الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ جَنَى، شَارَكَ الْمَجْنِيُّ عَلَيهِ الْغُرَمَاءَ، وَإنْ جَنَى عَبْدُهُ، قُدِّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيهِ بِثَمَنِهِ.
ــ
وعامَلُوهَ، ومَن لا يَعْلَمُ فقد فَرَّطَ في ذلك؛ فإنَّ هذا في مَظِنَّةِ الشُّهْرَةِ. فعلى هذا، يُتْبَع بها بعدَ فَكِّ الحَجْرِ عنه. وفي إقْرارِه خِلافٌ، ذَكَرْناه في المسألَةِ التي قَبْلَها. فأمّا إن ثَبَت عليه حَقٌّ ببَيِّنَةٍ، شارَكَ صاحِبُه الغرَماءَ؛ لأنَّه دَينٌ ثابِتٌ قبلَ الحَجْرِ عليه، أشْبَهَ ما لو شَهِدَت به قبلَ الحَجْرِ.
1913 - مسألة: (وإن جَنَى، شارَكَ المَجْنِيُّ عليه الغُرَماءَ، وإن جَنَى عَبْدُه، قُدِّمَ المَجْنِيُّ عليه بثَمَنِه)
إذا جَنَى المُفْلِسُ بعدَ الحَجْرِ جِنايَةً مُوجِبَةً للمالِ، شارَكَ المَجْنِيُّ عليه الغُرَماءَ؛ لأنَّ حَقَّ المَجْنِيِّ عليه ثَبَت
فَصْلٌ: الثَّانِي، أَنْ مَنْ وَجَدَ عِنْدَهُ عَينًا بَاعَهَا إِيَّاهُ، فَهُوَ أحَقُّ
ــ
بغيرِ اخْتِيارِه. ولو كانتِ الجِنايَةُ مُوجِبَةً للقِصاصِ، فعَفا صاحِبُها عنها إلى مالٍ، أو صالحَه المُفْلِسُ على مالٍ، شارَكَ الغُرَماءَ؛ لأن سَبَبَه ثَبَتْ بغيرِ اخْتِيارِ صاحِبِه، فأشْبَهَ ما أوْجَبَ المال. فإن قِيلَ: ألا قَدَّمْتُم حَقَّه على الغُرَماءِ، كما قَدَّمْتُم حَقَّ مَن جَنَى عليه بعضُ عَبِيدِ المُفْلِسِ؟ قُلْنا: لأنَّ الحَقَّ في العَبْدِ الجانِي تَعَلَّقَ بعَينِه، فقُدِّمَ لذلك، وحَقُّ هذا تَعَلَّقَ بالذِّمَّة، كغيرِه مِن الدُّيُونِ، فاسْتَوَيَا. فإنْ جَنَى عَبْدُه، قُدِّمَ المَجْنِيُّ عليه بثَمَنِه؛ لأنَّ الحَقَّ تَعَلَّق بالعَين، فقُدِّمَ على مَن تَعَلَّقَ حَقُّه بالذِّمَّةِ، كما يُقَدَّمُ حَقُّ المُرْتَهِنِ بثَمَنِ الرَّهْنِ على الغُرَماءِ، ولأنَّ حَقَّ المَجْنِيِّ عليه يُقَدَّمُ على حَقِّ المُرْتَهِنِ، فأوْلَى أن يُقَدَّمَ على حَقِّ الغُرَماءِ.
فصل: قال، رحمه الله: (الثانِي، أنَّ مَن وَجَد عندَه عَينًا باعَها إياهُ،
بِهَا، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُفْلِسُ حَيًّا، وَلَمْ يَنْقُدْ مِنْ ثَمَنِهَا شَيئًا، وَالسِّلْعَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَتْلَفْ بَعْضُهَا، وَلَمْ تتَغَيَّرْ صِفَتُهَا بِمَا يُزِيلُ اسْمَهَا، كَنَسْجِ الْغَزْلِ وَخَبْزِ الدَّقِيقِ.
