الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ صَبَغَ الثَّوْبَ أو قَصَرَهُ، لَمْ يُمْنَعِ الرُّجُوعَ، والزِّيَادَةُ
ــ
بدَلِيلِ ما لو وَجَدَه بعدَ زَوالِ مِلْكِ الْمُفْلِسِ عنه، أوكان مَسامِيرَ قد سَمَّرَ بها بابًا، أو حَجَرًا قد بَنَى عليه، أو خَشَبًا في سَقْفِه، أو أمَةً اسْتَوْلَدَها، وهذا إذا أخَذَ (1) مِثْلَه أو قِيمَتَه، إنَّما يَأْخُذُ عِوَضَ مالِه، فهو كالثَّمَنِ والقِيمَةِ. وفارَقَ المَصْبُوغَ، فإنَّ عَينَه يُمْكِنُه أخْذُها، والسَّويقُ كذلك، فاخْتَلَفا.
1917 - مسألة: (وإن صَبَغ الثَّوْبَ أو قَصَرَه
(2)، لم يُمْنَعِ
(1) في الأصل: «وجد» .
(2)
قَصَرَ الثوبَ: دقَّه وبيَّضه.
لِلْمُفْلِسَ.
ــ
الرُّجُوعَ، والزِّيادَةُ للمُفْلِسِ) إذا صَبَغ المُفْلِسُ الثَّوْبَ، أو لَتَّ السَّويقَ بزَيتٍ، فقال أصْحابُنا: لبائِعِ الثَّوْبِ والسَّويقِ الرُّجُوعُ في أعْيانِ أمْوالِهما. وهو مَذْهَبُ الشافعيِّ؛ لأنَّ عَينَ مالِهما قائِمَةٌ مُشَاهَدَةٌ ما تَغَيَّرَ اسْمُها، ويَكُونُ المُفْلِسُ شَرِيكًا لصاحِبِ الثَّوبِ والسَّويقِ بما زِاد عن قِيمَتِهما. فإن حَصَل زِيادَةٌ فهي له، وإن حَصَل نقْصٌ فعليه، وإن نقَصَت قِيمَةُ الثَّوْبِ أو السَّيقِ، فإن شاء (1) البائِعُ أخَذَهما، ناقِصَين ولا شيءَ له، وإن شاء تَرَكَهما وله أُسْوَةُ الْغُرماءِ؛ لأنَّ هذا نَقْصُ صِفَةٍ، فهو كالهُزالِ. قال شيخُنا (2): ويَحْتَمِلُ أن لا يَكُونَ له الرُّجُوعُ إذا زادَتِ القِيمَةُ؛ لأنَّه اتَّصَلَ بالمَبِيعِ زيادَة للمُفْلِسِ، فمَنَعَتِ الرُّجُوعَ، كسِمَنِ العَبْدِ، ولأنَّ الرُّجُوعَ لا يَتَخَلَّصُ به البائِعُ مِن المُفْلِسِ، ولا يَحْصُلُ به المَقْصُودُ مِن قَطْعِ المُنازَعَةِ وإزالَةِ المُعامَيَةِ، بل يَحْصُلُ له ضَرَرُ الشرِكَةِ، فلم يَكُنْ في مَعْنَى المَنْصُوصِ عليه، فلا يُمْكِنُ إلْحاقُه به.
(1) في الأصل: «سأل» .
