الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ أَبَوُا الْقَلْعَ، وَأَبَى دَفْع الْقِيمَةِ، سَقَطَ الرُّجُوعُ.
ــ
1919 - مسألة: (وَإنْ أَبَوُا الْقَلْعَ، وَأَبَى دَفْع الْقِيمَةِ، سَقَطَ الرُّجُوعُ)
وهذا قولُ ابنِ حامِدٍ، وأحَدُ الوَجْهَين لأصْحابِ الشافعيِّ. وقال القاضي: يَحْتَمِلُ أنَّ له الرُّجُوعَ. وهو قولٌ للشافعيِّ؛ لأنَّه أدْرَكَ مَتاعَه بعَينِه مُتَّصِلًا بمِلْكِ المُشْتَرِي على وَجْهِ البَيعِ، فلم يَمْنَعِ الرُّجُوعَ، كالثَّوْبِ إذا صَبَغَه المُشْتَرِي. ولَنا، أنَّه لم يُدْرِكْ مَتاعَه على وَجْهٍ يُمْكِنُه أخْذُه مُنْفَرِدًا عن غيرِه، فلم يَكُنْ له أخْذُه، كالحَجَرِ في البِناءِ، والمَسامِيرِ في البابِ، ولأنَّ في ذلك ضَرَرًا على المُشْتَرِي والغُرَماءِ، ولا يُزالُ الضَّرَرُ بالضَّرَرِ، ولأنَّه لا يَحْصُلُ بالرُّجُوعِ ههُنا انْقِطاعُ النِّزاعِ والخُصُومَةِ، بخِلافِ ما إذا وَجَدَها غيرَ مَشْغُولَةٍ بشيءٍ. وأمّا الثَّوْبُ إذا صَبَغَه، فلا نُسَلِّمُ أنَّ له الرُّجُوعَ، وإن سَلَّمْنا، فالفَرْقُ بينهما مِن وَجْهَين؛ أحَدُهما، أنَّ الصِّبْغَ تَفَرَّقَ في الثَّوْب، فصار كالصِّفَةِ، بخِلافِ (1) البِناءِ والغَرْسِ، فإنَّها أعْيَانٌ مُتَمَيِّزَةٌ وأصْلٌ في نَفْسِه. الثانِي، أنَّ الثَّوْبَ لا يُرادُ للبَقاءِ،
(1) بعده في الأصل: «الأرض و» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بخِلافِ الأرْضِ والبناءِ. فإذا قُلْنا: لا يَرْجِعُ. فلا كَلامَ. وإن قُلْنا. يَرْجِعُ. فرَجَعَ، واتَّفَقَ الجَمِيعُ على بَيعِهما، بِيعا لهما، [وأخَذَ كلُّ واحِدٍ بقَدْرِ حَقِّه. وإنِ امْتَنَعَ أحَدُهما مِن البَيعِ، احْتَمَلَ أن يُجْبَرَ عليه، كالثَّوْبِ إذا صَبَغَه المُشْتَرِي، فإنَّه يُباعُ لهما](1)، كذا ههُنا. ويَحْتَمِلُ أن لا يُجْبَرَ؛ لأنَّه يُمْكِنُ طالِبَ البَيعِ أن يَبِيعَ مِلْكَه مُنْفَرِدًا، بخِلافِ الثَّوْبِ المَصْبُوغِ. فإن بِيعا لهما، قُسِّمَ الثَّمَنُ على قَدْرِ القِيمَتَينِ، فتُقَوَّمُ الأرْضُ لا شَجَرَ فيها ولا بِناءَ، ثم تُقَوَّمُ وهما فيها، فما كان قِيمَةَ الأرْضِ بغيرِ غِراسٍ ولا بِناءٍ فللبائِعِ قِسْطُه مِن الثَّمَنِ، والزَّائِدُ للمُفْلِس والغُرَماءِ. وإن قُلْنا: لا يُجْبَرُ على البَيعِ. أو لم يَطْلُبْ أحَدُهما البَيعَ، فإنِ اتَّفَقا على كَيفِيَّةِ كَوْنِهما بينَهما، جاز ما اتَّفَقَا