الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَتَى عَقَلَ الْمَجْنُونُ، وَبَلَغَ الصَّبِيُّ، وَرَشَدَا، انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُمَا بِغَيرِ حُكْمِ حَاكِمٍ، وَدُفِعَ إِلَيهِمَا مَالُهُمَا، وَلَا يَنْفَكُّ قَبْلَ ذَلِكَ بِحَالٍ.
ــ
1937 - مسألة: (ومتى عَقَل المَجْنُونُ، وبَلَغ الصَّبِيُّ، ورَشَدا، انْفَكَّ الحَجْرُ عنهما بغيرِ حُكْمِ حاكِمٍ، ودُفِع إليهما مالُهما، ولا يَنْفَكُّ قبلَ ذلك بحالٍ)
إذا عَقَل المَجْنُونُ ورَشَد انْفَكَّ الحَجْرُ عنه، ولا يَحْتاجُ إلى حُكْمِ حاكِمٍ، بغيرِ خِلافٍ، وكذلك الصَّبِيُّ إذا بَلَغ ورَشَد. وهذا مَذْهَبُ الشافعيِّ. وقال مالِكٌ: لا يَزُولُ إلَّا بِحاكِمٍ (1). وهو قولُ بعضِ أصحابِ الشّافِعِيِّ، لأنَّه مَوْضِعُ اجْتِهادٍ ونَظَرٍ، فإنَّه يَحْتَاجُ في مَعْرِفَةِ البُلُوغِ والرُّشْدِ إلى اجْتِهادٍ، فيُوقَفُ ذلك على حُكْمِ الحاكِمِ، كزوالِ الحَجْرِ عن السَّفِيهِ. ولَنا، قَوْلُه تعالى:{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيهِمْ أَمْوَالهُمْ} (2). أمَرَ بدَفْعِ أمْوالِهم إليهم عندَ البُلُوغِ وإيناسِ الرُّشْدِ، فاشْتِراطُ حُكْمِ الحاكِمِ زِيادَةٌ تَمْنَعُ الدَّفْعَ عندَ وُجُودِ
(1) في ر 1، م:«بحكم حاكم» .
(2)
سورة النساء 6.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك، حتى يَحْكُمَ الحاكِمُ، وهذا مُخالِفٌ لظاهِرِ النَّصِّ، ولأنَّه حَجْرٌ ثَبَت بغيرِ حُكْمِ حاكِمٍ، فيَزُولُ بغيرِ حُكْمِه، كالحَجْرِ على المجْنُونِ، ولأنَّ الحَجْرَ عليه إنَّما كان لعَجْزِه عن التَّصَرُّفِ في مالِه على وَجْهِ المَصْلَحَهِ، حِفْظًا لمالِه عليه، فمتى بَلَغ ورَشَد، زال الحَجْرُ، لزَوالِ سَبَبِه، والسَّفِيهُ لنا فيه مَنْعٌ. فعلى هذا، الحَجْرُ مُنْقَسِمٌ إلى ثَلاثَةِ أقْسامٍ؛ قِسْمٌ يَزُولُ بغَيرِ حُكْمِ الحاكِمِ، وهو الحَجْرُ للجُنُونِ. وقِسْمٌ لا يَزُولُ إلَّا بحُكْمِ حاكِم، وهو الحَجْرُ للسَّفَهِ. وقِسْمٌ فيه الخِلاف، وهو الحَجْرُ للصِّبَا (1).
فصل: ومتى انْفَكَّ الحَجْرُ عنهما، دُفِع إليهما مالُهما؛ لقَوْلِ اللهِ تعالى:{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيهِمْ أَمْوَالهُمْ} . قال ابنُ المُنْذِرِ: اتَّفَقُوا على ذلك. ولأنَّ مَنْعَه مِن التَّصَرُّفِ إنَّما كان لعَجْزِه عن التَّصَرُّفِ، حِفْظًا لمالِه، فإذا صار أهْلًا للتَّصَرُّفِ، زال الحَجْرُ؛ لزَوالِ سَبَبِه.