(2)
في: المغني 6/ 547.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن قَصَرَ الثَّوْبَ، لم يَخْلُ مِن حالين؛ أحَدُهما، أن لا تَزِيدَ قِيمَتُه بذلك، فللبائِعِ الرُّجُوعُ فيه؛ لأنَّ عَينَ مالِه قائِمَة لم يَزُلِ اسْمُها، ولم يَتْلَف بَعْضُها، ولا اتَّصَلَتْ بغيرِها، فكان له الرُّجُوعُ، كما لو عَلَّمَ الْعَبْدَ صِناعَةً لم تَزِدْ بها قِيمَتُه. وسَواءٌ نَقَصَتْ قِيمَتُه بذلك أو لم تَنْقصْ؛ لأنَّ ذلك النَّقْصَ نَقْصُ صِفَةٍ، فلا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، كنِسْيانِ صِناعَةٍ، وهُزالِ العَبْدِ، ولا شيءَ له مع الرُّجُوعِ. الثانِي، أن تَزِيدَ قِيمَتُه بذلك، فليس لِلبائِعِ الرُّجُوعُ، في قِياس قولِ الخِرَقِيِّ؛ لأنَّه زاد زِيادَةً لا تَتَمَيَّزُ زِيادَتُها، فلم يَمْلِكِ البائِعُ الرُّجُوعَ فيه، كسِمَنِ العَبْدِ، ولأنَّه لم يَجِدْ عَينَ مالِه مُتَمَيِّزَةً عن غيرِها، فلم يَمْلِكِ الرُّجُوعَ، كبائِعِ الصِّبْغِ إذا صُبغ به. وقال القاضي وأصحابُه: له الرُّجُوعُ فيها؛ لأنَّه أدْرَكَ مَتاعَه بعَينِه، ولأنَّه وَجَد عَينَ مالِه لم يَتَغَيَّرِ اسْمُها، ولا ذَهَبَتْ عَينُها، فمَلَكَ الرُّجُوعَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيها، كما لو صَبَغَها. فعلى قَوْلِهم: إن كانَتِ القِصارَةُ بعَمَلِ المُفْلِسِ أو بأُجْرَةٍ وفّاها، فهما شَرِيكان في الثَّوْبِ، فإذا كانت قِيمَةُ الثَّوْبِ خَمْسَةً، فصار يُساوي سِتَّةً، فللمُفْلِسِ سُدْسُه، وللبائِعِ خَمْسَةُ أسْداسِه. فإنِ اخْتارَ البائِعُ دَفْعَ قِيمَةِ الزِّيادَةِ إلى المُفْلِسِ، لَزِمَه قَبُولُها؛ لأنَّه يَتَخَلَّصُ بذلك مِن ضَرَرِ الشَّرِكَةِ مِن غيرِ مَضَرَّةٍ تَلْحَقُه، فأشْبَهَ ما لو دَفَعَ الشَّفِيعُ قِيمَةَ البِناءِ إلى المُشْتَرِي، وإن لم يَخْتَرْ، بِيعَ الثَّوْبُ، وأخَذَ كلُّ واحِدٍ بقَدْرِ حَقِّه. وإن كان العَمَلُ مِن صانِعٍ لم يَسْتَوْفِ أجْرَه، فله حَبْسُ الثَّوبِ على اسْتِيفاءِ أجْرِه. فإن كانَتِ الزِّيادَةُ بقَدْرِ الأَجْرِ، دُفِعَتْ إليه، وإن كانت أقلَّ، فله حَبْسُ الثَّوب على اسْتِيفاءِ (1) قَدْرِ الزيادَةِ، ويَضْرِبُ مع الغُرَماءِ بما بَقِيَ، وإن كانت أكْثرَ، مِثْلَ أن تَكُونَ الزِّيادَةُ دِرْهَمَين، والأجْرُ دِرْهَم، فله قَدْرُ أجْرِه، وما فَضَل للغُرَماءِ.
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل (1): وإنِ اشْتَرَى صِبْغًا فصَبَغَ به ثَوْبًا، أو زَيتًا فلَتَّ به سَويقًا، فبائِعُهما أُسْوَةُ الغُرَماءِ. وقال أصْحابُ الشافعيِّ: له الرُّجُوعُ؛ لأنَّه وَجَد عَينَ مالِه. قالوا: ولو اشْتَرَى ثَوْبًا وصِبْغًا، فصَبَغَ الثوبَ بالصِّبْغِ، رَجَع بائِعُ كلِّ شيءٍ في عَينِ مالِه، وكان بائِعُ الصِّبْغِ شَرِيكًا لبائِعِ الثَّوبِ. وإن حَصَل نقْصٌ، فهو مِن صاحِبِ الصِّبْغِ؛ لأنَّه الَّذي يَتَفَرَّقُ ويَنْقُصُ، والثَّوبُ بحالِه، فإذا كانت قِيمَةُ الثَّوبِ عَشَرَةً وقِيمَةُ الصِّبْغِ خَمْسَة، فصارت قِيمَتُهما اثْنَيْ عَشَرَ، كان لصاحِبِ الثَّوبِ خَمْسَةُ أسْداسِ الثَّوبِ، وللآخَرِ سُدْسُه، ويَضْرِبُ مع الغُرَماءِ بما نَقَص، وذلك ثَلاثَةُ دَراهِمَ. وذَكَرَ القاضي في مَوْضِع مِثْلَ هذا. ولَنا، أنَّه لم يَجِدْ عَينَ مالِه، فلم يَكُنْ له الرُّجُوعُ (2)، كما لو تَلِف، ولأنَّ المُشْتَرِيَ شَغَلَه بغيرِه على وَجْهِ البيعِ، فلم يَمْلِكْ بائِعُه الرُّجُوعَ فيه، كما لو كان حَجَرًا فبَنَى عليه، أو مَسامِيرَ فسَمَّرَ بها بابًا. ولو اشْتَرَى ثَوْبًا وصِبْغًا مِن واحِدٍ، فصَبَغَه به، فقال أصْحابُنا: هو كما لو كان الصِّبْغُ مِن غيرِ بائِعِ الثَّوْبِ. فعلى
(1) سقط هذا الفصل من: ر، ق.