عليه، وإنِ اخْتَلَفا، كانتِ الأرْضُ للبائِعِ، والغِراسُ والبِناءُ للمُفْلِسِ والغُرَماءِ، ولهم دُخُولُ الأرْضِ لسَقْيِ الشَّجَرِ، وأخْذِ الثَّمَرَةِ، وليس لهم دُخُولُها للتَّفَرُّجِ أو لغيرِ حاجَةٍ، وللبائِعِ دُخُولُها للزَّرْعِ ولِما شاء؛ لأنَّ الأرْضَ مِلْكُه. فإن باعُوا الشَّجَرَ والبِناءَ لإِنْسانٍ، فحُكْمُه في ذلك حُكْمُهم. فإن بَذَل المُفْلِسُ والغُرَماءُ أو المُشْتَرِي للبائِعِ قِيمَةَ الأرْضِ ليَدَعَها لهم، لم يَلْزَمْه ذلك؛ لأنَّ الأرْضَ أصْلٌ، فلا يُجْبَرُ على بَيعِها، بخِلافِ الغِراسِ والبِناءِ.
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإنِ اشْتَرَى غِراسًا فَغَرَسَه في أرْضِه، ثم أفْلَسَ، ولم يَزِدِ الغِراسُ، فله الرُّجُوعُ فيه؛ لأنَّه أدْرَكَ مَتاعَه بعَينِه. فإذا أخَذَه، فعليه تَسْويَةُ الأرْضِ، وأَرْشُ نَقْصِها الحاصِلِ بقَلْعِه؛ لأنَّه نَقْصٌ حَصَل لتَخْلِيصِ مِلْكِه مِن مِلْكِ غيرِه. وإن بَذَل المُفْلِسُ والغُرَماءُ قِيمَتَه له ليَمْلِكُوه، لم يُجْبَرْ على قَبُولِها؛ لأنَّه إذا اخْتارَ أخْذَ مالِه وتَفْرِيغَ مِلْكِهِم وإزالةَ ضَرَرِه عنهم، لم يَكُنْ لهم مَنْعُه، كالمُشْتَرِي إذا غَرَس في الأرْضِ المَشْفُوعَةِ. وإنِ امْتَنَع مِن القَلْعِ، فبَذَلُوا له القِيمَةَ ليَمْلِكَهُ المُفْلِسُ، أو أرَادُوا قَلْعَه وضَمانَ النَّقْصِ، فلهم ذلك. وكذلك لو أرادُوا قَلْعَه مِن غيرِ ضَمانِ النَّقْصِ؛ لأنَّ المُفْلِسَ إنَّما ابْتاعَه مَقْلُوعًا، فلم يَجبْ عليه إبْقاؤُه في أرْضِه. وقِيلَ: ليس لهم قَلْعُه مِن غيرِ ضَمانِ النَّقْصِ؛ لأَنَّه غَرْس بحَقٍّ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأشْبَهَ غَرْسَ المُفْلِسِ في الأرْضِ التي ابْتاعَها إذا رَجَع بائِعُها فيها. والفَرْقُ بينَهما ظاهِرٌ، فإنَّ إبْقاءَ الغِراسِ في هذه الصُّورَةِ حَقٌّ عليه، فلم يَجبْ عليه بفِعْلِه (1)، وفي التي قبلَها إبْقاؤُه حَقٌّ له، فوَجَبَ له بغِراسِه في مِلْكِه. فإنِ اخْتارَ بعضُهم القَلْعَ وبَعْضُهم التَّبْقِيَةِ، قُدِّمَ قولُ مَن طَلَب القَلْعَ، سَواءٌ كان المُفْلِسَ أو الغُرَماءَ أو بعضَ الغُرَماءِ؛ لأنَّ الإبقاءَ ضَرَرٌ غيرُ واجِبٍ، فلم يَلْزَمِ المُمْتَنِعَ منه (2) الإِجابَةُ إليه. وإن زاد الغِراسُ في الأرْضِ، فهي زِيادَةٌ مُتَّصِلَة تَمْنَعُ الرُّجُوعَ، إلَّا على رِوايَةِ المَيمُونِيِّ.