ــ
فهو أحَقُّ بها، بشَرْطِ أن يَكُونَ المُفْلِسُ حَيًّا، ولم يَنْقُدْ مِن ثَمَنِها شيئًا، والسِّلْعَةُ بحالِها لم يَتْلَفْ بَعْضُها، ولم تَتَغَيَّرْ صِفَتُها بما يُزِيلُ اسْمَها، كنَسْجِ الغَزْلِ، وخَبْزِ الدَّقِيقِ) [وجُمْلَةُ ذلك](1)، أنَّ المُفْلِسَ إذا حُجِر عليه، فوَجَدَ بعضُ غُرَمائِه سِلْعَتَه التي باعَه إيّاها بعَينِها، فله فَسْخُ البَيعِ والرُّجُوعُ في عَينِ مالِه بالشُّروطِ التي نَذْكُرُها. رُوِيَ ذلك عن عُثْمانَ، وعلي، وأبي هُرَيرَةَ. وبه قال عُرْوَةُ، ومالِكٌ، والشافعيُّ، والأوْزاعِيُّ، والعَنْبَرِيُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال الحَسَنُ، والنَّخَعِيُّ، وابنُ شُبْرُمَةَ، وأبو حنيفةَ: هو أُسْوَةُ الغُرَماءِ، لأنَّ البائِعَ كان
(1) في م: «وجملته» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
له حَقُّ الإِمْساكِ لقَبْضِ الثَّمَنِ، فلَمّا سَلَّمَه، أسْقَطَ [حَقَّه مِن](1) الإِمْساكِ، فلم يَكُنْ له أن يَرْجِعَ في ذلك بالإِفْلاسِ، كالمُرْتَهِنِ إذا سَلَّمَ الرَّهْنَ إلى الرّاهِنِ. ولأنَّه ساوَى الْغُرماءَ في سَبَبِ الاسْتِحْقاقِ، فيُساويهم في الاسْتِحْقاقِ، كسائِرِهم. ولَنا، ما روَى أبو هُرَيرَةَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ أدْرَكَ مَتَاعَهُ بعَيِّنِه عِنْدَ إنْسَانٍ قَدْ أفْلَسَ، فَهُوَ أحَقُّ بِهِ» . مُتَّفَقٌ عليه (2). قال أحمدُ: لو أنَّ حاكِمًا حَكَم أنَّه أسْوَةُ الغُرَماءِ، ثم رُفِع إلى رجلٍ يَرَى العَمَلَ بالحَدِيثِ، جاز له نَقْضُ حُكْمِه. ولأنَّ هذا العَقْدَ يَلْحَقُه الفَسْخُ بالإِقالةِ، فجاز فيه الفَسْخُ لتَعَذُّرِ الغَرَضِ، كالمُسْلَمِ فيه إذا تَعَذَّرَ. ولأنه لو شَرَط في البَيعِ رَهْنًا، فعَجَزَ عن تَسْلِيمِه، اسْتَحَقَّ الفَسْخَ، وهو وَثِيقَةٌ بالثَّمَنِ، فالعَجْزُ عن تَسْلِيمِ الثَّمَنِ بنَفْسِه أوْلَى. ويُفارِقُ البَيعُ
(1) في م: «حق» .
(2)
أخرجه البخاري، في: باب إذا وجد ماله عند مفلس. . . .، من كتاب الاستقراض. صحيح البخاري 3/ 155، 156. ومسلم، في: باب من أدرك ما باعه عند المشتري وقد أفلس. . . .، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1193.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في الرجل يفلس فيجد الرجل متاعه بعينه عنده، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 257. وابن ماجه، في: باب من وجد متاعه بعينه عند رجل قد أفلس، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجه 2/ 790. والإمام مالك، في: باب ما جاء في إفلاس الغريم، من كتاب البيوع. الموطأ 2/ 678. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 347.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الرَّهْنَ، فإنَّ إمْساكَ الرَّهْنِ إمْساكٌ مُجَرَّدٌ على سَبِيلِ الوَثِيقَةِ، وليس ببَدَلٍ، والثمنُ ههُنا بَدَلٌ عن العَينِ، فإذا تَعَذرَ اسْتِيفاؤُه، رَجَع إلى المُبْدَلِ. وقَوْلُهم: تَساوَوْا في سَبَبِ الاسْتِحْقاقِ. قُلْنا: لكنِ اخْتَلَفُوا في الشَّرْطِ، فإنَّ بقاءَ العَينِ شَرْط لمِلْكِ الفَسْخِ، وهي مَوْجُودَةٌ في حَقِّ مَن وَجَد مَتاعَه دُونَ مَن لم يَجِدْه. إذا ثَبَت هذا، فإن البائِعَ بالخِيارِ، إن شاء رَجَع في السِّلْعَةِ، وإن شاء لم يَرْجعْ وكان أُسْوَةَ الغُرَماءِ، وسواءٌ كانَتِ السِّلْعَةُ مُساويَةً لثَمَنِها، أو أقَلَّ أو أَكثَرَ؛ لأنَّ الإِعْسارَ سَبَبٌ يُثْبِتُ جوازَ الفَسْخِ، فلا يُوجِبُه، كالعَيبِ والخِيارِ. ولا يَفْتَقِرُ الفَسْخُ (1) إلى حُكْمِ حاكِمٍ؛ لأنَّه فَسْخٌ ثَبَت بالنَّصِّ، فلم يَحْتَجْ إلى حُكْمِ حاكِم، كفَسْخِ النِّكاحِ لعِتْقِ الأمَةِ.
