الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ، وَالنَّقْصُ بِهُزَالٍ، أوْ نِسْيَانِ صَنْعَةٍ، فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَالزِّيَادَةُ لِلْمُفْلِسِ. وَعَنْهُ، لِلْبَائِعِ.
ــ
ولأنَّه لا يُمْكِنُ فَصْلُها، فكذلك ههُنا، بل أوْلَى؛ فإنَّ الزِّيادَةَ ههُنا يَتَعَلَّقُ بها حَقُّ المُفْلِسِ والغُرَماءِ، فمَنْعُ المُشْتَرِي (1) مِن أخْذِ زِيادَةٍ ليست له أوْلَى مِن تَفْويتِها على الغُرَماءِ الذين لم يَصِلُوا إلى تَمامِ حُقُوقِهم، والمُفْلِسِ المُحْتاجِ إلى تَبْرِئَةِ ذِمَّتِه عندَ اشْتِدادِ حاجَتِه. وأمّا الخَبَرُ، فمَحْمُولٌ على مَن وَجَد مَتاعَه على صِفَتِه ليس بزائِدٍ، ولم يَتَعَلَّقْ به حَقٌّ آخَرُ، وههُنا قد تَعَلَّقَتْ به حُقُوقُ الغُرَماءِ؛ لِما فيه مِن الزِّيادَةِ، لِما ذَكَرْنا مِن الدَّلِيلِ. يُحَقِّقُه أنَّه إذا كان تَلَفُ بعضِ المَبِيعِ مانِعًا (2) مِن الرُّجُوعِ مِن غيرِ ضَرَرٍ يَلْحَقُ بالمُفْلِسِ ولا الغُرَماءِ، فلَأن تَمْنَعَ الزِّيادَةُ فيه مع تَفْويتِها بالرُّجُوعِ عليهم أوْلَى، ولأنَّه إذا رَجَع في النَّاقِصِ، فما رَجَع إلّا فيما باعَه وخَرَج منه، فإذا رَجَع في الزَّائِدِ، أخَذَ ما لم يَبِعْه، واسْتَرْجَعَ ما لم يَخْرُجْ عنه، فكان بالمَنْعِ أحَقُّ.
1916 - مسألة: (فَأمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ، وَالنَّقْصُ بِهُزَالٍ، أوْ نِسْيَانِ صَنْعَةٍ، فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَالزِّيَادَةُ لِلْمُفْلِسِ. وَعَنْهُ، لِلْبَائِعِ)
وجُمْلَةُ ذلك، أنَّ الزِّيادَةَ المُنْفَصِلَةَ؛ كالوَلَدِ، والثَّمَرَةِ، والكَسْبِ، لا
(1) في م: «البائع» .
(2)
بعده في ق، م:«له» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَمْنَعُ الرُّجُوعَ، بغيرِ خِلافٍ بينَ أصْحَابِنا. وهو قولُ مالِكٍ، والشافعيِّ. وسَواءٌ نَقَص بها المَبِيعُ، أو لم يَنْقُصْ، إذا كان نَقْصَ صِفَةٍ. والزِّيادَةُ للمُفْلِسِ. وهذا ظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِيِّ؛ لأنَّه مَنَع الرُّجُوعَ بالزِّيادَةِ المُتَّصِلَةِ؛ لكَوْنِها للمُفْلِسِ، فالمُنْفَصِلَةُ أوْلَى. وهو قولُ ابنِ حامِدٍ، والقاضي، و (1) مَذْهَبُ الشّافعيِّ. وهو الصَّحِيحُ إن شاء الله تعالى. وقال أبو بكرٍ: الزِّيادَةُ للبائِعِ. وهو مَذْهَبُ مالِكٍ. ونَقَل حَنْبَلٌ عن أحمدَ، في وَلَدِ الجارِيَةِ، ونِتاجِ الدَّابَّةِ، هو للبائِعِ؛ لأنَّها زِيادَة، فكانت للبائِعِ، كالمُتَّصِلَةِ. ولَنا، أنَّها زيادَةٌ في مِلْكِ المُشْتَرِي، فكانت له، كما لو رَدَّه بعَيبٍ، ولأنَّه فَسْخ اسْتَحَقَّ به اسْتِرْجاعَ العَينِ، فلم يَسْتَحِقَّ أخْذَ (2) الزِّيادَةِ المُنْفَصلَةِ؛ كفَسْخِ البَيعِ بالعَيبِ أو الخِيارِ، والإقالَةِ، وفَسْخِ النِّكاحِ بسَبَبٍ مِن أسْبابِ الفَسْخِ، ولأنَّ قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» (3). يَدُلُّ على أنَّ النَّماءَ والغَلَّةَ
(1) في م: «وهو» .