(1) في الأصل، ق:«قلعه» .
(2)
في م: «من» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإنِ اشْتَرَى أرْضًا مِن رجلٍ وغِراسًا مِن آخَرَ، فغَرَسَه فيها، ثم أفْلَسَ، ولم يَزِدِ الشَّجَرُ، فلِكلِّ واحِدٍ منهما الرُّجُوعُ في عَينِ مالِه، ولصاحِبِ الأرْضِ قَلْعُ الغِراسِ مِن غيرِ ضَمانِ النَّقْصِ بالقَلْعِ، كما ذَكَرْنا؛ لأنَّ البائِعَ إنَّما باعَه مَقْلُوعًا، فلا يَسْتَحِقُّه إلَّا كذلك. وإن أراد بائِعُه قَلْعَه مِن الأرْضِ، فقَلَعَه، فعليه تَسْويَةُ الأرضِ (1)، وضَمانُ نَقْصِها الحاصِلِ به؛ لِما تَقَدَّمَ. فإن بَذَلَ صاحِبُ الغِراس قِيمَةَ الأرْضِ لصاحِبِها ليَمْلِكَها (2)، لم يُجْبَرْ على ذلك؛ لأنَّ الأرْضَ أصْل، فلا يُجْبَرُ على بَيعِها تَبَعًا. وإن بَذَل صاحِبُ الأرْضِ قِيمَةَ الغِراسِ لصاحِبِها ليَمْلِكَه إذا امْتَنَعَ مِن القَلْعِ، فله ذلك؛ لأن غَرْسَه حَصَل في مِلْكِ غيرِه بحَق، فأشْبَهَ غَرْسَ المُفْلِسِ في أرْضِ البائِعِ. ويَحْتَمِلُ أن لا يَمْلِكَ ذلك؛ لأنَّه لا يُجْبَرُ على إبْقائِه إذا امْتَنَعَ مِن دَفْعِ قِيمَتِه أو أَرْشِ نَقْصِه، فلا يكونُ له أن يَتَمَلَّكَه بالقِيمَةِ، بخِلافِ التي قبلَها. والأوَّلُ أوْلَى، وهذا مُنْتَقِصٌ بغَرْسِ الغاصِبِ.
(1) في الأصل: «الحفر» .
(2)
في المغني 6/ 560: «ليملكه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن كان المَبِيعُ صَيدًا، فأفْلَسَ المُشْتَرِي، والبائِعُ مُحْرِمٌ، لم يَرْجِعْ فيه؛ لأنَّه تَمَلُّكٌ للصَّيدِ، فلم يَجُزْ في الإِحْرام، كشِرائِه. وإن كان البائِعُ حَلالًا في الحَرَمِ، والصَّيدُ في الحِلِّ، فأَفْلَسَ المُشْتَرِي؛ فللبائِعِ الرُّجُوعُ فيه؛ لأنَّ الحرمَ، إنَّما يَحْرُمُ الصَّيدُ الَّذي فيه، وهذا ليس مِن صَيدِه، فلا يُحَرِّمُه. ولو أفْلَسَ المُحْرِمُ وفي مِلْكِه صَيدٌ، بائِعُه (1) حَلالٌ، فله أخْذُه؛ لأنَّ المانِعَ (2) غيرُ مَوْجُودٍ فيه.
(1) في الأصل: «باعه» .