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وهل خِيارُ الفَسْخِ على الفَوْرِ أو التَّراخِي؟ فيه وَجْهان؛ أحَدُهما، أنَّه على التَّراخِي؛ لأنَّه حَقُّ رُجُوعٍ يَسْقُطُ إلى عِوَضٍ، فكان على التَّراخِي، كالرُّجُوعَ في الهِبَةَ. والثانِي، هو (1) على الفَوْرِ؛ لأنَّ جَوازَ تَأْخِيرِه يُفْضي إلى الضَّرَرِ بالغُرَماءِ، لإِفْضائِه إلى تَأْخِيرِ حُقوقِهم، فأشْبَهَ خِيارَ الأخْذِ بالشّفْعَةِ. وهذان الوَجْهان مَبْنِيَّان على الرِّوايَتَين في خِيارِ الرَّدِّ بالعَيبِ. ونَصَر القاضي الوَجْهَ الثانِيَ. ولأصْحابِ الشافعيِّ الوَجْهان.
فصل: فإنْ بَذَل الغُرَماءُ لصاحِبِ السِّلْعَةِ الثَّمَنَ ليَتْرُكَها، لم يَلْزَمْه قَبُولُه. نصَّ عليه أحمدُ. وبه قال الشافعيُّ. وقال مالِكٌ: ليس له الرُّجُوعُ؛ [لأن الرجوع](2) إنَّما جاز لدَفْعِ ما يَلْحَقُه مِن النَّقْصِ في الثَّمَنِ، فإذا بُذِل له بكَمالِه، لم يَكُنْ له الرُّجُوعُ، كما لو زال العَيبُ مِن المَعِيبِ. ولَنا، الخَبَرُ الذي رَوَيناه، ولأنَّه تَبَرُّع بدَفْعِ الحَقِّ مِن غيرِ مَن هو عليه، فلم يُجْبَرْ صاحِبُ الحَقِّ على قَبْضِه، كما لو أعْسَرَ الزَّوْجُ بالنَّفَقَةِ، فبَذَلَها غيرُه، أو أعْسَرَ المُكاتَبُ، فبَذَلَ غيرُه ما عليه لسَيِّدِه، وبهذا يَنْتَقِضُ ما ذَكَرُوه. وسَواءٌ بَذَلُوه مِن أمْوالِهم، أو خَصُّوه بثَمَنِه مِنِ مالِ المُفْلِسِ، وفي هذا القَسْمِ ضَرَرٌ آخَرُ؛ لأنَّه لا يَأْمَنُ أن يَظْهَرَ له غرِيمٌ لم يَحْضُرْ، فيَرْجِعَ عليه. وإن دَفَعُوا إلى المُفْلِسِ الثمَنَ، فبَذَلَه للبائِعِ، لم يَكُنْ له
(1) سقط من: م.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الفَسْخُ؛ لأنَّه زال العَجْزُ عن تَسْلِيمِ الثَّمَنِ، فزال مِلْكُ الفَسْخِ، كما لو أسْقَطَ سائِرُ الغُرَماءِ حُقُوقَهم عنه فمَلَكَ أداءَ الثَّمَنِ. ولو أسْقَطَ الغُرَماءُ حَقَّهم (1) عنه فتَمَكَّنَ مِن الأداءِ، أو وُهِب له مالٌ فأمْكَنَه الأداءُ منه، أو غَلَتْ أعْيانُ مالِه فصارت قِيمَتُها وافِيَةً بحُقُوقِ الغُرَماءِ، بحيث يُمْكِنُه أداءُ الثَّمَنِ كلِّه، لم يَمْلِكِ الفَسْخَ؛ لزَوالِ سَبَبِه، ولأنَّه أمْكَنَه الوُصُولُ إلى ثَمَنِ سِلْعَتِه مِن المُشْتَرِي، فلم يَكُنْ له الفَسْخُ، كما لو لم يُفْلِسْ.