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قَوْلِهِم، يَرْجِعُ في الثَّوبِ وَحْدَه، ويكونُ المُفْلِسُ شَرِيكًا له بزِيادَةِ الصبْغِ، ويَضْرِبُ مع الغُرَماءِ بثَمَنِ الصِّبْغِ. ويَحْتَمِلُ أن يَرْجِعَ فيهما ههُنا؛ لأنَّه وَجَد عَينَ مالِه مُتَميِّزًا عن غيرِه، فكان له الرُّجُوعُ فيه؛ للخَبَرِ، ولأنَّ المَعْنَى في المَحَلِّ الَّذي ثَبَت فيه الرُّجُوعُ مَوْجُود ههُنا، فمَلَكَ الرُّجُوعَ به؛ يَمْلِكُه ثَمَّ. ولو اشْتَرَى دُفُوفًا (1) ومَسامِيرَ مِن بائِعٍ واحِدٍ، فسَمَّرَها به، رَجَع بائِعُهما فيهما؛ لذلك، وكذلك ما أشْبَهَه.
فصل: ولو اشْتَرَى أمَةً حامِلًا، ثم أفْلَسَ وهي حامِل، فله الرُّجُوعُ فيها، إلَّا أن يكونَ الحَمْلُ قد زاد بكِبَرِه وكَثُرَتْ قِيمَتُها بسَبَبِه، فيكون مِن قَبِيلِ الزِّيادَةِ المُتَّصِلَةِ، على ما مَضَى. وإن أَفْلَسَ بعدَ وَضْعِها، فقال القاضي: لهُ الرُّجُوعُ فيهما بكلِّ حالٍ مِن غيرِ تَفْصِيلٍ. قال شيخُنا (2): والصَّحِيحُ أنَّنا إن قُلْنا: إنَّ الحَمْلَ لا حُكْمَ له. فالوَلَدُ زِيادَة مُنْفَصِلَة لا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ فيهما (3)، على قولِ أبي بكر؛ لأنَّ الزِّيادَةَ المُنْفَصِلَةَ عندَه
(1) كذا في النسخ، وفي المغني 6/ 548:«رفوفًا» ولعله الصواب.
(2)
في: المغني 6/ 551.
(3)
في م: «فيها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
للبائِعِ، وهذه زِيادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ، وعلى قولِ غيرِه يكونُ الوَلَدُ للمُفْلِسِ، فيَحْتَمِلُ أن يَمْتَنِعَ الرُّجُوعُ في الأُمِّ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلى التَّفْرِيقِ بينَ الأُمِّ ووَلَدِها، ويَحْتَمِلُ أن يَرْجِعَ في الأُمِّ ويَدْفَعَ قيمَةَ الوَلدِ؛ ليكونا جميعًا له. وإن لم يَفْعَلْ، بِيعَتِ الأُمُّ وولدُها جميعًا، وقُسِمَ الثَّمَنُ على قَدْرِ قِيمَتِهما، فما خَصَّ الأُمَّ فهو للبائِعِ، وما خَصَّ الوَلَدَ للمُفْلِسِ. وإن قُلْنا: إن للوَلَدِ حُكْمًا. وهو الصَّحِيحُ؛ لِما ذَكَرْناه فيما تَقَدَّمَ، فإن (1) كانَتِ الأُمُّ والوَلَدُ قد زادا بالوَضْعِ، فحُكْمُه حُكْمُ المَبِيعِ الزّائِدِ زِيادَةً مُتَّصِلَةً. وإن لم يَزِيدا، جاز الرُّجُوعُ فيهما. وإن زاد أحَدُهما دُونَ الآخَرِ، خُرِّجَ على الرِّوايتَين فيما إذا كان المبِيعُ عَينَين فتَلِفَ بعضُ إحْداهما، هل يَمْنَعُ ذلك الرُّجُوعَ في الأخْرَى؟ كذلك يُخَرَّجُ ههُنا وَجْهان؛ أحدُهما، أن له الرُّجُوعَ فيما لم يَزِدْ دُونَ ما زاد. فيَكُونُ حُكْمُه حُكْمَ الرُّجُوعِ في الأُمِّ دُونَ الوَلَدِ، على ما فَصَّلْناه. والثانِي، ليس له الرُّجُوعُ في شيءٍ منهما؛ لأنَّه لم يَجِدِ المَبِيعَ إلَّا زائِدًا، فأشْبَهَ العَينَ الواحِدَةَ. فإن كان المَبِيعُ حَيَوانًا غيرَ الأمَةِ، فحكْمُه حُكْمُها، إلا في التَّفْرِيقِ بينَهما، فإنَّه جائِزٌ، بخِلافِ الأُمَةِ.
