الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصُّلْحُ فِي الْأَمْوَالِ قِسْمَانِ؛ أَحَدُهُمَا، صُلْحٌ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَهُوَ نَوْعَانِ؛ أَحَدُهُمَا، الصُّلْحُ عَلَى جِنْسِ الْحَقِّ، مِثْلَ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِدَينٍ، فَيَضَعَ عَنْهُ بَعْضَهُ، أَوْ بِعَينٍ، فَيَهَبَ لَهُ بَعْضَهَا، وَيَأْخُذَ
ــ
عن عُمَرَ، أنَّه كَتَب إلى أبي موسى بمِثلِ ذلك. وأجْمَعَ العُلَماءُ على جَوازِ الصُّلْحِ في هذه الأنْواعِ التي ذَكَرْنا، ولكلِّ واحِدٍ منها (1) بابٌ يُفْرَدُ له، وتُذْكَرُ فيه أحْكامُه. وهذا البابُ للصُّلْحِ بينَ المُخْتَلِفَين في الأمْوالِ.
1865 - مسألة: و (الصُّلْحُ في الأمْوالِ قِسْمان؛ أحَدُهما، صُلْحٌ على الإِقْرارِ، وهو نَوْعان؛ أحَدُهما، صُلْحٌ على جِنْسِ الحَقِّ، مثلَ أن يُقِرَّ له بدَينٍ، فيَضَعَ عنه بَعْضَه، أو بعَينٍ، فيَهَبَ له بَعْضَها، ويَأْخُذَ
(1) في الأصل، ر 1:«منهما» .
الْبَاقِي، فَيَصِحَّ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِشَرْطٍ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي الْبَاقِي. أَو يَمْنَعَهُ حَقَّهُ بِدُونِهِ.
ــ
الباقيَ، فيَصِحُّ إن لم يَكُنْ بشَرْطٍ، مثلَ أن يَقُولَ: على أن تُعْطِيَني الباقِيَ. أو يَمْنَعَه حَقَّه بدُونِه) وجُمْلَةُ ذلك، أنَّ مَن اعْتَرفَ بدَينٍ أو عَينٍ في يَدِه، فأبْرأَه الغَرِيمُ مِن بعضِ الدَّينِ، أو وَهَبَه بعضَ العَينِ وطَلَب منه الباقيَ، صَحَّ إذا كانتِ البَراءَةُ مُطْلَقَةً من غيرِ شَرْطٍ. قال أحمدُ: إذا كان للرجلِ على الرجلِ الدَّينُ ليس عندَه وَفاءٌ، فوَضَعَ عنه بعضَ حَقِّه، وأخَذَ منه الباقِيَ، كان ذلك جائِزًا لهما، ولو فَعَل ذلك قاضٍ شافعٌ (1)، لم يَكُنْ
(1) في ر 1، م:«شافعي» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليه في ذلك إثْمٌ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد كَلَّمَ غُرَماءَ جابِرٍ ليَضَعُوا عنه (1).
وفي الذي أُصِيبَ في حَدِيقَتِه فمَرَّ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو مَلْزُومٌ، فأشار إلى غُرَمائِه بالنِّصْفِ، فأخَذُوه منه (2). فإن فَعَل ذلك قاضٍ اليَوْمَ، جاز إذا كان على وَجْهِ الصُّلْحِ والنَّظرَ لهما. وقد روَى عبدُ اللهِ بنُ كَعْبٍ، عن أبيه، أنَّه تَقاضَى ابنَ أبي حَدْرَدٍ دَينًا كان له عليه في المَسْجِدِ، فارْتَفَعَت أصْواتُهما حتى سَمِعَها (3) رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فخَرَجَ إليهما، ثم نادَى:«يَا كَعْبُ» قال: لَبَّيكَ يا رسولَ اللهِ. فأشار إليه أن ضَعِ الشَّطْرَ مِن
(1) أخرجه البخاري، في: باب إذا قضى دون حقه أو حلله فهو جائز، وباب إذا قاضى أو جازفه في الدين تمرًا بتمر أو غيره، من كتاب الاستقراض، وفي: باب إذا وهب دينًا على رجل، من كتاب الهبة، وفي: باب الصلح بين الغرماء، من كتاب الصلح، وفي: باب علامات النبوة في الإسلام، من كتاب المناقب. صحيح البخاري 3/ 154، 210، 245، 246، 4/ 235. وأبو داود، في: باب ما جاء في الرجل يموت وعليه دين، من كتاب الوصايا. سنن أبي داود 2/ 107. والنسائي، في: باب قضاء الدين قبل الميراث، من كتاب الوصايا. المجتبى 6/ 205. وابن ماجه، في: باب أداء الدين عن الميت، من كتاب الصدقات. سنن ابن ماجه 2/ 813، 814. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 313.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة، في: باب الرجل يلحقه الدين فيحط عنه، من كتاب البيوع والأقضية. المصنف 7/ 319. وابن حجر، في: باب القراض، من كتاب البيوع. المطالب العالية 1/ 419.