فصل: فإنِ اشْتَرَى المُفْلِسُ مِن إنْسانٍ سِلْعَةً بعدَ الحَجْرِ في ذِمَّتِه، وتَعَذَّرَ الاسْتِيفاءُ، لم يَكُنْ له الفَسْخُ، سَواءٌ عَلِم أو لم يَعْلَمْ؛ لأنَّه لا يَسْتَحِقُّ المُطالبَةَ بثَمَنِها، فلا يَسْتَحِقُّ الفَسْخَ؛ لتَعَذُّرِه، كما لو كان ثَمَنُها مُؤجَّلًا، ولأنَّ العالِمَ بالفَلَسِ دَخَل على بَصِيرَةٍ بخَرابِ الذِّمَّةِ، أشْبَهَ مَن اشْتَرَى مَعِيبًا يَعْلَمُ عَيبَه. وقِيلَ (2): له الخِيارُ؛ لعُمُومِ الخَبَرِ، ولأنَّه عَقَد عليه وَقْتَ الفَسْخِ، فلم يَسْقُطْ حَقُّه مِن الفَسْخِ، كما لو تَزَوَّجَتِ امْرأةٌ فَقيرًا مُعْسِرًا بنَفَقَتِها. وفيه وَجْهٌ ثالِثٌ، إنْ كان عالِمًا بفَلَسِه، فلا فَسْخَ له، وإن لم يَعْلَمْ، فله الفَسْخُ، كمُشْتَرِي المَعِيب. ويُفارِقُ المُعْسِرَ بالنَّفَقَةِ؛ لكَوْنِ النَّفَقَةِ يَتَجَدَّدُ وُجُوبُها كلَّ يَوْمٍ، فالرضا بالمُعْسِرِ بها رِضًا بعَيبِ ما لم يَجِبْ، بخِلافِ مسألتِنا، وإنما يُشْبِهُ هذا إذا تَزَوَّجَتْ مُعْسِرًا بالصَّداقِ، وسَلَّمَتْ نَفْسَها إليه ثم أرادَتِ الفَسْخَ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ومَن (1) اسْتَأجَرَ أرْضًا للزَّرعِ، فأفْلَسَ قبلَ مُضِيِّ شيءٍ مِن المُدَّةِ، فللمُؤْجِرِ فَسخُ الإجارَةِ؛ لأنه وَجَد عَينَ مالِه. وإن كان بعدَ انْقِضاءِ المُدَّةِ، فهو غرِيمٌ بالأجْرِ. وإن كان بعدَ مُضِيِّ بَعْضِها، لم يَمْلِكِ الفَسْخَ في قِياسِ قَوْلِنا في المَبِيعِ إذا تَلِفَ بَعْضُه، فإنَّ المُدَّةَ ههُنا كالمَبِيعِ، ومُضِيُّ بَعْضِها كتَلَفِ بَعْضِه، لكنْ يُعْتَبَرُ مُضِيُّ مُدَّةٍ لمِثْلِها أجْرٌ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عن مُضِيِّ جُزْءٍ منها بحالٍ. وقال القاضي
(1) في م: «إن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في مَوْضِعٍ آخَرَ: مَن اكْتَرَى أرْضًا فزَرَعَها، ثم أفْلَسَ، ففَسَخَ صاحِبُ الأرْضِ، فعليه تَبْقِيَةُ زَرْعِ المُفْلِسِ إلى حينِ الحَصادِ بأجْرِ مِثْلِه؛ لأنَّ المَعْقُودَ عليه المَنْفَعَةُ، فإذا فَسَخَ العَقْدَ، فَسَخَه فيما مَلَك عليه بالعَقْدِ، وقد تَعَذَّرَ رَدُّها عليه، فكان عليه عِوَضُها، كما لو فَسَخ البَيعَ بعدَ تَلَفِ المَبِيعِ، فله قِيمَتُه، ويَضْرِبُ بذلك مع الغُرَماءِ، كذا ههُنا، ويَضْرِبُ مع الغُرَماءِ بأجْرِ المِثْلِ دُونَ المُسَمَّى. وهذا مَذْهَب الشافعيِّ. وهذا لا يَقْتَضِيه مَذْهَبُنا، ولا يَشْهَدُ لصِحَّتِه الخَبَرُ، ولا يَصِحُّ في النَّظَرِ. أمّا الخَبَرُ، فلان النبيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّما قال:«مَنْ أدْرَكَ متَاعَه بِعَينِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أفْلَسَ، فَهُوَ أحَقُّ به» (1). وهذا ما أدْرَكَ مَتاعَه بعَينِه، ولا هو أحقُّ به بالإجْماعِ، فإنَّهم وافَقُوا على وُجوبِ تَبْقِيَيها وعَدَمِ الرُّجُوعِ في عَينِها، ولأنَّ مَعْنَى قولِه:«مَنْ أدْرَكَ مَتَاعَهُ بعَينِه» . أي على وَجْهٍ يُمْكِنُه أخْذُه ويَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بعَينِه، وليس هذا كذلك. وأمَّا النَّظَرُ، فإنَّ البائِعَ إنَّما كان أحَقَّ بعَينِ مالِه؛ لتَعَلُّقِ حَقِّه بالعَينِ، وإمْكانِ رَدِّ مالِه إليه بعَينِه،
(1) تقدم تخريجه في صفحة 255.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيَرْجَحُ (1) على مَن تَعَلَّقَ حَقُّه بمُجَرَّدِ الذِّمَّةِ، وهذا لم يَتَعَلَّقْ حَقُّه بالعَينِ، ولا أمْكَنَ رَدُّها إليه، وإنَّما صار فائِدَةُ الرُّجُوعِ الضَّرْبَ بالقِيمَةِ دُونَ المُسَمَّى، وليس هذا هو المُقْتَضيَ في مَحَلِّ النَّصِّ، ولا هو في مَعْناه، فإثْباتُ الحُكْمِ به تَحَكُّمٌ بغيرِ دَلِيلٍ. ولو اكْتَرَى مَن يَحْمِلُ له مَتاعًا إلى بَلَدٍ، ثم أفْلَسَ المُكْتَرِي قبلِ حَمْلِ شيءٍ، فللمُكْرَى (2) الفَسْخُ. وإن حملَ البَعْضَ، أو بَعْضَ المَسافةِ، لم يَكُنْ له الفَسْخُ، في قِياسِ المَذْهَبِ. وقِياسُ قولِ القاضي، له ذلك. وإذا فَسَخ، سَقَط عنه حَمْلُ ما بَقِيَ، وضَرَب مع الغُرَماءِ بقِسْطِ ما حَمَل مِن الأجْرِ المُسَمَّى. وعلى قِياسِ قولِ القاضي، يَنْفَسِخُ العَقْدُ في الجَمِيعِ، ويَضْرِبُ بقِسْطِ ما حَمَل مِن أجْرِ المِثْلِ؛ لِما ذَكَرْنا مِن قَوْلِه في المَسْألَةُ التي حَكَينا قَوْلَه فيها.
