الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ قَال: أَحَلْتُكَ. وَادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا الْوَكَالةُ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ، فَفِي أَيِّهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟ وَجْهَانِ.
ــ
في اللَّفْظِ، وهو مِمّا يُمْكِنُ إقامَةُ البَيِّنَةِ عليه.
1863 - مسألة: (وإنِ اتَّفَقا على أنَّه قال: أحَلْتُكَ)
بالمالِ الذي لي (1) قِبَلَ زَيدٍ. ثم اخْتَلَفا، فقال المُحِيلُ: إنَّما وَكَّلْتُك في القَبْضِ لِي. وقال الآخَرُ: بل أحَلْتَنِي بدَينِي عليك. فالقولُ قولُ مُدَّعِي الحَوالةِ، في أحدِ الوَجْهَين؛ لأنَّ الظاهِرَ معه، فإنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ في الحَوالةِ دُونَ الوَكالةِ، فيَجِبُ حَمْلُ اللَّفْظِ على ظاهِرِه، كما لو اخْتَلَفا في دارٍ في يَدِ أحَدِهما. والثّانِي، القولُ قولُ المُحِيلِ؛ لأنَّ الأصْلَ بَقاءُ حَقِّ المُحِيلِ
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على المُحالِ عليه، والمُحْتالُ يَدَّعِي نَقْلَه، والمُحِيلُ يُنْكِرُه، والقول قولُ المُنْكِرِ. فعلى الوَجْهِ الأوَّلِ، يَحْلِفُ المُحْتالُ، ويَثْبُتُ حَقُّه في ذِمَّةِ المُحالِ عليه، ويَسْتَحِقُّ مُطالبَتَه، ويَسْقُطُ عن المُحِيلِ. وعلى الوَجْهِ الثّانِي، يَحْلِفُ المُحِيلُ، ويَبْقَى حَقُّه في ذِمَّةِ المُحالِ عليه. وعلى كلا الوَجْهَين، إن كان المُحْتالُ قد قَبَض مِن المُحالِ عليه، وتَلِف في يَدِه، فقد بَرِئَ كلُّ واحدٍ منهما مِن صاحِبِه، فلا ضَمانَ عليه، سواءٌ تَلِف بتَفْرِيطٍ أو غيرِه؛ لأنَّه إن تَلِف بتَفْريطٍ، وكان المُحْتالُ مُحِقًّا، فقد أتْلَفَ ماله، وإن كان مُبْطلاً، ثَبَت لكلِّ واحدٍ منهما في ذِمَّةِ الآخَرِ مثلُ (1) ما في ذِمَّتِه له، فيتَقَاصّان، ويَسْقُطان. وإن تَلِف بغيرِ تَفْرِيطٍ، فالمُحْتالُ يَقُولُ: قد قَبَضْتُ حَقِّي وتَلِف في يَدِي، وبَرِئَ منه المُحِيلُ بالحَوالةِ، والمُحالُ عليه بتَسْلِيمِه. والمُحِيلُ يَقُولُ: قد تَلِف المالُ في يَدِ وَكِيلِي بغيرِ تَفرِيطٍ. فلا ضَمانَ عليه. وإن لم يَتْلَفْ، احْتَمَلَ أن لا يَمْلِكَ المُحِيلُ طَلَبَه؛ لأنَّه مُعْتَرِفٌ أنَّ له عليه مِن الدَّينِ مثلَ ما له في يَدِه وهو مُسْتَحِقٌّ لقَبْضِه، فلا فائِدَةَ في أن يَقْبِضَه منه ثم يُسَلِّمَه إليه. ويَحْتَمِلُ أن يَمْلِكَ أخْذَه منه، ويَمْلِكَ المُحْتالُ مُطالبَتَه بدَينِه. وقيل: يَمْلِكُ المُحِيلُ أَخْذَه منه، ولا يَمْلِكُ المُحْتالُ المُطالبَةَ بدَينِه؛ لاعْتِرافِه ببَراءَةِ المُحِيلِ منه بالحَوالة.
