الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلُ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلُهُ بِنَفْسِهِ، إلَّا بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ. وَعَنْهُ يَجُوزُ. وَكَذَلِكَ الْوَصِي وَالْحَاكِمُ. وَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فِيمَا لَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ، أوْ يَعْجِزُ عَنْهُ لِكَثْرَتِهِ.
ــ
1993 - مسألة: (ولا يَجُوزُ للوَكِيلِ أن يُوَكِّلَ فيما يَتَوَلَّى مِثْلَه بنَفْسِه، إلَّا بإذْنِ المُوَكِّلِ. وعنه، يَجُوزُ. وكذلك الوَصِيُّ والحاكِمُ. وله التَّوْكيلُ فيما لا يَتَوَلَّى مِثْلَه بنَفْسِه، أو يَعْجزُ عنه لكَثْرَتِه وجُمْلَةُ ذلك، أنَّ التَّوْكِيلَ لا يَخْلو مِن ثَلاثةِ أَحْوالٍ، أحَدُها، أن يَنْهَى المُوَكِّلُ وَكِيلَه عن التَّوْكِيلِ، فلا يَجُوزُ له ذلك بغيرِ خِلافٍ، لأنَّ ما نَهاه عنه غيرُ داخِل في إذْنِه، فلم يَجُزْ له، كما لو لم يُوَكِّلْه. الثانِي، أن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَأْذَنَ له في التَّوكِيلِ، فيَجُوزُ له؛ لأنَّه عَقْدٌ أذِنَ فيه، فكان له فِعْلُه، كالتَّصَرُّفِ المَأْذُونِ فيه. ولا نَعْلَمُ في هذا خِلافًا. فإن قال: وَكَّلْتُك فاصْنَعْ ما شِئْتَ. فله أن يُوَكِّلَ. وقال أصحابُ الشافعيِّ: ليس له التَّوْكِيلُ في أحَدِ الوَجْهَين؛ لأنَّ التَّوْكِيلَ يَقْتَضِي تَصَرُّفًا يتَوَلَّاه بنَفْسِه، فقَوْلُه: اصْنَعْ ما شِئْتَ. يَرْجِعُ إلى ما يَقْتَضِيه التَّوْكِيلُ مِن تَصَرُّفِه بنَفْسِه. ولنَا، أنَّ لَفْظَه عامٌّ فيما شاء، فيَدْخُلُ في عُمُومِه التَّوْكِيلُ. الثالثُ، أطْلَقَ له الوَكالةَ، فلا يَخْلُو مِن أقْسام ثَلاثَةٍ؛ أحَدُها، أن يكونَ العَمَلُ ممّا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَرْتَفِعُ (1) الوَكِيلُ عن مِثْلِه، كالأعْمالِ الدَّنيَّةِ في حَقِّ أشْرافِ النّاسِ المُرْتفعِين عن فِعْلِها في العادَةِ، أو يَعْجِزُ عن عَمَلِه؛ لكَوْنِه لا يُحْسِنُه، فإنَّه يَجُوزُ (2) له التَّوْكِيلُ فيه؛ لأنَّه إذا كان ممَّا لا يَعْمَلُه الوَكِيلُ عادَةً، انْصَرَفَ الإِذْنُ إلى ما جَرَتْ به العادَةُ مِن الاسْتِنابةِ فيه. القِسْمُ الثّانِي، أن يكونَ ممَّا يعملُه بنَفْسِه، إلَّا أنَّه يَعْجِزُ عن عَمَلِه؛ لكَثْرَتِه وانتِشارِه، فيَجُوزُ له التَّوْكِيلُ في عَمَلِه أيضًا؛ لأنَّ الوَكالةَ اقْتَضتْ جَوازَ التَّوْكِيلِ،
(1) في م: «يترفع» .