(1) في م: «فرجع» .
(2)
في م: «فللمكترى» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن أقْرَضَ رجلًا مالًا، ثم أفْلَسَ المُقْتَرِضُ، وعَينُ المالِ قائِمَةٌ، فله الرُّجُوعُ فيها؛ لقَوْلِه عليه السلام:«مَنْ أدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَينِه عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أفلَسَ، فَهُوَ أحَقُّ بِهِ» . ولأنَّه غَرِيم وَجَد عَينَ مالِه، فكان له أخْذُها؛ كالبائِعِ. فإن أصْدَقَ امْرَأةً عَينًا، ثم انْفَسَخَ نِكاحُها بسَبَبٍ مِن جِهَتِها يُسْقِطُ صَداقَها، أو طَلَّقَها قبلَ الدُّخُولِ بها، فاسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ في نِصْفِه، وقد أفْلَسَتْ ووَجَد عَينَ مالِه، فهو أحَقُّ بها؛ لِما ذَكَرْنا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإنَّما يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ في السِّلْعَةِ بشُرُوطٍ خَمْسَةٍ، أحَدُها، أن يَكُونَ المُفْلِسُ حَيًّا، فإن مات فالبائِعُ أُسْوَةُ الغُرَماءِ، سَواءٌ عَلِم بفَلَسِه قبلَ المَوْتِ، فحُجِر عليه ثم مات، أو مات فتَبَيَّنَ فَلَسُه. وبهذا قال مالِكٌ، وإسْحاقُ. وقال الشافعيُّ: له الفَسْخُ واسْتِرْجاعُ العَينِ، لِما روَى ابنُ خَلْدَةَ الزُّرَقِيُّ، قاضي المَدِينَةِ، قال: أَتَينَا أبا هُرَيرَةَ في صاحِبٍ. لَنا قد أفْلَسَ، فقال أبو هُرَيرَةَ: هذا الَّذي قَضَى فيه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيَّما رَجُلٍ مَاتَ أو أفْلَسَ، فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أحَقُّ بِمَتَاعِهِ إذَا وَجَدَهُ بِعَينِيهِ» . رَواه أبو داودَ، وابنُ ماجة (1). ولأنَّ هذا العَقْدَ يَلْحَقُه الفَسْخُ بالإِقالةِ، فجاز فَسْخُه لتَعَذُّرِ العِوَضِ، كما لو تَعَذَّرَ المُسْلَمُ فيه، ولأنَّ الفَلَسَ سَبَبٌ لاسْتِحْقاقِ الفَسْخِ، فجاز الفَسْخُ به بعدَ المَوْتِ، كالعَيب. ولَنا، ما رَوَى أبو بَكْرِ بنُ عبدِ الرحمنِ، عن أبي هُرَيرَةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، في حديثِ المُفْلِسِ: «فَإِنْ مَاتَ، فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في الرجل يفلس فيجد الرجل متاعه بعينه عنده، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 257. وابن ماجة، في: باب من وجد متاعه بعينه عند رجل قد أفلس، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجة 2/ 790.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْغُرَمَاءِ». رَواه أبو داودَ (1). ورَوَى أبو اليَمانِ، عن الزَّبِيدِيِّ، عن الزُّهْرِيِّ، عن أبي هُرَيرَةَ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أيُّمَا امْرِئٍ مَاتَ وَعِنْدَه مَالُ امْرِئٍ بِعَينِهِ، اقْتَضَى مِنْ ثَمَنِهِ شَيئًا أوْ لَمْ يَقْتَضِ، فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ (2)» . رَواه ابنُ ماجة (3). ولأنَّه تَعَلَّقَ به حَقُّ غيرِ المُفْلِسِ والغُرَماءِ، وهم الوَرَثَةُ، فأشْبَهَ المَوْهُوبَ. وحَدِيثُهم مَجْهُولُ الإِسْنادِ، قاله ابنُ المُنْذِرِ. وقال ابنُ عبدِ البَر: يَرْويه أبو المُعْتَمِرِ، عن الزُّرَقِيِّ، وأبو المُعْتَمرِ غيرُ مَعْرُوفٍ بحَمْلِ العِلْمِ. ثم هو غيرُ مَعْمُولٍ به إجْماعًا، فإنَّه جَعَل المتاعَ لصاحِبِه بمُجَرَّدِ مَوْتِ المُشْتَرِي مِن غيرِ شَرْطِ فَلَسِه
(1) في الباب السابق والموضع السابق.