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإنِ اشْتَرَى حائِلًا، فحَمَلَتْ، ثم أفْلَسَ وهي حامِل، فزادت قِيمَتُها به، فهي زِيَادَة مُتَّصِلَة تَمْنَعُ الرُّجُوعَ، على قولِ الخِرَقِيِّ، ولا تَمْنَعُه، على رِوايَةِ المَيمُونِيِّ. وإن أفْلَسَ بعدَ وَضْعِها، فهي زِيادَة مُنْفَصِلَة، فتكونُ للمُفْلِسِ، على الصَّحِيحِ. ويَمْتَنِعُ (1) الرُّجُوعُ في الأم دُونَ وَلَدِها، لِما فيه مِن التَّفْرِيقِ بينَهما. وهذا أحَدُ قَوْلَي الشافعيِّ. ويَحْتَمِلُ أن يَرْجِعَ في الأمِّ، على ما ذَكَرْنا في التي قبلَها. وعلى قولِ أبي بكرٍ، الزِّيادَةُ للبائِعِ، فيكون له الرُّجُوعُ فيهما. وقال القاضي: إذا وَجَدَها حامِلًا، انْبَنَى على أنَّ الحَمْلَ هل له حُكْمٌ أو لا؟ فإن قُلْنا: لا حُكْمَ له. جَرَى مَجْرَى الزِّيَادَةِ المُتَّصِلَةِ. وإن قُلْنا: له حُكْمٌ. فالوَلَدُ في حُكْمِ المُنْفَصِلِ، تَتَرَبَّصُ به حتَّى تَضَعَ، ويكونُ الحُكْمُ فيه كما لو وَجَده بعدَ وَضْعِه. وإن كان الحَمْلُ في غيرِ الآدَمِيَّةِ، جاز التَّفْرِيقُ بينَهما، كما تَقَدَّمَ.
فصل: فإن كان المَبِيعُ نَخْلًا أو شَجَرًا، فأفْلَسَ المُشْتَرِي، لم يَخْلُ مِن أرْبَعَةِ أحْوالٍ؛ أحَدُها، أن يُفْلِسَ وهي بحالِها، لم تَزِدْ ولم تُثْمِرْ ولم يَتْلَفْ بَعْضُها، فله الرُّجُوعُ فيها. الثانِي، أن يكونَ فيها ثمَرٌ ظاهِر، أو طَلْعٌ مُؤَبَّرٌ، فيَشْتَرِطَه المُشْتَرِي فَيَأْكُلَه أو يَتَصَرَّفَ فيه، أو يَذْهَبَ بجائِحَةٍ، ثم يُفْلِسَ، فهذا في حُكْمِ ما لو اشْتَرَى عَينَين فتَلِفَتْ إحْداهما ثم أفْلَسَ،
(1) في م: «تمنع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فهل للبائِعِ الرُّجُوعُ في الأُصُولِ ويَضْرِبُ مع الغُرَماءِ بحِصَّةِ التَّالِفِ مِن الثَّمَرِ؟ على رِوايَتَين. وإنْ تَلِف بَعْضُها، فهو كتَلَفِ جَمِيعِها. وإن زادت أو بَدا صَلاحُها، فهذه زِيادَة مُتَّصِلَةٌ في إحْدَى العَينَين، وقد ذَكَرْنا بيانَ حُكْمِها. الحالُ الثالثُ، أن يَبِيعَه نَخْلًا قد أطْلَعَتْ ولم تُؤبَّرْ، أو شَجَرًا فيه ثَمَرَة لم تَظْهَرْ، فهذه تَدْخُلُ في مُطْلَقِ البَيعِ. فإن أفْلَسَ بعدَ تَلَفِ الثَّمَرَةِ أو بعضِها أو الزِّيادَةِ فيها أو بُدُوِّ صَلاحٍ، فحُكْمُ ذلك حُكْمُ تَلَفِ بعضِ المَبِيعِ وزِيادَتِه المُتَّصِلَةِ؛ لأنَّ المَبِيعَ كان بمَنْزِلَةِ العَينِ الواحِدَةِ، ولهذا دَخَل الثَّمَرُ في مُطْلَقِ البَيعِ، بخِلافِ التي قبلَها. الحالُ الرابعُ، باعَه نَخْلًا حائِلًا فأطْلَعَتْ، أو شَجَرًا فأثْمَرَ، فذلك على أرْبَعَةِ أضْرُبٍ؛ أحَدُها، أن يُفْلِسَ قبلَ تَأْبِيرِها، فالطَّلْعُ زِيادَةّ مُتَّصِلَةٌ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ. وهو اخْتِيارُ الخِرَقِيِّ، كالسِّمَنِ. ويَحْتَمِلُ أنْ يَرْجِعَ في النَّخْلِ دُونَ الطَّلْعِ؛ لأنَّه يُمْكِنُ فَصْلُه، ويَصِحُّ إفْرادُه بالبَيعِ، فهو كالمُؤبَّرِ، بخِلافِ السِّمَنِ. وهذا قولُ ابنِ حامِدٍ. وعلى رِوايَةِ المَيمُونِيِّ، لا يَمْنَعُ، بل يَرْجِعُ، ويكونُ الطَّلْعُ للبائِعِ، كما لو فُسِخَ بعَيبٍ (1). وهو أحَدُ قَوْلَي الشافعيِّ. والقولُ الثانِي، يَرْجِعُ في الأصْلِ دُونَ الطَّلْعِ، وكذلك عندَهم الرَّدُّ بالعَيبِ، والأخْذُ بالشُّفْعَةِ. الضَّرْبُ الثانِي، أفْلَسَ بعدَ التَّأَبِيرِ وظُهُورِ الثَّمَرَةِ، فلا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، والطَّلْعُ للمُشْترِي، إلَّا على قولِ أبي بكر.
(1) في م: «العيب» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والصَّحِيحُ الأوَّلُ؛ لأنَّ الثَّمَرَةَ لا تَتْبَعُ في البَيعِ الَّذي يَثْبُتُ بتَراضِيهما، ففي الفَسْخِ الحاصِلِ بغيرِ رِضا المُشْتَرِي أوْلى. ولو باعَهُ أرْضًا فارِغَةً، فزَرَعَها المُشْتَرِي ثم أفْلَسَ، فإنَّه يَرْجِعُ في الأرْضِ دُونَ الزَّرْعِ، وَجْهًا واحِدًا، لأنَّ ذلك مِن مال المُشْتَرِي. الضَّرْبُ الثّالِثُ، أفْلَسَ والطَّلْعُ غيرُ مُؤَبَّر، فلم يَرْجِعْ حتَّى أُبِّرَ، لم يَكُنْ له الرُّجُوعُ فيه، كما لو أفْلَسَ بعدَ التَّأَبِيرِ؛ لأنَّ العَينَ لا تَنْتَقِلُ إلَّا باخْتِيَارِه، وهذا لم يَخْتَرْها إلَّا بعدَ تَأْبِيرِها. فإنِ ادَّعَى البائِعُ الرُّجُوعَ قبلَ التَّأْبِيرِ، وأنْكَرَ المُفْلِسُ، فالقولُ قولُ المُفْلِس مع يَمِينِه؛ لأنَّ الأصْلَ بقَاءُ مِلْكِه. وإن قال البائِعُ: بِعْتُ بعدَ التَّأبِير. وقال المُفْلِسُ: بل قبلَه. فالقول قولُ البائِعِ؛ لهذه العِلَّةِ. فإن شَهِد الغُرَماءُ للمُفْلِسِ، لم تُقْبَلْ شَهادَتُهم؛ لأنَّهم يَجُرُّونَ إلى أنْفُسِهِم نَفْعًا. وإنْ شَهِدُوا للبائِعِ وهم عُدُولٌ قُبِلَتْ شَهادَتُهم؛ لعَدَمِ التُّهْمَةِ فِي حَقِّهم. الضَّرْبُ الرّابعُ، أفْلَسَ بعدَ أخْذِ الثَّمَرَةِ (1) أو ذَهابِها بجائِحَةٍ أو غيرِها، فله الرُّجُوعُ في الأصْلِ، والثَّمَرَةُ للمُشْتَرِي، إلَّا على قولِ أبي بكْر. وكُلُّ مَوْضِعٍ لا يَتْبَعُ الثَّمَرُ الشَّجَرَ إذا رَجَع البائِعُ فيه، فليس له مُطالبَةُ المُفْلِسِ بقَطْعِ الثَّمَرَةِ قبلَ أوانِ الجِذاذِ. وكذلك إذا رَجَع في الأرْضِ وفيها زَرْعٌ للمُفْلِسِ، فليس له المُطالبَةُ بأخْذِه قبلَ أوانِ الحَصادِ؛ لأنَّ المُشْتَرِيَ زَرَع في أرْضِه بحَقٍّ، وطَلْعُه على الشَّجَرِ بحَقٍّ، فلم يَلْزَمْه أخْذُه قبلَ كمالِه، كما لو باع الأصْلَ وعليه الثَّمَرَةُ، أو الأرْضَ وفيها زَرْعٌ.