(2)
في م: «لا يجوز» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[فجاز التوْكِيلُ](1) في فِعْلِ جميعِه، كما لو أَذِن فيه بلفظِه. وقال القاضي: عندي إنَّما له التَّوْكيلُ فيما زاد على ما يَتمكَّنُ مِن عَمَلِه بنَفْسِه؛ لأنَّ التَّوْكِيلَ إنما جاز للحاجَةِ، فاخْتَصَّ ما دَعَتْ إليه الحاجَةُ، بخِلافِ وُجُودِ إذْنِه، فإنَّه مُطْلَق. ولأصحابِ الشافعيِّ وَجْهان كهَذَين. القِسْمُ الثّالثُ، ما عَدا هذَينِ القِسْمَين، وهو ما يُمْكِنُه عَمَلُه بنَفْسِه ولا يَرْتَفِعُ (2) عنه، فهل يَجُوزُ له التَّوْكِيلُ فيه؟ على رِوايَتَينِ؛ إحْداهما، لا يَجُوزُ. نَقَلهَا ابنُ مَنْصورٍ. وهو مَذْهَبُ أبي حنيفةَ، وأبي يوسُفَ، والشافعيِّ؛ لأنه لم يَأْذَنْ له بالتَّوْكِيلِ ولا تَضَمَّنَه إذْنُه، فلم يَجُزْ، كما لو نَهاه، ولأنَّه اسْتئْمانٌ فيما يُمْكِنُه النُّهُوضُ فيه، فلم يكُنْ له أن يُوَلِّيَه مَن لم يَأْمَنْه عليه، كالوَدِيعةِ. والثانيةُ، يَجُوزُ. نقَلَهَا حَنْبَلٌ (3). وبه قال ابنُ أبي لَيلَى، إذا مَرِض أو غاب؛ لأنَّ الوَكِيلَ له أن يَتَصَرَّفَ بنَفْسِه، فمَلَكَه بنائبِه، كالمالِكِ. والأُولَى أوْلَى. ولا يُشْبِهُ الوَكِيلُ المالِكَ؛ فإنَّ المالِكَ يتَصَرَّفُ في مِلْكِه كيف شاء؛ بخِلافِ الوَكِيلِ.
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل: «يترفع» .
(3)
في م: «أحمد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وكلُّ وَكِيلٍ جاز له التَّوْكِيلُ، فليس له أن يُوَكِّلَ إلَّا أمينًا؛ لأنَّه لا نَظَرَ للمُوَكِّلِ في تَوْكِيلِ من ليس بأمِينٍ، فَيُقَيَّدُ (1) جوازُ التَّوْكِيلِ بما فيه الحظُّ والنَّظَرُ، كما أنَّ الإِذْنَ في البَيعِ يَتَقَيَّدُ بالبَيعِ بثَمَنِ المِثْلِ، إلَّا أن يُعَيِّنَ له المُوَكِّلُ مَن يُوَكِّلُه، فيَجُوزُ توْكِيلُه وإن لم يكنْ أمِينًا؛ لأنَّه قَطَع نَظَرَه بتَعْيِينه. فإن وَكَّلَ أمِينًا فصار خائِنًا، فعليه عَزْلُه؛ لأنَّ تَرْكَه يتَصَرَّفُ مع الخِيانَةِ تَضْيِيعٌ وتَفْرِيطٌ، والوَكالةُ تَقْتَضِي اسْتِئْمانَ أمِينٍ، وهذا ليس بأَمِينٍ، فوَجَبَ عَزْلُه.
(1) في م: «فيفيد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والحُكْمُ في الوَصِيِّ يُوَكِّلُ فيما أُوصِيَ به إليه، وفي الحاكِمِ يُوَلَّى القَضاءَ في ناحِيةٍ يَسْتَنِيبُ غيرَه، حُكْمُ الوَكِيلِ فيما ذَكَرْنا مِن التفْصِيلِ، إلَّا أنَّ المَنْصُوصَ عن أحمدَ، في رِوايَةِ مُهَنَّا، جَوازُ ذلك. وهو قولُ الشافعَيِّ في الوَصِيِّ؛ لأنَّ الوَصِيَّ يتَصَرَّفُ بوَلائِه، بدَليلِ أنَّه يتَصَرَّفُ (1) فيما لم يُنَصَّ له على التَّصَرُّفِ فيه، والوَكِيلُ لا يَتَصَرَّفُ إلَّا فيما نُصَّ له عليه. قال شيخُنا (2): والجَمْعُ بينَهما أوْلَى؛ لأنَّه مُتَصَرِّفٌ في مالِ غيرِه بالإذْنِ، فأشْبَهَ الوَكِيلَ، وإنَّما يتَصَرَّفُ فيما اقْتَضَتْه الوَصِيَّةُ، كالوَكِيلِ، إنَّما يتَصَرَّفُ فيما اقْتَضَتْه الوَكالةُ.
