الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْحَالِّ مُؤجلًا. وَإنْ ضَمِنَ الْمُؤجَّلَ حَالًّا، لَمْ يَلْزمهُ قَبْلَ أجَلِهِ، فِي أصح الْوَجْهينِ.
ــ
1843 - مسألة: (ويَصِحُّ ضَمانُ الحالِّ مُؤجَّلًا. وإن ضَمِن المُؤجلَ حالًا، لم يَلْزَمه قبلَ أجَلِه، في أصَحِّ الوَجْهين)
إذا ضَمِن الدينَ الحالَّ مُؤجلًا، صَحَّ، ويَكُونُ حالًا على المَضْمُونِ عنه مُؤجلًا على الضّامِنِ، يَملِكُ مُطالبَةَ المَضْمُونِ عنه دُونَ الضّامِنِ. وبه قال الشافعي. قال أحمدُ، في رجل ضَمِن ما على فُلانٍ أن يُؤديه في ثَلاثِ سِنِين: فهو عليه، ويُؤدِّيه كما ضَمِن. وَوَجْهُ ذلك، ما روَى ابنُ عَبّاس، أن رَجُلًا لَزِم غَرِيمًا له بعَشَرَةِ دَنانِيرَ، على عَهْدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: ما عِنْدِي شيءٌ أعطِيكَه. فقال: واللهِ لا فارَقْتُكَ حتى تُعطِيَني أو تأتِيَني بحَمِيلٍ. فَجَرَّه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«كَم تَستَنْظِرُهُ؟» . فقال: شَهْرًا. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «فَأنا أحمِلُ» . فجاءَه به في الوَقْتِ الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«مِنْ أْينَ أصَبْتَ هذَا؟» . قال: مِن مَعدِنٍ. قال: «لَا خَيرَ فِيها» . وقَضاها عنه. رَواه ابنُ ماجه (1).
(1) في: باب الكفالة، من كتاب الصدقات. سنن ابن ماجه 2/ 804.
كما أخرجه أبو داود، في: كتاب في استخراج المعادن، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 217، 218.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولأنه ضَمِن مالًا بعَقْدٍ مؤجَّلٍ، فكانَ مؤجَّلًا، كالبَيعِ. فإن قِيلَ: فعندكم الدَّين الحالُّ لا يَتَأجَّلُ، فكَيفَ تَأجَّلَ على الضّامِنِ؟ أم كيف يَثْبت في ذِمةِ الضّامِنِ على غيرِ الوَصفِ الذي يَتَّصِف به في ذِمّةِ المَضْمُونِ عنه؟ قلْنا: الحَقُّ يَتَأجَّل في ابْتِداءِ ثبوتِه [إذا كان ثبوتُه](1) بعَقْدٍ، وهذا ابْتداءُ ثبوتِه في حَقِّ الضّامِنِ، فإنَّه لم يَكُنْ ثابِتًا عليه حالًا، ويَجوز أن يخالِفَ ما في ذِمةِ الضّامِنِ الذي في ذِمَّةِ المَضْمونِ عنه، بدَلِيلِ ما لو مات المَضْمُون عنه والدين مؤجل. إذا ثبَت هذا، فكان الدين حالًّا فَضَمِنَه إلى شَهْرَينِ، لم يَكُنْ له مطالبَةُ الضّامِنِ إلى شَهْرين (2)، فإن قَضَاه قبلَ الأجَلِ، فله الرّجوع به في الحالِ، على الرِّوايَةِ التي تَقُول: إنه إذا قَضَى دَينَه بغيرِ إذْنِه، رَجَع به؛ لأنَّ أكثر (3) ما فيه ها هنا، أنَّه قَضَى بغيرِ إذْنٍ. وعلى الرِّوايَةِ الأخْرَى، لا يرجع به قبلَ الأجَلَ؛ لأنه لم يأذَنْ له في القَضاءِ
(1) سقط من: ر 1، م.
(2)
في م: «شهر» .
(3)
سقط من: ر 1، م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قبل ذلك.