(1) في م: «الثمن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وليس على صاحِبِ الزَّرْعِ أجْرٌ؛ لأنَّه زَرَع في أرْضِه زَرْعًا يَجِبُ تَبْقِيَتُه، فكَأنَّه اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الأرْضِ، فلم يَكُنْ عليه ضَمانُ ذلك. إذا ثَبَت هذا، فإنِ اتَّفَقَ المُفْلِسُ والغُرَماءُ على التَّبْقِيَةِ أو القَطْعِ، فلهم ذلك، وإنِ اخْتَلَفُوا، فطَلَبَ بَعْضُهم القَطْعَ وبَعْضُهم التَّبْقِيَةِ، وكان ممَّا لا قِيمَةَ له مَقْطُوعًا، أو قِيمَتُه يَسِيرَةٌ، لم يُقْطَعْ؛ لأنَّ قَطْعَه سَفَهٌ وإضاعَةُ مالٍ، وقد نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن إضاعَتِه. وإن كانت قِيمَتُه كَثِيرَةً، قُدِّمَ قولُ مَن طَلَب القَطْعَ، في أحَدِ الوَجْهَينِ؛ لأنَّ في تَبْقِيَته غَرَرًا، ولأنَّ طالِبَ القَطْعِ إن كان المُفْلِسَ، فهو يَقْصِدُ تَبْرِئَةَ ذِمَّتِه، وإن كان الغرَماءَ فهم يَطْلُبُونَ تَعْجِيلَ حُقُوقِهم، وذلك حَق لهم. وهذا قولُ القاضي، وأكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ. الثانِي، يُنْظَرُ ما فيه الحَظُّ فيُعْمَلُ به؛ لأنَّ ذلك أنْفَعُ للجَمِيعِ، والظَّاهِرُ سَلامَتُه، ولهذا يَجُوزُ أن يُزْرَعَ للمُوَلَّى عليه. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّه (1) إن كان الطالِبُ القَطْعَ الغُرَماءَ، وَجَب إجابَتُهم؛ لأنَّ حُقُوقَهم حالَّةٌ، فلا يَلْزَمُهم تَأْخِيرُها مع إمْكانِ إيفائِها، وإن كان الطَّالِبُ المُفْلِسَ دُونَهم، وكان التَّأْخِيرُ أحَظَّ، لم يُقْطَعْ (2)؛ لأنَّهم رَضُوا بتَأْخِيرِ حُقُوقِهم لحَظٍّ يَحْصُلُ لهم وللمُفْلِسِ، والمُفْلِسُ يَطْلُبُ ما فيه ضَرَرٌ بنَفْسِه ومَنْعُ الغُرَماءِ مِن اسْتِيفاءِ القَدْرِ الَّذي يَحْصُلُ مِن الزِّيادَةِ بالتَّأْخِيرِ، فلا يَلْزَمُ الغُرَماءَ إجابَتُه إلى ذلك.
