الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ قَال: أَذِنْتَ لِي في الْبَيعِ نَسَاءً، وَفِي الشِّرَاءِ بِخَمْسَةٍ. فَأَنْكَرَهُ، فَعَلَى وَجْهَينِ.
ــ
فإن كان جُحُودُه أنك لا (1) تَسْتَحِقُّ عَليَّ شيئًا، أو ما لَكَ عندِي شيءٌ، سُمِع قَوْلُه مع يَمِينِه؛ لأنَّ جَوابَه لا يُكَذِّبُ ذلك، فإَّنه إذا كان قد تَلِف أو رُدَّ، فليس له عندَه شيءٌ، فلا تَنافِيَ بينَ القَوْلَين، إلَّا أن يَدَّعِيَ أنَّه رَدَّه أو تَلِف بعدَ قَوْلِه: ما لَكَ عندِي شيءٌ. فلا يُسْمَعُ قَوْلُه؛ لثُبُوتِ كَذِبِه وخِيانَتِه.
2032 - مسألة: (فإن قال: أذِنْتَ لي في البَيعِ نَساءً، وفي الشِّراءِ بخَمْسةٍ. فأنْكَرَه، فعلى وَجْهَين)
وجُمْلَةُ ذلك، أنَّهما متى اخْتَلَفا في صِفَةِ الوَكالةِ، فقال: وَكَّلْتُك في بَيعِ هذا العَبْدِ. قال: بل في بَيعِ هذه
(1) سقط من: ر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأمَةِ (1)، أو قال:[وَكَّلْتُكَ في البَيعِ بألْفَين. قال: بل بألْفٍ. أو قال: وَكَّلْتُكَ](2) في بَيعِه نَقدًا. قال: بل نَسِيئَةً. أو قال: وَكَّلْتُكَ في شِراءِ عَبْدٍ. قال: بل في شِراءِ أمَةٍ. أو قال: وَكَّلْتُكَ في الشِّراءِ بعَشَرَةٍ. قال: بل بخَمْسَةٍ. فقال القاضي (3): القولُ قولُ المُوَكِّلِ. وهو قولُ أصحابِ الرَّأْي، والشافعيِّ، وابنِ المُنْذِرِ. وقال أبو الخَطَّابِ: إذا قال: أذِنْتُ لك في البَيعِ نَقْدًا، وفي الشِّراءِ بخَمْسَةٍ. قال: بِل أذِنْتَ لي في البَيعِ نَسِيئَةً، وفي الشِّراءِ بعشَرَةٍ. فالقولُ قولُ الوَكِيلِ. نصَّ عليه أحمدُ (4) في المُضارَبَةِ؛ لأنَّه أمِينٌ في التَّصَرُّفِ، فكان القولُ قَوْلَه في صِفَتِه، كالخَيّاطِ إذا قال: أذِنْتَ لي في تَفْصِيلِه قَباءً. قال: بل قَمِيصًا. وحُكِيَ عن مالكٍ: إن أُدْرِكَتِ السِّلْعَةُ، فالقولُ قولُ المُوَكِّلِ، وإن فاتَتْ، فالقولُ قولُ الوَكِيلِ؛ لأنَّها إذا فاتَتْ لَزِم الوَكِيلَ الضَّمانُ،
(1) في م: «الجارية» .
(2)
سقط من: م.
(3)
بعده في م: «في المجرد» .