فصل: فأمَّا الوَلِيُّ في النِّكاح، فله التَّوْكِيلُ في تَزْويجِ مُوَلِّيتِه بغيرِ إذْنِها، أبًا كان أو غيرَه. وقال القاضي، في مَن لا يَجُوزُ له الإِجْبارُ: هو (3) كالوَكِيلِ، يُخَرجُ على الرِّوايَتَينِ المَنْصُوصِ عليهما في الوَكيلِ. ولأصحابِ الشافعيِّ فيه وَجْهان؛ أحَدُهما، لا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ إلَّا بإذْنِها؛ لأنَّه لا يَمْلِكُ التَّزْويجَ إلَّا بإذْنِها، أشْبَهَ الوَكِيلَ. ولنَا، أنَّ ولايَتَه مِن غيرِ
(1) في م: «لم يتصرف» .
(2)
في: المغني 7/ 209.
(3)
في م: «هل هو» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جِهَتِها، فلم يُعْتَبرْ إذنها في تَوْكيلِه فيها، كالأبِ، بخِلافِ الوَكِيلِ، فإنَّ الوَلِيَّ مُتصَرِّفٌ بحُكْم الولايةِ الشَّرْعِيَّةِ، أشْبَهَ الحاكِمَ، ولأنَّ الحاكِمَ يَمْلِكُ تَفْويضَ عُقُودِ الأَنْكِحَةِ إلى غيرِه بغيرِ إذْنِ النِّساءِ، فكذلك الوَليُّ. وما ذَكَرُوه يَبْطُلُ بالحاكِمِ. والذي يُعْتَبرُ إذنها فيه هو غيرُ ما يُوَكَّلُ فيه، بدَليلِ أنَّ الوَكِيلَ لا يَسْتَغْنِي عن إذْنِها في التَّزْويجِ، فهو كالمُوَكَّلِ في ذلك.
فصل: إذا أذِنَ المُوَكِّلُ في التَّوْكِيلِ، فوَكَّلَ، كان الوَكِيلُ الثانِي وَكِيلًا للمُوَكِّلِ، لا يَنْعزِلُ بمَوتِ الوَكِيلِ الأوَّلِ ولا عَزْلِه، ولا يَمْلِكُ الأوَّلُ عَزْلَ الثانِي؛ لأنَّه ليس بوَكِيلِه. وإن أذِنَ له أن يُوَكِّلَ لنَفْسِه، جاز، وكان وَكِيلًا للوَكِيلِ، يَنْعزلُ بمَوْتِه وعَزْلِه. وإن مات المُوَكِّلُ، أو عُزِل الأوَّلُ، انْعزَلا جَميعًا؛ لأنَّهما فرْعان له، لكنَّ أحَدَهما فَرْع الآخَرِ، فذَهَبَ حُكْمُهما بذَهابِ أصْلِهما. وإن وَكّلَ مِن غيرِ أن يُؤْذَنَ له في التَّوكِيلِ نُطْقًا، بل وُجِد عُرْفًا، أو على الرِّوايَةِ التي أجَزْنا له التَّوكِيلَ مِن غير إذْنٍ، فالثانِي وَكِيلُ الوَكِيلِ الأوَّلِ، حُكْمُه حُكْمُ ما لو أذِنَ له أن يُوَكِّلَ لنَفْسِه.