(2)
في سنن ابن ماجة: «للغرماء» .
(3)
في الباب السابق. سنن ابن ماجة 2/ 791.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا تَعَذُّرِ وَفائِه ولا عَدَمِ قَبْضِ ثَمَنِه، والأمْرُ بخِلافِ ذلك عندَ جَمِيعِ العُلَماءِ، إلَّا ما حُكِيَ عن الإِصْطَخْرِيِّ (1) مِن أصْحابِ الشافعيِّ، أنَّه قال: لصاحِبِ السِّلْعَةِ أنْ يَرْجِعَ فيها إذا مات المُشْتَرِي، وإن خَلَّفَ وَفاءً. وهذا شُذُوذ عن أقْوالِ أهلِ العلمِ، وخِلافٌ للسنَّةِ لا يُعَرَّجُ على مِثْلِه. وتُفارِقُ حالةُ الحَياةِ حالةَ المَوْتِ؛ لأَمْرَينِ؛ أحَدُهما، أنَّ المِلكَ في الحَياةِ للمُفْلِسِ، وههُنا لغيرِه. الثانِي، أنَّ ذِمَّةَ المُفْلِسِ خَرِبَت ههُنا خَرابًا لا يعودُ، فاخْتِصاصُ هذا بالعَينِ يَضرُّ بالغُرَماءِ كَثِيرًا، بخِلافِ حالةِ الحَياةِ. الشَّرْطُ الثانِي، أن لا يَكُونَ البائِعُ قَبَض مِن ثَمَنِها شيئًا، فإن كان قد قَبَضَ بعضَ ثَمَنِها، سَقَطَ حَقُّ الرُّجُوعِ. وبهذا قال إسحاقُ، والشافعيُّ في القَدِيمِ. وقال في الجَدِيدِ: له أن يَرْجِعَ في قَدْرِ ما بَقِيَ مِن الثَّمَنِ؛ لأنَّه سَبَبٌ تَرْجِعُ به العَينُ كلُّها إلى العاقِدِ، فجاز أن يَرْجِعَ به (2) بعضُها، كالفُرْقَةِ قبلَ الدُّخُولِ في النِّكاحِ. وقال مالِكٌ: هو مُخَيَّرٌ، إن شاء رَدَّ
(1) الحسن بن أحمد بن يزيد الإصطخري الشافعي أبو سعيد، قاضي قُمّ، أحد الرفعاء من أصحاب الوجوه في مذهب الشافعي، توفي ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. طبقات الشافعية الكبرى 3/ 230 - 253.
(2)
في م: «في» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ما قَبَضَه ورَجَع في جَمِيعِ العَينِ، وإن شاء حاصَّ الغُرَماءَ ولم يَرْجِعْ. ولَنا، ما روَى أبو هُرَيرَة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«أَيُّمَا رَجُلٍ أفْلَسَ، فَوَجَدَ رَجُلٌ عِنْدَهُ مَالهُ، وَلَمْ يَكُنِ اقْتَضَى مِنْ مَالِهِ شَيئًا، فَهُوَ لَهُ» . رَواهُ الإِمامُ أحمدُ (1). وروى (2) أبو بكرِ بنُ عبدِ الرحمنِ، عن أبي هُرَيرَةَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ سِلْعَةً، فَأدْرَكَ سِلْعَتَهُ بِعَينِها عِنْدَ رَجُل قَدْ أفْلَسَ، وَلَمْ يَكُنْ قَدْ قَبَضَ مِنْ ثَمَنِها شَيئًا، فَهِيَ لَهُ، وَإنْ كَانَ قَبَضَ مِنْ ثَمَنِها شَيئًا، فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ» . رَواه أبو داودَ، وابنُ ماجة (3). ولأنَّ في (4) الرُّجُوعِ في قِسْطِ ما بَقِيَ تَبْعِيضًا للصَّفْقَةِ على المُشْتَرِي وإضْرارًا به، وليس ذلك للبائِعِ. فإن قِيلَ: لا ضَرَرَ عليه في ذلك؛ لأنَّ ماله يُباعُ ولا يَبْقَى له، فيَزُولُ عنه الضَّرَرُ. قُلْنا: لا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ بالبَيعِ، فإنَّ قِيمَةَ الشِّقْصِ تَنْقُصُ، ولا يُرْغَبُ فيه مُشَقَّصًا، فيَتَضَرَّرُ المُفْلِسُ والغُرَماءُ بنَقْصِ القِيمَةِ. ولأنَّه سَبَبٌ يُفْسَخُ (5) به البَيعُ،
(1) في: المسند 2/ 525.