(4)
بعده في م: «واختاره القاضي والتعليق الكبير» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والأصلُ عَدَمُه، بخِلافِ ما إذا كانت مَوْجُودَةً. والقولُ الأوَّلُ أصَحُّ؛ لوَجْهَين؛ أحَدُهما، أنَّهما اخْتَلَفا في التَّوْكِيلِ الذي يَدَّعِيه الوَكِيلُ (1)، فكان القولُ قولَ مَن يَنْفِيه، كما لو لم يُقِرَّ المُوَكِّلُ بتَوْكِيلِه في غيرِه. والثاني، أنَّهما اخْتَلَفا في صِفَةِ قولِ المُوَكِّلِ، فكان القولُ قَوْلَه في صِفَةِ كَلامِه، كما لو اخْتَلَفَ الزَّوْجانِ في صِفَةِ الطَّلاقِ. فعلى هذا، إذا قال: اشْتَريتُ لك هذه الجارِيَةَ بإذْنِكَ. قال: ما أذِنْتُ لك (2) إلَّا في شِراء غيرِها. أو قال: اشْتَرَيتُها لك بألْفَين. فقال: ما أذِنْتُ لك في شِرائِها إلَّا بأَلْفٍ. فالقولُ قولُ المُوَكِّلِ، وعليه اليَمِينُ. فإذا حَلَف بَرِئَ مِن الشِّراءِ. ثم لا يَخْلُو؛ إمّا أن يكونَ الشِّراءُ بعَينِ المالِ أو في الذِّمَّةِ، فإن كان بعَينِ المالِ، فالبَيعُ باطِلٌ، ويَرُدُّ الجارِيَةَ على البائِعِ إنِ اعْتَرَفَ بذلك،
(1) في الأصل، م:«الموكل» .
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإن كَذَّبَه في أنَّ الشِّراءَ لغيرِه، أو بمالِ غيرِه، [أو بغيرِ](1) إذْنِه، فالقولُ قولُ البائِعِ؛ لأنَّ الظّاهِرَ أنَّ ما في يَدِ الإِنْسانِ له. فإنِ ادَّعَى الوَكِيلُ عِلْمَه بذلك، حَلَف أنَّه لا يَعْلَمُ أنَّه اشْتَراه بمالِ مُوَكِّلِه؛ لأنَّه يَحْلِفُ على نَفْي فِعْلِ غيرِه، فإذا حَلَف، مَضَى البَيعُ، وعلى الوَكِيلِ غَرامَةُ الثَّمَنِ لمُوَكِّلِه، ودَفعُ الثَّمَنِ إلى البائِعِ، وتَبْقَى الجارِيةُ في يَدِه، لا تَحِلُّ له؛ لأنَّه إن كان صادِقًا فهي للمُوَكِّلِ، وإن كان كاذِبًا فهي للبائِعِ. فإن أراد
(1) سقط من ق، وفي م:«بغير» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اسْتِحْلالها، اشْتَراها ممَّن هي له في الباطِنِ، فإنِ امْتَنَع مِن بَيعِه إيّاها، رَفَع الأمْرَ إلى الحاكِمِ؛ ليَرْفُقَ به ليَبِيعَه إيّاها، ليَثْبُتَ المِلْكُ له ظاهِرًا وباطِنًا، ويَصِيرَ ما ثَبَت له في ذِمَّتِه ثَمَنًا قِصاصًا بالذي (1) أخَذَ منه الآخَرُ ظُلْمًا، فإنِ امْتَنَعَ الآخَرُ مِن البَيعِ، لم يُجْبَرْ عليه؛ لأنَّه عَقْدُ مُراضاةٍ. فإن قال له: إن كانتِ الجارِيةُ لي فقد بِعْتُكَها. أو قال المُوَكِّلُ: إن كُنْتُ أذِنْتُ لك في شِرائِها بألْفَين (2) فقد بِعْتُكَها. ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، لا يَصِحُّ. وهو قولُ القاضي، وبعضِ الشافِعيَّةِ؛ لأنَّه بَيعٌ مُعَلَّقٌ على شَرْطٍ. والثاني يَصِحُّ؛ لأنَّ هذا أمْرٌ واقِعٌ يَعْلَمان وُجُودَه، فلا يَضُرُّ (3) جَعْلُه شَرْطًا، كما لو قال: إن كانت هذه الجارِيةُ جارِيةً، فقد بعْتُكَها. وكذلك كلُّ شَرْطٍ عَلِما وُجُودَه، فإنَّه لا يُوجِبُ وُقُوفَ البَيعِ ولا شَكًّا فيه. وأمّا إن كان الوَكِيلُ اشْتَرَى في الذِّمَّةِ، ثم نَقَد الثَّمَنَ، صَحَّ الشِّراءُ، ولَزِم الوَكِيلِ في الظّاهِرِ، فأمّا في الباطِنِ، فإن كان كاذِبًا في دَعْواه فالجارِيَةُ [له؛ لأنَّه اشْتَراها في ذِمَّتِه بغيرِ أمْرِ المُوَكِّلِ، وإن كان صادِقًا فالجارِيَة](4) لمُوَكِّلِه.