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وليس بصَحِيحٍ؛ لأنَّ المُحْتال إنِ اعْتَرفَ بذلك، فهو يَدَّعِي أنَّه قَبَض هذا المال منه بغيرِ حَقٍّ، وأَنه (1) يَسْتَحِقُّ المُطالبَةَ به. فعلى كلا الحالين، هو مُسْتَحِقٌّ للمُطالبَةِ بمِثْلِ هذا المالِ المَقْبوضِ منه في قَوْلِهما جميعًا، فلا وَجْهَ لإِسْقاطِه، ولا مَوْضِعَ للبَيِّنَةِ في هذه المَسْأَلَةِ؛ لأنَّهما لا يَخْتَلِفان في لَفْظٍ يُسْمَعُ، ولا فِعْلٍ يُرَى، وإنَّما يَدَّعِي المُحِيلُ نِيَّتَه (2)، وهذا لا تَشْهَدُ به البَيِّنَةُ نَفْيًا ولا إثْباتًا.
فصل: فإن قال: أحَلْتُك بدَينِك. قال: وَكَّلْتَنِي. ففيها (3) وَجْهان أيضًا؛ لِما قَدَّمْنا. فإن قلنا: القولُ قولُ المُحِيلِ. فحَلَفَ، بَرِئَ مِن حقِّ المُحْتالِ، وللمُحْتالِ قَبْضُ المالِ مِن المُحالِ عليه لنَفْسِه؛ لأنَّه يَجُوزُ ذلك بقَوْلِهما معًا، فإذا قَبَضَه، كان له بحَقِّه. وإن قُلْنا: القَوْلُ قولُ المُحْتالِ. فحَلَفَ، كان له مُطالبَةُ المُحِيلِ بحَقِّه ومُطالبَةُ المُحْتالِ عليه؛ لأنَّه إمّا وَكِيلٌ أو مُحْتالٌ. فإن قَبَض منه قبلَ أخْذِه مِن المُحِيلِ، فله أخْذُ ما قَبَض لنَفْسِه (4)؛ لأنَّ المُحِيلَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَقُولُ: هو لك. والمُحْتالُ يَقُولُ: هو أمانَةٌ في يَدِي، ولى مِثْلُه على صاحِبه، وقد أَذِنَ له في أخْذِه ضِمْنًا. فإذا أخَذَه لنَفْسِه، حَصَل غَرَضُه، ولم يَأْخُذْ مِن المُحِيلِ شيئًا. وإنِ اسْتَوْفَى مِن المُحِيلِ دُونَ المُحالِ عليه، رَجَع المُحِيلُ على المُحالِ عليه، في أحَدِ الوَجْهَين؛ لأنَّ الوَكالةَ قد ثَبَتَتْ بيَمِينِ المُحْتالِ، وبَقِيَ الحَقُّ (1) في ذِمَّةِ المُحالِ عليه للمُحِيلِ. والثَّانِي، لا يَرْجِعُ عليه؛ لأنَّه يَعْتَرِفُ أنَّه قد بَرِئَ مِن حَقِّه، وإنَّما المُحْتالُ (2) ظَلَمَه بأخْذِ ما كان عليه. قال القاضِي: والأَوَّلُ أصَحُّ. وإن كان قد أخَذَ الحَوالةَ فتَلِفَتْ في يَدِه بتَفْرِيطٍ، أو أتْلَفَها، سَقَط حَقُّه، وَجْهًا واحِدًا؛ لأنَّه إن كان مُحِقًّا فقد أتْلَفَ حَقَّه، وإن كان مُبْطِلًا فقد أتْلَفَ (3) مِثْلَ دَينِه، فيَثْبُتُ في ذِمَّتِه، فيتَقَاصّانِ. وإن تَلِفَتْ بغيرِ تَفْرِيطِه، فعلى الوَجْهِ الأوَّلِ، يَسْقُطُ حَقُّه أيضًا؛ لأنَّ ماله تَلِف تحتَ يَدِه. وعلى الثّانِي، له أن يَرْجِعَ على المُحِيلِ بِحَقِّه، وليس للمُحِيلِ الرُّجُوعُ على المُحالِ عليه؛ لأنَّه يُقِرُّ ببرَاءتِه.
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «المحيل» .
(3)
في م: «أبطل» .