فصل: ولا يَنْفَكُّ عنه الحَجْرُ، ولا يُدْفَعُ إليه مالُه قبلَ البُلُوغِ والرُّشْدِ، ولو صار شيخًا. وهو قولُ الأكْثَرِين. قال ابنُ المُنْذِرِ: أكْثَرُ عُلَماءِ الأمْصار مِن أهلِ العِراقِ، والحِجازِ، والشّامِ، ومِصْرَ، يَرَوْن الحَجْرَ على كلِّ مُضَيِّعٍ لمالِه، صَغِيرًا كان أو كَبِيرًا. وبه قال القاسِمُ بنُ
(1) في ر 1، م:«على الصبي» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
محمدٍ، ومالِكٌ، والشافعيُّ، وأبو يُوسُفَ، ومحمدٌ. وروَى الجُوزْجانِيُّ، في «كِتابِه» قال: كان القاسِمُ بنُ محمدٍ يَلِي أمْرَ شيخٍ مِن قُرَيش ذي أهْلٍ ومالٍ، فلا يَجُوزُ له أمْرٌ في مالِه دُونَه؛ لضَعْفِ عَقلِه. قال ابنُ إسحاقَ: رَأيتُه شيخًا يَخْضِبُ، وقد جاء إلى القاسِمِ بنِ محمدٍ، فقال: يا أبا محمدٍ ادْفَعْ إليَّ مالِي، فإنَّه لا يُولَّى على مِثْلِي. فقال: إنَّك فاسِدٌ. فقال،: امْرَأَتُه طالِقٌ ألْبَتَّةَ، وكلُّ مَمْلُوكٍ له حُرٌّ، إن لم تَدْفَعْ إلَيَّ مالِي. فقال القاسِمُ بنُ محمدٍ: وما يَحِلُّ لَنا أن نَدْفع إليك مالك على حالِك هذه. فبَعَثَ إلى امْرَأتِه، وقال: هي حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ، وما كُنْتُ لأحْبِسَها عَلَيكَ وقد فُهْتَ بطَلاقِها. فأرْسَلَ إليها فأخبَرَها ذلك، وقال: أمّا رَقِيقُكَ فلا عِتْقَ لك ولا كَرَامَةَ. فَحَبَسَ رَقِيقَه. قال ابنُ إسحاقَ: ما كان يُعابُ على الرجلِ إلَّا سَفَهُه. وقال أبو حَنِيفَةَ: لا يُدْفَعُ مالُه إليه قبلَ خَمْسٍ وعِشْرِين سَنَةً، وإن تَصَرَّفَ نَفَذ تَصَرُّفُه، فإذا بَلَغ خَمْسًا وعِشْرِين سَنَة، فُكَّ الحَجْرُ عنه ودُفِعَ إليه مالُه؛ لقولِ اللهِ تعالى:{وَلَا تَقْرَبُوا مَال الْيَتِيمِ إلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} (1). وهذا قد بَلَغ أشُدَّه، ويَصْلُحُ أن يكونَ جَدًّا، ولأنَّه حُرٌّ بالِغٌ عاقِلٌ مُكَلَّفٌ، فلا يُحْجَرُ عليه، كالرَّشِيدِ. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالكُمُ} . أي أمْوالهم. وقَوْلُه تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيهِمْ أَمْوَالهُمْ} . عَلَّقَ الدَّفْعَ على
(1) سورة الأنعام 152، وسورة الإسراء 34.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
شَرْطَين، والحُكْمُ المُعَلَّقُ على شَرْطَين لا يَثْبُتُ بدُونِهما. وقال تعالى:{فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} (1). فأثْبَتَ الولايةَ على السَّفِيهِ، ولأنَّه مُبَذِّرٌ، فلم يَجُزْ دَفْعُ مالِه إليه، كمَن له دُونَ ذلك. وأمّا الآيَةُ التي احْتَجَّ (2) بها، فإنَّما تَدُلُّ بدَلِيلِ خِطابِها، وهو [لا يَقولُ](3) به، ثم هي مُخَصَّصَةٌ فيما قبلَ خَمْسٍ وعِشْرِين بالإجْماعِ؛ لعِلَّةِ السَّفَهِ، وهو مَوْجُود بعدَ خَمْسٍ وعِشْرِين، فيَجِبُ أن يُخَصَّ به أيضًا،؛ أنَّها لَمّا خُصِّصَتْ في حَقِّ المَجْنُونِ لجُنُونِه فيما قبلَ خَمْسٍ وعِشْرِين خُصِّصَتْ بعدَها. وما ذَكَرْنا من المَنْطُوق أوْلَى ممّا اسْتَدَلَّ به مِن المَفْهُومِ المُخَصَّصِ. وقَوْلُه: إنَّه صار يَصْلُحُ جَدًّا لا مَعْنًى تحتَه يَقْتَضِي الحُكْمَ، ولا له أصْلٌ يَشْهَدُ له (4) في الشَّرْعِ، فهو إثْباتٌ للحُكْمِ بالتَّحَكُّمِ، ثم هو مُتَصَوَّرٌ ممَّن له (5) دُونَ هذا السِّنِّ، فإنَّ المرأةَ تكونُ جَدَّةً لإِحْدَى وعِشْرِين سَنَةً. وقِياسُهم مُنْتَقِضٌ بمَن له دُونَ خَمْسٍ وعِشْرِين سَنَةً، فما أوْجَبَ الحَجْرَ قبلَها يُوجِبُه بعدَها. إذا ثَبَت هذا، فإَّنه لا يَصِحُّ تَصَرُّفُه ولا إقْرارُه. وقال أبو حَنِيفَةَ: يَصِحُّ بَيعُه وإقْرارُه؛ لأنَّ البالِغَ عندَه لا يُحْجَرُ عليه، وإنَّما لم يُسَلَّمْ إليه
(1) سورة البقرة 282.
(2)
في م: «احتجوا» .
(3)
في الأصل: «ما يفعل» .
(4)
سقط من: «الأصل»
(5)
في م: «هو» .