(2)
في م: «ورواه» .
(3)
انظر تخريج حديث: «أيما رجل مات أو أفلس. . . .» في صفحة 263.
(4)
سقط من: الأصل.
(5)
في م: «يفسد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلم يَجُزْ تَشْقِيصُه، كالرَّدِّ بالعَيبِ والخِيارِ، وقِياسُ البَيعِ على البَيعِ أوْلَى مِن قِياسِه على النِّكاحِ. ولا فَرْقَ بينَ كَوْنِ المَبِيعِ عَينًا واحِدَةً أو عَينَين؛ لِما ذَكَرْنا مِن الحَدِيثِ والمَعْنَى. فإن قِيلَ: حَدِيثُكم يَرْويه أبو بكرِ بنُ عبدِ الرحمنِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا، ولا حُجَّةَ في المَراسِيلِ. قُلْنا: قد رَواهُ مالِكٌ وموسى بنُ عُقْبَةَ عن الزُّهْرِيِّ، عن أبي بكرِ بنِ عبدِ الرحمنِ، عن أبي هُرَيرَةَ، كذلك ذَكَرَه ابنُ عبدِ البَرِّ (1)، وأخْرَجَه أبو داودَ، وابنُ ماجة، والدَّارَقُطنيُّ (2) في سُنَنِهم مُتَّصِلًا، فلا يَضُرُّ إِرْسالُ مَن أرْسَلَه، على أنَّ حَدِيثَنا الأوَّلَ يَكْفِي في الدَّلالَةِ، وهو مُتَّصِلٌ، رَواه الإِمامُ أحمدُ.
(1) انظر الاستيعاب 21/ 22.
(2)
تقدم تخريجه عند أبي داود وابن ماجة في صفحة 263. وأخرجه الدارقطني في: كتاب البيوع. سنن الدارقطني 3/ 30.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: الشَّرْطُ الثّالِثُ، أن تَكُونَ السِّلْعَةُ باقِيَةً بعَينِها لم يَتْلَفْ بَعْضُها، فإن تَلِف جُزْء منها، كبَعْضِ أطْرافِ العَبْدِ، أو ذَهَبَتْ عَينُه، أو تَلِف بعضُ الثَّوْبِ، أو انْهَدَمَ بعضُ الدَّارِ، أو اشْتَرَى شَجَرًا مُثْمِرًا لم تَظْهَرْ ثَمَرَتُه فتَلِفَتِ الثَّمَرَةُ، أو نحوُ هذا، لم يَكُنْ للبائِعِ الرُّجُوعُ، وكان أُسْوَةَ الغُرَماءِ. وبهذا قال إسحاقُ. وقال مالِكٌ، والأوْزاعِيُّ، والشافعيُّ، والعَنْبَرِيُّ: له الرُّجُوعُ في الباقِي، ويَضْرِبُ مع الغُرَماءِ بحِصَّةِ التَّالِفِ؛ لأنَّها عَينٌ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ في جَمِيعِها، فمَلَكَ الرُّجُوعَ في بَعْضِها، كالذي له الخِيارُ، وكالأبِ فيما وَهَب لوَلَدِه. ولَنا، قولُ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أدْرَكَ مَتاعَهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بعَينِه عِنْدِ إنْسَانٍ قَدْ أفْلَسَ، فَهُوَ أحَقُّ بِهِ» (1). فشَرَطَ (2) أن يَجِدَه بعَينِه، وهذا لم يَجِدْه بعَينِه، ولأنَّه إذا أدْرَكَه بعَينِه حَصَل له بالرُّجُوعِ فصلُ الخُصومَةِ وانْقِطاعُ ما بينَهما مِن المُعامَلَةِ، بخِلافِ ما إذا وَجَد بَعْضَه. ولا فَرْقَ بينَ أن يَرْضَى بالمَوْجُودِ بجَمِيعِ الثَّمَنِ، أو يأْخُذَه بقِسْطِه منه؛ لأَنه فاتَ شَرْط الرُّجُوعِ. وإن كان المَبِيعُ عَينَين، كعَبْدَين أو ثَوْبَينِ تَلِف أحَدُهما أو نَقَص، ففي جَوازِ الرُّجُوعِ في الباقِي منهما رِوايَتانِ؛ إحْداهما، لا يَرْجِعُ. نَقَلَها أبو طالِبٍ عنه، قال: لا يَرْجِعُ ببَقِيَّةِ العَينِ، ويَكُونُ أُسْوَةَ الغُرَماءِ؛ لأنَّه لم يَجِدِ المَبِيعَ بعَينِه، فأشْبَهَ ما لو كان عَينًا واحِدَةً. ولأنَّ بعضَ المَبِيعِ تالِفٌ، فلم يَمْلِكِ الرُّجُوعَ فيه،
(1) تقدم تخريجه في صفحة 255.