(1) في م: «بالثمن الذي» .
(2)
في الأصل: «بالدين» .
(3)
في م: «يصح» .
(4)
سقط ش: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإذا أراد إحْلالها تَوَصَّلَ إلى شِرائِها منه، كما ذَكَرْنا. وكلُّ مَوْضِعٍ كانت للمُوَكِّلِ في الباطِنِ وامْتَنَعَ مِن بَيعِها للوَكِيلِ، فقد حَصَلَت في يَدِ الوَكيلِ، وهي للمُوَكِّلِ، وفي ذِمَّتِه ثَمَنُها للوَكِيلِ (1)، فأقْرَبُ الوُجُوهِ أن يَأْذَنَ للحاكِمِ في بَيعِها، وتَوْفِيَةِ حَقِّه مِن ثَمَنِها، فإن كانت للوَكِيلِ (2)، فقد بِيعَتْ بإذْنِه، وإن كانت للمُوَكِّلِ، فقد باعَها الحاكِمُ في إيفاءِ دَينٍ امْتَنَعَ المَدِينُ مِن وَفائِه. وقد قِيل غيرُ ما ذَكَرْنا. وهذا أقْرَبُ، إن شاء اللهُ تعالى. وإنِ اشْتَراها الوَكِيلُ مِن الحاكِمِ بما له على المُوَكِّلِ، جاز؛ لأنَّه قائِمٌ مَقامَ المُوَكِّلِ في ذلك، أشْبَهَ ما لو اشْتَرَى منه.
فصل: ولو وَكَّلَه في بَيعِ عَبْدٍ، فباعَه نَسِيئَةً، فقال المُوَكِّلُ: ما أذِنْتُ في بَيعِه إلَّا نَقْدًا. فصَدَّقَه الوَكِيلُ والمُشْتَرِي، فَسَد البَيعُ، وله مُطالبَةُ مَن شاء منهما بالعَبْدِ إن كان باقِيًا، وبقِيمَتِه إن تَلِف. فإن أخَذَ القِيمَةَ مِن الوَكِيلِ، رَجَع على المُشْتَرِي بها؛ لأنَّ التَّلَفَ في يَدِه، فاسْتَقَرَّ الضَّمان
(1) في م: «في الوكيل» .
