِ إجْراءِ الماءِ في ساقِيَةٍ مَحْفُورَةٍ. ولا يَجُوزُ إلَّا مُدَّةً لا تَزِيدُ على مُدَّةِ الإِجارَةِ، كما قُلْنا في إجْراءِ الماءِ في الساقِيَةِ. والله أعلمُ.
(1) في م: «مثلها» .
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا أراد أن يُجْرِيَ ماءً في أرْضِ غيرِه لغيرِ ضَرورَةٍ، لم يَجزْ إلَّا بإذْنِه، وإن كان لضَرورَةٍ، مثلَ أن يكونَ له أرْضٌ للزِّراعةِ، لها ماءٌ لا طَرِيقَ له إلَّا أرضُ جارِه، فهل له ذلك؟ على رِوايَتَين؛ إحْداهما، لا يَجوز؛ لأنَّه تَصَرُّفٌ في أرْضِ غيرِه بغيرِ إذْنِه فلم يَجزْ، كما لو لم تَدْعُ إليه ضَرُورة، ولأنَّ مثلَ هذه الحاجَةِ لا تبِيحُ مال غيرِه، بدَلِيلِ أنَّه لا يُباحُ له الزَّرْعُ في أرْضِ غيرِه، ولا البِناءُ فيها، ولا الانْتِفاعُ بشيءٍ مِن مَنافِعِها المُحَرَّمَةِ عليه بمثلِ هذه (1) الحاجَةِ. والأخْرى، يَجُوز؛ لِما رُوِيَ أنّ الضَّحاكَ بنَ خَلِيفَةَ ساق خليجًا مِن العُرَيضِ (2)، فأراد أن يَمُرَّ به في أرْضِ محمدِ بنِ مَسْلَمَةَ، فأبَى، فقال له الضَّحّاك: لِمَ تَمْنَعُنِي وهو مَنْفَعَة لك، تَشْرَبُه أوَّلًا وآخِرًا، ولا يَضُرُّك؟ فأبَى محمد، فكَلَّمَ فيه الضَّحّاك عُمَرَ، فدَعا عمَر محمدَ بنَ مَسْلَمَةَ وأمَرَه أن يُخَلِّيَ سَبِيلَه، فقال محمدٌ: لا واللهِ. فقال له (3) عُمَرُ: لِمَ تَمْنَعُ أخاك ما يَنْفَعُه وهو لك نافِعٌ، تَشرَبُه
(1) سقط من: م.
(2)
العريض: وادي بالمدينة. معجم البلدان 3/ 661.
(3)
سقط من: ر، م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أوَّلًا وآخِرًا؟ فقال محمد: لا واللهِ. فقال عُمَرُ: واللهِ لَيَمُرَّنَّ به ولو على بَطْنِك. فأمَرَه عُمَرُ أن يَمُر به، ففَعَلَ. رَواهُ مالِكٌ في «مُوَطَّأه» (1)، وسعيدٌ في «سُنَنِه» . والأوَّل أقْيَسُ، وقولُ عُمَرَ يُخالِفه قولُ محمدِ بنِ مَسْلَمَةَ، وهو مُوافِقٌ للأصُولِ، فكان أوْلَى.
(1) في: باب القضاء في المرفق، من كتاب الأقضية. الموطأ 2/ 746.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإن صالحَ رجلًا على أن يَسْقِيَ أرْضَه مِن نَهْرِ الرجلِ يَوْمًا أو يوْمين، أو مِن عَينه، وقَدَّرَه بشيءٍ يُعْلَمُ به، لم يَجُزْ. ذَكَرَه القاضي؛ لأنَّ الماءَ ليس بمَمْلُوكٍ، ولا يَجُوزُ بَيعُه، فلا يَجُوزُ الصُّلْحُ عليه، ولأنَّه مَجْهُولٌ. قال: وإن صالحَه على سَهْم مِن العَينِ أو النَّهْرِ كالثُّلُثِ أو الرُّبْعِ، جاز، وكان بَيعًا للقَرارِ، والماءُ تابعٌ له. ويَحْتَمِلُ أن يَجُوزَ الصُّلْحُ على السَّقْي مِن نهْرِه، وقَناتِه؛ لأنَّ الحاجَةَ تَدْعُو إلى ذلك، والماءُ ممّا يَجُوزُ أخْذُ العِوَضِ عنه في الجُمْلَةِ، بدَلِيلِ ما لو أخَذَه في قِرْبَتِه، والصُّلْحُ يَجُوزُ على ما لا يجوزُ بَيعُه؛ بدَلِيلِ الصُّلْحِ عن دَمِ العَمْدِ، والصُّلْحِ على المَجْهُولِ.