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «يقع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإنْ أقَرَّ الْغُرمَاءُ بالطَّلْعِ أو الزَّرْعِ للبائِعِ، ولم يَشْهَدُوا به، أو شَهِدُوا به وليسوا عُدُولًا، أو لم يُحْكَمْ بشَهادَتِهم، حَلَف المُفْلِسُ، وثَبَت الطَّلْعُ له، يَنْفرِدُ به دُونَهم؛ لأنَّهُم يُقِرُّونَ أنَّهم (1) لا حَقَّ لهم فيه. فإن أراد دَفْعَه إلى أحَدِهم، أو تَخْصِيصَه بثَمَنِه، فله ذلك؛ لإِقْرارِ باقِيهم أنَّه لا حَقَّ لهم فيه. فإنِ امْتَنَعَ ذلك الغَرِيمُ مِن قَبُولِه، أُجْبِرَ عليه، أو على الإِبراءِ مِن قَدْرِه مِن دَينِه. وهذا مَذْهَبُ الشافعيِّ؛ لأنَّه مَحْكُومٌ به للمُفْلِسِ، فكان له أنْ يَقْضِيَ دَينَه منه، كما لو أدَّى المُكاتَبُ نُجُومَ كِتابَتِه إلى سَيِّدِه، فقال سَيِّدُه: هي حَرامٌ. وأنْكَرَ المُكاتَبُ. وإن أراد قَسْمَه على الغُرَماءِ، لَزِمَهم قَبُولُه أو الإبراءُ؛ لِما ذَكَرْنا. فإن قَبَضُوا الثَّمَرَةَ بعَينِها، لَزِمَهم رَدُّها إلى البائِعِ؛ لأنَّهم مُقِرُّون له بها، فلَزِمَهم دَفْعُها إليه، كما لو أقَرُّوا بعِتْقِ عَبْدٍ، ثم اشْتَرَوْه. فإن باع الثَّمَرَةَ، وقَسَمَ ثَمَنَها فيهم، أو دَفَعَه إلى بَعْضِهم، لم يَلْزَمْه رَدُّ ما أخَذَ مِن ثَمَنِها؛ لأنَّهم اعْتَرَفُوا بالعَينِ، لا بثَمَنِها. وإن شَهِدَ بَعْضُهم دُونَ بعضٍ، أو أقَرَّ بَعْضُهم دُونَ بعضٍ، لَزِم الشَّاهِدَ أو المُقِرَّ الحُكْمُ الَّذي ذَكَرْناه دُونَ غيرِه. وإن عَرَض عليهم المُفْلِسُ الثَّمَرَةَ بعَينِها، فأبَوْا أخْذَها، لم يَلْزَمْهمِ (2) ذلك؛ لأنَّهم إنَّما يَلْزَمُهم الاسْتِيفاءُ مِن جِنْسِ دُيُونِهم، إلا أن يكون فيهم مَن له مِن جِنْسِ الثَّمَرِ أو الزَّرْعِ، [كالمُقْرِضِ والمُسْلِمِ](3)، فيَلْزَمُه أخْذُ ما عُرِض عليه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إذا كان بصِفَةِ حَقِّه. ولو أقَرَّ الغُرَماءُ بأنَّ المُفْلِسَ أعْتَقَ عَبْدًا له قبلَ فَلَسِه، فأنْكَرَ ذلك، لم يُقبَلْ قَوْلُهم، إلَّا أن يَشْهَدَ منهم عَدْلان بإعْتاقِه، ويكونُ حُكْمُهم في قَبْضِ العَبْدِ وأخْذِ ثَمَنِه -إن عَرَضَه عليهم- لُحكْمَ ما لو أقَرُّوا بالثَّمَرَةِ للبائعِ. وكذلك إن أقَرُّوا بعَين ممّا في يَدَيه أنَّها غَصْبٌ أو عارِيَّةٌ أو نحوُ ذلك، فالحُكمُ كما ذَكرْنا سَواءٌ. وإن أقَرُّوا بأنَّه أعْتَقَ عَبْدَه بعدَ فَلَسِه، انْبَنَى ذلك على صِحَّةِ عِتْقِ المُفْلِسِ، فإن قُلْنا: لا يَصِحُّ عِتْقُه. فلا أثَرَ لإِقْرَارِهم. وإن قُلْنا بصِحَّتِه، فهو كإقْرارِهم بعِتْقِه قبلَ فَلَسِه، فإنْ حَكَم الحاكِمُ بصِحَّتِه أو بفَسَادِه، نَفَذ حُكْمُه؛ لأنَّه فصلٌ مُجْتَهَدٌ فيه، فلَزِمَ ما حَكَم به الحاكِمُ، ولا يَجُوزُ نَقْضُه ولا تَغْيِيرُه.