(3)
في ق، م:«سمعهما» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
دَينِك. قال: قد فَعَلْتُ يا رسولَ اللهِ. قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قُمْ فَأعْطِهِ» . مُتَّفَقٌ عليه (1). فأمّا إن مَنَعَه المُقِرُّ مِن (2) حَقِّه حتى يَضَعَ عنه بَعْضَه، فالصُّلْحُ باطِلٌ؛ لأنَّه صالحَ عن بَعْضِ مالِه ببَعْضِه، وسواءٌ كان بلَفْظِ الصُّلْحِ أو بلفظِ الإِبْراءِ، أو بلَفْظِ (2) الهِبَةِ المَقْرُونِ بشَرْطٍ، مثلَ أن يَقُولَ: أبْرَأْتُك مِن خَمْسِمائَةٍ. أو: وَهَبْتُك بشَرْطِ أن تُعْطِيَنِي ما بَقِيَ. قال ابنُ أبي موسى: الصُّلْحُ على الإِقْرارِ هَضْمٌ للحَقِّ، فمتى ألْزَمَ المُقَرَّ له تَرْكَ بَعْضِ حَقِّه، فتَرَكَه مِن غيرِ طِيبِ نَفْسِه، لم يَطِبِ الأخْذُ (3)، وإن تَطَوَّعَ المُقَرُّ له بإسْقاطِ بعضِ حَقِّه، جاز، غيرَ أنَّ ذلك ليس بصُلْحٍ، ولا مِن بابِ الصُّلْحِ بِسَبِيلٍ. فلم يَجْعَلْه صُلْحًا، ولم يُسَمِّ الخِرَقِيُّ الصُّلْحَ إلَّا في حالِ الإِنْكارِ. فأمّا مع الاعْتِرافِ، فإن قَضاه مِن جِنْسِ حَقِّه،
(1) أخرجه البخاري، في: باب التقاضي والملازمة في المسجد، وباب رفع الصوت في المساجد، من كتاب الصلاة، وفي: باب كلام الخصوم بعضهم في بعض، من كتاب الخصومات، وفي: باب الصلح بالدين والعين، من كتاب الصلح. صحيح البخاري 1/ 123، 124، 127، 3/ 160، 246. ومسلم، في: باب استحباب الوضع من الدين، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 192. كما أخرجه أبو داود، في: باب في الصلح، من كتاب الأقضية. سنن أبي داود 2/ 273. والنسائي، في: باب حكم الحاكم في داره، من كتاب القضاة. المجتبى 8/ 210. وابن ماجه، في: باب الحبس في الدين والملازمة، من كتاب الصدقات. سنن ابن ماجه 2/ 811. والدارمي، في: باب في إنظار المعسر، من كتاب البيوع. سنن الدارمي 2/ 261. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 390.
(2)
سقط من: م.
(3)
في ر 1، م:«لأحد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فهو وَفاءٌ، وإن قَضاه مِن غيرِ جِنْسِه، فهو مُعاوَضَةٌ، وإن أبْرَأَه مِن بَعْضِه، فهو إبْراءٌ، وإن وَهَبه بعضَ العَينِ، فهو هِبَةٌ، فلا يُسَمَّى صُلْحًا. وسَمّاه القاضي وأصحابُه صُلْحًا. وهو قولُ الشافعيِّ. والخِلافُ في التَّسْمِيَةِ، أمّا المَعْنَى فمُتَّفَقٌ عليه. وهو يَنْقَسِمُ إلى إِبرَاءٍ، وهِبَةٍ، ومُعاوَضَةٍ، وقد ذَكَرْنا الإِبْرَاءَ. فأمّا الهِبَةُ، فهو أن يَكُونَ له في يَدهِ عَينٌ، فيَقُولَ: قد وَهَبْتُك نِصْفَها وأعْطِنِي بَقِيَّتَها. فيَصِحُّ، ويُعْتَبَرُ له شُرُوطُ الهبَةِ. وإن أخْرَجَه مَخْرَجَ الشَّرْطِ، لم يَصِحَّ. وهذا مَذْهَبُ الشافعيِّ؛ لأَنَّه إذا شَرَطَ في الهِبَةِ الوَفاءَ، جَعَل الهِبَةَ عِوَضًا عن الوَفاءِ، فكأنَّه عاوَضَ بعضَ حَقِّه ببَعْضٍ. فإن أبْرَأه مِن بعضِ الدَّينِ، أو وَهَب له بعضَ العَينِ بلَفْظِ الصُّلْحِ، مثلَ أن يقولَ: صالِحْنِي بنِصْفِ دَينِك علَيَّ، أو بنِصْفِ دارِك هذه. فيقولَ.: صالحْتُك بذلك. لم يَصِحَّ. ذَكَرَه القاضي وابنُ عَقِيلٍ. وهو قولُ بعضِ أصحابِ الشافعيِّ. وقال أكْثَرُهم: يَجُوزُ الصُّلْحُ؛ لأنَّه إذا لم يَجُزْ بلَفْظِه، خَرَج عن أن يَكُونَ صُلْحًا، ولا يَبْقَى له تَعَلُّقٌ به. أمّا إذا كان [بلَفْظِ الصُّلْحِ](1) سُمِّيَ صُلْحًا؛ لوُجُودِ اللَّفْظِ، وإن تَخَلَّفَ المَعْنَى، كالهِبَةِ بشَرْطِ الثَّوابِ. وإنَّما يَقْتَضِي لَفْظُ الصُّلْحِ المُعاوَضَةَ إذا كان ثَمَّ عِوَضٌ، أمّا مع عَدَمِه فلا. وإنَّما مَعْنَى الصُّلْحِ الاتِّفَاقُ والرِّضا، وقد يَحْصُلُ هذا مِن غيرِ عِوَض، كالتَّمْلِيكِ، إذا كان بعِوَضٍ سُمِّيَ بَيعًا، وإن خَلا عن العِوَضِ سُمِّيَ هِبَةً. ولَنا، أنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ
(1) في م: «بلفظه» .