(2)
سقط من: م.
(3)
تقدم تخريجه في 10/ 284.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
للمُشْتَرِي؛ لكَوْنِ الضَّمانِ عليه. وقِياسُهم على الزِّيادَةِ المُتَّصِلَةِ، الأصْلُ فيه مَمْنُوعٌ، ثم لو سُلِّمَ ثَمَّ، فالفَرْقُ ظاهِرٌ، فإنَّ المُتَّصِلَةَ تَتْبَعُ في الفُسُوخِ والرَّدِّ بالعَيبِ، بخِلافِ المُنْفَصِلَةِ. قال شيخُنا (1): ولا يَنْبَغِي أنْ يَقَع في هذا خِلافٌ؛ لظُهُورِه، وكَلامُ أحمدَ في رِوايَةِ حَنْبَلٍ، يُحْمَلُ على أنَّه باعَهما في حالِ حَمْلِهمِا، فيَكُونان مَبِيعَين (2)، ولهذا خَصَّ هذين بالذِّكْرِ دُونَ بَقِيَّةِ النَّماءِ.
فصل: فإن نَقَصَتْ مالِيَّةُ المَبِيعِ لذَهابِ صِفَةٍ، مع بقاءِ عَينِه، كعَبْدٍ هُزِل، أو نَسِيَ صِناعَة أو كِتابَة، أو كَبِر، أو تَغَيَّرَ عَقْلُه، أو كان ثَوْبًا فَخَلَقَ، لم يَمْنَعِ الرُّجُوعَ؛ لأنَّ فَقْدَ الصِّفَةِ لا يُخرِجُه عن كَوْنِه عَينَ مالِه، لكنَّه يَتَخَيَّرُ بينَ أخْذِه ناقِصًا بجَمِيعِ حَقِّه، وبينَ أن يَضْرِبَ مع الغُرَماءِ بكمالِ ثَمَنِه؛ لأنَّ الثمَنَ لا يَتَقَسَّطُ على صِفَةِ السِّلْعَةِ مِن سِمَنٍ أو هُزالٍ أو عِلْمٍ أو نَحْوه، فيَصِيرُ كنَقْصِه لتَغَيُّرِ الأسْعارِ. ولو كان المَبِيعُ أمَةً ثَيِّبًا، فوَطِئَها المشتَرِي ولم تَحْمِلْ، فله الرُّجُوعُ فيها؛ لِما ذَكَرْنا، فإنَّها لم تَنْقُصْ
(1) في: المغني 6/ 551.
(2)
في م: «بسببين» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في ذاتٍ ولا صِفات. وإن كانت بِكْرًا، فقال القاضي: له الرُّجُوعُ؛ لأنَّه فَقْدُ صِفَةٍ، فإنَّه لم يَذْهَبْ منها جُزْءٌ، وإنَّما هو كالجِراحِ (1). وقال أبو بكر: ليس له الرُّجُوعُ؛ لأنَّه أذْهَبَ منها جُزْءًا، فأشْبَهَ ما لو فَقَأْ عَينَها. وإن وُجِد الوَطْءُ مِن غيرِ المُفْلِسِ، فهو كوَطْءِ المُفلسِ فيما ذَكَرْنا.
فصل: وإن جُرِح العَبْدُ، أو شُجَّ، فعلى قولِ أبي بكرٍ، لا يَرْجِعُ؛ لأنَّه ذَهَب جُزْءٌ يَنْقُصُ به الثَّمَنُ، أشْبَهَ ما لو فقِئتْ عَينُ العَبْدِ، ولأنَّه ذهَب مِن العَينِ جُزْءٌ له بَدَلٌ، فمنَعَ الرُّجُوعَ، كما لو قُطِعَتْ يَدُ العَبْدِ، ولأنَّه لو كان نقْصَ صِفَةٍ مُجَرَّدَةٍ لم يَكُنْ مع الرُّجُوعِ فيها شيءٌ سِواه كما ذَكَرْنا في هُزالِ العَبْدِ ونِسْيانِ الصَّنْعَةِ، وههُنا بخِلافِه، ولأنَّ الرُّجُوعَ في المَحَلِّ المَنْصُوصِ عليه يَقْطَعُ النِّزاعَ ويُزِيلُ المُعامَلَةَ بينهما، فلا يَثْبُتُ في مَحَلٍّ