فصل: فإن كان الدَّينُ مُؤجَّلًا فضَمِنَه حالًّا، لم يَصر حالًّا، ولم يَلْزَمه أداؤه قبلَ أجَلِه؛ لأنَّ الضّامِنَ فرع للمَضْمُونِ عنه، فلا يَلْزَمُه ما لا يَلْزَمُه، ولأنَّ المَضْمُونَ عنه لو ألْزَمَ نَفْسَه تَعجيلَ هذا الدَّينِ، لم يَلْزَمه تَعجِيلُه، فبأن لا يَلْزَمَ الضّامِنَ أوْلَى، ولأنَّ الضَّمانَ الْتِزامُ دَين في الذِّمَّةِ، فلا [يَجُوزُ أن يَلْتَزِمَ](1) ما لا (2) يَلْزَمُ المَضْمُونَ عنه. فعلى هذا، إن قَضاه حالًّا، لم يرجع به قبلَ أجَلِه؛ لأنَّ ضَمانَه لم يُغَيِّره عن تأجِيله والفَرقُ بينَ هذه المَسْألةِ والتي قَبْلَها، أنَّ الدَّينَ الحالَّ ثابِت في الذِّمةِ، مُسْتَحِقُّ القَضاءِ في جَمِيعِ الزمانِ، فإذا ضَمِنَه مُؤجلًا فقد الْتَزَمَ بعضٍ ما يَجِبُ على المَضْمُونِ عنه، فصَحَّ، كما لو كان الدَّينُ عَشَرَةً فضَمِنَ خَمسَة، وأمّا الدَّيْنُ المُؤجَّلُ، فلا يُسْتَحَقُّ قَضاؤه إلَّا عند أجَلِه، فإذا ضَمِنَه حالا، الْتَزَمَ ما لم يَجِبْ على المضْمُونِ عنه، أشْبَه ما لو كان الدينُ عَشَرَةً فضَمِنَ عِشْرِين. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّه يَصِحُّ ضَمانُ المُؤجَّلِ حالا، كما يَصِحُّ ضَمانُ الحالِّ مُؤجَّلًا، قِياسًا عليه. وقد ذَكَرنا الفَرقَ بينَهما بما يَمنَعُ القِياسَ، إن شاءَ الله تعالى.
فصل: ولا يَدخُلُ الضمانَ والكَفالةَ خِيار؛ لأن الخِيارَ جُعِل (3)
(1) في ر 1: «يلزم» .
(2)
سقط من: م.
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ليُعرَفَ ما فيه الحَظُّ، والضَّمِينُ والكَفِيلُ دَخَلا على أنَّه لا حَظَّ لهما، ولأنَّه عَقْد لا يَفْتَقِرُ إلى القَبُولِ، فلم يَدخُلْه خِيارٌ، كالنذْرِ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشافعيُّ. ولا نَعلَمُ فيه خلافًا. فإن شَرَطَ الخيارَ فيهما (1)، فقال القاضي: عندِي أنَّ الكَفالةَ تَبْطُلُ. وهو مَذْهبُ الشافعيِّ؛ لأنَّه شَرط يُنافِي مُقْتَضاها، ففَسَدَتْ، كما لو شَرَط أن لا يُؤدِّيَ عن المَكْفُولِ به، وذلك لأنَّ مُقْتَضَى الضَّمانِ والكَفالةِ لُزُومُ ما ضَمِنَه أو كَفَل به، والخِيارُ يُنافِي ذلك. ويَحتَمِلُ أن يَبطُلَ الشّرطُ وَحدَه، كما قلنا في الشُّرُوطِ الفاسِدَةِ في البَيعِ. ولو أقَرَّ أنَّه كَفَل بشَرطِ الخِيارِ، لَزِمَتْه الكَفالةُ، وبَطَل الشّرطُ؛ لأنَّه وَصَل بإقْرارِه ما يبطِلُه، فأشْبَه اسْتِثْناءَ الكلِّ.
فصل: وإذا ضَمِن رَجُلان عن رجلٍ ألفًا ضَمانَ اشْتِراكٍ، فقالا: ضَمِنَّا لك الألْفَ الذي على زَيدٍ. فكل واحدٍ منهما ضامِن لنِصفِه. وإن كانوا ثَلاثةً، فكلُّ واحِدٍ ضَامِن ثُلُثَه. فإن قال واحِد منهم: أنا وهذان ضامِنُون لك الألْفَ. فسَكَتَ الآخَرانِ، فعليه ثُلُثُ الألْفِ، ولا شيءَ عليهما. وإن قال كلُّ واحدٍ منهم: كل واحدٍ مِنّا ضامِن لك الألْفَ. فهذا ضَمانُ اشْتِراكٍ وانْفِرادٍ، وله مُطالبَةُ كلِّ واحدٍ منهم بالألْفِ إن شاء. وإن أدّى أحَدُهُم الألفَ كله، أو حِصّتَه منه، لم يرجع إلَّا على المَضْمُونِ عنه؛ لأن كلَّ واحدٍ منهم ضامِن أصلِي، وليس بضامِن عن الضّامِنِ الآخَرِ.
(1) في م: «فيها» .