فصل: فإن صَدَّقَ المُفْلِسُ البائِعَ في الرُّجُوعِ قبلَ التَّأْبِيرِ، وكَذَّبَه الغُرَماءُ، لم يُقْبَلْ إقْرارُه؛ لأنَّ حُقُوقَهم تَعَلَّقَتْ بالثَّمَرَةِ ظاهِرًا، فلم يُقْبَلْ إقْرارُه، كما لو أقَرَّ بالنَّخِيلِ، وعلى الغُرَماءِ اليَمِينُ أنَّهُم لا يَعْلَمُون أنَّ البائِعَ رَجَع قبل التَّأْبِيرِ؛ لأنَّ هذه اليَمِينَ لا يَنُوبُون فيها عن المُفْلِسِ، بل هي ثابِتَةٌ في حَقِّهم ابْتِداءً، بخِلافِ ما لو ادَّعَى حَقًّا وأقام شاهِدًا فلم يَحْلِفْ، لم يَكُنْ للغُرَماءِ أن يَحْلِفُوا مع الشّاهِدِ؛ لأنَّ اليَمِينَ على المُفْلِسِ، فلو حَلَفُوا، حَلَفُوا ليُثْبِتُوا حَقًّا لغَيرِهم، ولا يَحْلِفُ الإِنْسانُ ليُثْبِتَ لغَيرِه حَقًّا، ولا يَجُوزُ أن يكونَ نائِبًا (1) فيها؛ لأنَّ الأيمانَ لا تَدْخُلُها النِّيابَةُ، وفي
(1) في الأصل، ر:«ثابتا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَسْألَتِنا الأصْلُ أنَّ هذا الطَّلْعَ قد تَعَلَّقَتْ حُقُوقُهم به؛ لكَوْنِه في يَدِ غَرِيمِهِم (1)، ومُتَّصِلًا بنَخْلِه، والبائِعُ يَدَّعِي ما يُزِيلُ حُقُوقَهم عنه، فأشْبَهَ سائِرَ أعْيانِ مالِه، ويَحْلِفُون على نَفْي العِلْمِ؛ لأنَّه يَمِينٌ على فِعْل غيرِهم، فكانت على نَفْي (2) العِلْمِ، كيَمِينِ الوارِثِ على نَفْي الدَّين على المَيِّتِ. ولو أقَرَّ المُفْلِسُ بعَين مِن أعْيانِ مالِه لأجْنَبيٍّ أو لبعضِ الغُرَماءِ، فأنْكَرَ الباقُون، فالقولُ قَوْلُهم، وعليهم اليَمِينُ أنَّهُم لا يَعْلَمُون ذلك. ومِثْلُه لو أقَرُّ بغَرِيمٍ آخَرَ يَسْتَحِقُّ مُشارَكَتَهم فأنْكَرُوه، حَلَفُوا أيضًا على نَفْي العِلْمِ؛ لذلك. وإن أقَرَّ بعِتْقِ عَبْدِه، انْبَنَى على صِحَّةِ عِتْقِ المُفْلِسِ؛ فإن قُلْنَا: يَصِحُّ عِتْقُه. صَحَّ إقْرارُه، وعَتَق؛ لأنَّ مَن مَلَك شيئًا مَلَك الإقْرارَ به. وإنْ قُلْنا: لا يَصِحُّ عِتْقُه. لم يُقْبَلْ إقْرارُه، وعلى الغُرَماءِ اليَمِينُ أنَّهم لا يَعْلَمُون ذلك. وكلُّ مَوْضِع قُلْنا: على الغُرَماءِ اليمِينُ. فهي على جَمِيعِهم، فإن حَلَفُوا، وإلَّا قُضِيَ للمُدَّعِي، إلَّا أن نَقُولَ برَدِّ اليَمِينِ على المُدَّعِي، فيَحْلِفُ ويَسْتَحِقُّ. وإن حَلَف بَعْضُهم دُونَ بعضٍ، أخَذَ الحالِفُ نَصِيبَه، وحُكْمُ النّاكِلَ على ما ذَكَرْناه.
فصل: وإن أقَرَّ المُفْلِسُ أنَّه أعْتَقَ عَبْدَه منذُ سَنَةٍ، وكان العَبْدُ قد اكْتَسَبَ بعدَ ذلك مالًا وأَنْكَرَ الغُرَماءُ، فإن قُلْنا: لا يُقْبَلُ إقْرارُه. حَلَفُوا، واسْتَحَقُّوا العَبْدَ وكَسْبَه. وإن قُلْنا: يُقْبَلُ إقْرارُه. لم يُقْبَلْ في
(1) في الأصل، ر 1:«غيرهم» .
(2)
سقط من: الأصل.