(1) في ر 1، ر، ق:«كالخراج» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا يَثْبُتُ به هذا المَقْصُودُ. وقال القاضي: قِياسُ المَذْهَبِ أنَّ له الرُّجُوعَ؛ لأنَّه فَقْدُ صِفَةٍ، فأشْبَهَ نِسْيانَ الصَّنْعَةِ واسْتِخْلاقَ الثَّوْبِ. فإذا رَجَع، نَظَرْنَا في الجَرْحِ؛ فإن كان ممّا لا أَرشَ له؛ كالحاصِلِ بفِعْلِ اللهِ تعالى، أو فِعْلِ بَهِيمَةٍ، أو جِنايَةِ المُفْلِسِ، أو جِنايَةِ عَبْدِه، أو جِنايَةِ العَبْدِ على نَفْسِه، فليس له مع الرُّجُوعِ أرْشٌ. وإن كان الجَرْحُ مُوجِبًا لأرْشٍ، كجِنايَةِ الأَجْنَبِيِّ فللبائِعِ إذا رَجَع أن يَضْرِبَ مع الغُرَماءِ بحِصَّةِ ما نَقَص مِن الثَّمَنِ، فيَنْظُرُ كم نقَص مِن قِيمَتِه، فيَرْجِعُ بقِسْطِ ذلك مِن الثَّمَنِ؛ لأنَّه مَضْمُونٌ على المُشْتَرِي للبائِعِ بالثَّمَنِ. فإن قِيلَ: فهلَّا جَعَلْتُم له الأرْشَ الَّذي وَجَب على الأجْنَبِيِّ؛ لأنَّه لو لم يَجِبْ به أرْشٌ، لم يَرْجِعْ بشيءٍ، فلا يَجُوزُ أن يَرْجِعَ بأكْثَرَ مِن الأرْشِ. قُلْنا: لَمَّا أتْلَفَه الأجْنَبِيُّ، صار مَضْمُونًا بإتْلافِه للمُفْلِسِ، فكان الأرْشُ له، وهو مَضْمُونٌ على المُفْلِسِ للبائِعِ بالثَّمَنِ، فلا يَجُوزُ أنْ يَضْمَنَه بالأَرْشِ، وإذا لم يُتْلِفْه أجْنَبِيٌّ، لم يَكُنْ مَضْمُونًا، فلم يَجِبْ بفَواتِه شيءٌ. فإنِ قِيلَ: فهلَّا كان هذا الأرْشُ للمُشْتَرِي، ككَسْبِه، لا يَضْمَنُه للبائِعِ؟ قُلْنا: الْكَسْبُ بَدَلُ مَنافِعِه، ومَنافِعُه مَمْلُوكَةٌ للمُشْتَرِي بغيرِ عِوَضٍ، وهذا بَدَلُ جُزْءٍ مِن العَينِ، والعَينُ جَمِيعُها مَضْمُونَةٌ بالعِوَضِ، فلهذا ضَمِن ذلك للمُشْتَرِي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإنِ اشْتَرَى زَيتًا فخَلَطَه بزَيتٍ آخَرَ، أو قَمْحًا فخَلَطَه بما لا يُمْكِنُ تَمْيِيزُه منه، سَقَط حَقُّ الرُّجُوعِ. وقال مالِكٌ: يَأْخُذُ أْرْشَه. وقال الشافعيُّ: إن خَلَطَه بمِثْلِه أو دُونِه، لم يَسْقُطِ الرُّجُوعُ، وله أن يَأْخُذَ مَتاعَه بالكَيلِ أو الوَزْنِ. وإن خَلَطَه بأجْوَدَ منه، ففيه قَوْلان؛ أحَدُهما، يَسْقُطُ حَقُّه. قال الشافعيُّ: وبه أقولُ. واحْتَجُّوا بأنَّ عَينَ مالِه مَوْجُودَة مِن طَرِيقِ الحُكْمِ، فكان له الرُّجُوعُ، كما لو كانت مُنْفَرِدَةً، ولأنَّه ليس فيه (1) أكْثَرُ مِن اخْتِلاطِ مالِه بغيرِه، فلم يمْنَعِ الرُّجُوعَ، كما لو اشْتَرَى ثَوْبًا فصَبَغَه، أو سَويقًا فَلَتَّه. ولَنا، أنَّه لم يَجِدْ عَينَ مالِه، فلم يَكُنْ له الرُّجُوعُ، كما لو تَلِفَتْ، ولأنَّ ما يَأْخُذُه [مِن غيرِ مالِه، إنَّما يَأْخُذُه](2) عِوَضًا عن مالِه، فلم يَخْتَصَّ به دُونَ الغُرَماءِ، كما لو تَلِفَ مالُه. وقولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أدرَكَ مَتَاعَهُ بعَينِه» (3). أي مَن قَدَر عليه وتَمَكَّنَ مِن أخْذِه مِن المُفْلِسِ،
(1) في م: «له» .
(2)
سقط من: م.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 255.