(2)
في م: «بشرط» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كما لو قُطِعَت يدُ العَبْدِ. ونَقَل الحَسَن بن ثَوَابٍ عن أحمدَ، إن كان ثَوْبًا واحِدًا فَتَلِفَ بَعْضُه، فهو أُسْوَةُ الغرَماءِ، وإن كان رِزَمًا فتَلِفَ بَعْضُها، فإنَّه يَأْخُذُ بَقِيَّتَهَا إذا كان بعَينِه؛ لأنَّ السّالِمَ مِن المَبِيعِ وَجَدَه البائِعُ بعَينِه، فيَدْخُلُ في عُمُومِ الحديثِ المَذْكُورِ. ولأنَّه مَبِيعٌ وَجَدَه بعَينِه، فكان للبائِعِ الرُّجُوعُ فيه، كما لو كان جَمِيعَ المَبِيعِ. فإنْ باع بَعْضَ المَبِيعِ، أو وَهَبَه، أو وَقَفه، فهو بمَنْزِلَةِ تَلَفِه؛ لأنَّ البائِعَ ما أدْرَكَ ماله بعَينِه (1).
فصل: فإن تَغَيَّرَتْ صِفَتها بما يُزِيلُ اسْمَها، فطَحَنَ الحِنْطَةَ، أو زَرَعَها، أو خَبَز الدَّقِيقَ، أو عَمِل الزَّيتَ صابُونًا، أو قَطَعَ الثَّوْبَ قَمِيصًا، أو نَسَج الغَزْلَ ثَوْبًا، أو نَجَر الخَشَبَةَ أَبْوابًا، أو عَمِلَ الشَّرِيطَ إبَرًا، أو شيئًا فعَمِل (2) به ما أزال اسْمَه، سَقَط حَقُّ الرُّجُوعِ. وقال الشافعيُّ: فيه قَوْلان؛ أحَدُهما، به أقولُ، يَأْخُذُ عَينَ مالِه، ويُعْطِي قِيمَةَ عَمَلِ المُفْلِسِ فيها؛ لأنَّ عَينَ مالِه مَوْجُودَةٌ، وإنَّما تَغَيَّرَ اسْمُها، فأشْبَهَ ما لو كان المَبِيعُ حَمَلًا فصار كَبْشًا، أو وَدِيًّا (3) فصار نَخْلًا. ولَنا، أنَّه لم يَجِدْ مَتاعَه بعَينِه، فلم يَكُنْ له الرُّجُوعُ، كما لو تَلِف. والأصْلُ الَّذي قاسُوا عليه مَمْنُوعٌ، وإن سُلِّمَ، فإَّنه لم يَتَغَيَّرِ اسْمُه، بخِلافِ مَسْألَتِنا.
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في م: «فصل» .
(3)
الودى: صغار النخل، واحدتها وديّة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن كان حَبًّا فصار زَرْعًا، أو بالعَكْسِ، أو نَوًى فنَبَتَ شَجَرًا، أو بَيضًا فصار فِراخًا، سَقَط الرُّجُوعُ. وقال القاضي: لا يَسْقُطُ. وهو أحَدُ الوَجْهَين لأصْحابِ الشافعيِّ المَنْصُوصِ [عليه منهما](1)؛ لأنَّ الزَّرْعَ نَفْسُ الحَبِّ، والفَرْخَ نَفْسُ البَيضَةِ. ولَنا، أنَّه لم يَجِدْ عَينَ مالِه، فلم يَرْجِعْ، كما لو أتْلَفَه مُتْلِفٌ فأَخذَ قِيمَتَه. ولأنَّ الحَبَّ أعْيانٌ ابْتَدَأها اللهُ تعالى، لم تَكُنْ مَوْجُودَةً عندَ البَيعِ، وكذلك أعْيانُ الزَّرْعِ والفَرْخِ. ولو اسْتَأْجَرَ أرْضًا، واشْتَرَى بَذرًا وماءً، فزَرَعَ وسَقَى واسْتَحْصَدَ، وأفْلَسَ، فالمُؤْجِرُ وبائِعُ البَذْرِ والماءِ غُرَماءُ، لا حَقَّ لهم في الرُّجُوعِ؛ لأنَّهُم لم يَجِدُوا أعْيانَ أمْوالِهم. وعلى قولِ مَن قال: له الرُّجُوعُ في الزَّرْعِ. تكونُ عليه غَرامَةُ الأُجْرَةِ وثَمَنُ الماءِ، أو قِيمَةُ ذلك.
(1) في م: «عليهما» .