(2)
في الأصل: «له» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليه، وإن أخَذَها مِن المُشْتَرِي، لم يَرْجِعْ بالضَّمانِ على أحَدٍ. وإن كَذَّباه، وادَّعَيا أنَّه أذِنَ في البَيعِ نَسِيئَةً، فعلى قول القاضي، يَحْلِفُ المُوَكِّلُ، ويَرْجِعُ في العَينِ إن كانت قائِمةً، وإن كانت تالِفَةً، رَجَع [بقِيمَتِها على مَن شاء منهما، فإن رجع على المُشترِي، رجع](1) المُشْتَرِي على الوَكِيلِ بالثَّمَنِ الذي أخَذَه منه؛ لأنَّه لم يُسَلِّمْ له المَبِيعَ (2)، وإن ضَمِن الوَكِيلُ، لم يَرْجِعْ على المُشْتَرِي في الحالِ؛ لأنَّه يُقِرُّ بصِحَّةِ البَيعِ وتَأْجِيلِ الثَّمَنِ، وأنَّ البائِعَ ظَلَمَه بالرُّجُوعِ عليه، وأنَّه إنَّما يَسْتَحِقُّ المُطالبَةَ بالثَّمَنِ بعدَ الأجَلِ، فإذا حَلَّ الأجَلُ، رَجَع الوَكِيلُ على المُشْتَرِي بأقَلِّ الأمْرَينِ مِن القِيمَةِ أو الثَّمَنِ المُسَمَّى؛ لأنَّ القِيمَةَ إن كانت أقَلَّ، فما غَرِم أكْثَرَ منها، فلم يَرجِعْ بأكْثَرَ ممّا غَرِم، وإن كان الثَّمَنُ أقَلَّ، فالوَكِيلُ مُعْتَرِفٌ للمُشْتَرِي أنَّه لا يَسْتَحِقُّ عليه أكْثَرَ منه، وأنَّ المُوَكِّلَ ظَلَمَه بأخْذِ الزّائِدِ على الثَّمَنِ، فلا يَرْجِعُ على المُشْتَرِي بما ظَلَم به المُوَكِّلُ. وإن كَذَّبَه أحَدُهما دُونَ الآخَرِ، فله الرُّجُوعُ على المُصَدِّقِ بغيرِ يَمِينٍ، ويَحْلِفُ على المُكَذِّبِ ويَرْجعُ على حَسَب ما ذَكَرْناه. هذا إنِ اعْتَرَفَ المُشْتَرِي بالوَكالةِ، وإن أنْكَرَ ذلك، وقال: إنَّما بِعْتَنِي مِلْكَك، فالقولُ قَوْلُه مع يَمِينِه أنَّه لا يَعْلَمُ كَوْنَه وَكِيلًا ولا يَرْجِعُ عليه بشيءٍ.
(1) سقط من: م.
(2)
في ر، م:«المنع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا قَبَض الوَكِيلُ ثَمَنَ المَبِيعِ، فهو أمانَةٌ في يَدِه، لا يَلْزَمُه تَسْلِيمُه قبلَ طَلَبِه، ولا يَضْمَنُه بتَأْخِيرِه؛ لأنَّه رَضِيَ يكَوْنِه في يَدِه. فإن طَلَبَه فأخَّر رَدَّه مع إمْكانِه فَتَلِفَ، ضَمِنَه. وإن وَعَدَه رَدَّه، ثم ادَّعَى إنِّي كُنْتُ رَدَدْتُه قبلَ طَلَبِه، أو أنَّه كان تَلِف، لم يُقْبَلْ قَوْلُه؛ لأنَّه مُكَذِّبٌ لنَفْسِه بوَعْدِه رَدَّه. فإن صَدَّقَه المُوَكِّلُ، بَرِئَ، وإن كَذَّبه، فالقولُ قوقُ المُوَكِّلِ. فإن أقام الوَكِيلُ (1) بَيِّنَةً بذلك، قُبِلَتْ في أحَدِ الوَجْهَين؛ لأنَّه يَبْرَأُ بتَصْدِيقِ المُوَكِّلِ، فكذلك إذا قامَتْ له بَيِّنَةٌ؛ لأنَّ البَيِّنةَ إحْدَى الحُجَّتَين، فبَرِئَ بها (2)، كالإِقْرارِ. والثانِي، لا يُقْبَلُ؛ لأنَّه كَذَّبَها بوَعْدِه بالدَّفْعِ بخِلافِ ما إذا صَدَّقَه؛ لأنَّه أقَرَّ ببَراءَتِه، فلم يَبْقَ له مُنازِعٌ. وإن لم يَعِدْه برَدِّه، لكنْ مَنَعَه أو مَطَلَه مع إمْكانِه، ثم ادَّعَى الرَّدَّ أو التَّلَفَ، لم يُقْبَلْ قَوْلُه إلَّا ببَيِّنَةٍ؛ لأنَّه صار بالمَنْعِ خارِجًا عن حالِ الأمانَةِ، وتُسْمَعُ بَيِّنَتُه؛ لأنَّه لم يُكَذِّبْها.
(1) سقط من: م.
(2)
في ر، ق:«منها» .