(2)
في ق: «البائع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا أفْلَسَ وفي يَدِه عَينٌ دَينُ بائِعها مُؤَجَّلٌ، وقُلْنا: لا يحِلُّ الدَّينُ بالفَلَسِ. فقال أَحمَدُ، في رِوايَةِ الحَسَنِ بنِ ثَوَابٍ: يكونُ مَوْقُوفًا إلى أنْ يَحِلَّ دَينُه، فيَخْتارُ البائِعُ الفَسْخَ أو التَّرْكَ. وهو قولُ بعضِ أصْحابِ الشافعيِّ. والمَنْصُوصُ عن الشافعيِّ، أنَّه يُباعُ في الدُّيُونِ الحالَّةِ. ويَتَخَرَّجُ لَنا مِثْلُ ذلك؛ لأنَّها حُقُوق حالَّةٌ، فقُدَّمَتْ على الدَّينِ المُؤجَّلِ، كدَينِ مَن لم يَجِدْ عَينَ مالِه. والقولُ الأوَّلُ أوْلَى؛ للخَبَرِ، ولأنَّ حَقَّ هذا البائِعِ تَعَلَّقَ بالعَينِ، فَقُدِّمَ على غيرِه وإن كان مُؤْجَّلًا، كالمُرْتَهِنِ والمَجْنِيِّ عليه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: قال أحمدُ، في رجلٍ ابْتاعَ طَعامًا نَسِيئَةً ونَظَرَ إليه وقَلَّبَه، وقال: أقْبِضه غَدًا. فمات البائِعُ وعليه دَيْنٌ، فالطّعامُ للمُشْتَرِي، ويَتْبَعُه الغُرَمَاءِ بالثَّمَنِ، وإن كان رَخِيصًا. وكذلك قال الثَّوْرِيُّ، وإسحاقُ؛ لأنَّ المِلْكَ ثَبَت للمُشْتَرِي فيه بالشِّراءِ، وزال مِلْكُ البائِعِ عنه، فلم يُشارِكْه غُرَماءُ البائِعِ (1) فيه، كما لو قَبَضَه.
(1) في ق: «الثاني» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ورُجُوعُ البائِعِ فَسْخٌ للبَيعِ، لا يَحْتَاجُ إلى مَعْرِفَةِ المَبِيعِ، ولا القُدْرَةِ على تَسْلِيمِه، فلو رَجَع في المَبِيعِ الغائِبِ بعدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَغَيَّرُ فيها، ثم وَجَدَه على حالِه لم يَتْلَفْ شيءٌ منه، صَحَّ رُجُوعُه. وإن رَجَع في العَبْدِ بعدَ إباقِه، أو الجَمَلِ بعدَ شُرُودِه، صَحَّ، وصار ذلك له، فإن قَدَر عليه أخَذَه، وإن ذَهَب كان مِن مالِه. وإن تَبَيَّن أنَّه كان تالِفًا حال استِرْجاعِه، بَطَل الاسْتِرْجاعُ، وله أن يَضْرِبَ مع الغُرَماءِ في المَوْجُودِ مِن مالِه. وإن رَجَع في المَبِيعِ، واشْتَبَهَ بغَيرِه، واخْتَلَفا (1) في عَينِه، فالقولُ قولُ المُفْلِسِ؛ لأنَّه مُنْكِرٌ لاسْتِحْقاقِ ما ادَّعاه البائِعُ، والأصْلُ معه.
(1) في ر، ر 1، ق، م:«اختلفوا» .
فَصْلٌ: الْحُكْمُ الثَّالِثُ، بَيْعُ الْحَاكِمِ مَالهُ وَقَسْمُ ثَمَنِهِ، وَيَنْبَغِي أنْ يُحْضِرَهُ وَيُحْضِرَ الْغُرَمَاءَ، وَيَبِيعَ كُلَّ شَيْءٍ في سُوقِهِ،
ــ
فصل: قال، رَحِمَه اللهُ تعالى:(الْحُكْمُ الثَّالِثُ، بَيعُ الْحَاكِمِ مَالهُ وَقَسْمُ ثَمَنِهِ، وَيَنْبَغِي أنْ يُحْضِرَهُ وَيُحْضِرَ الْغُرَمَاءَ، وَيَبِيعَ كُلَّ شَيْءٍ في سُوقِهِ) إذا حُجِر على المُفْلِسِ باع الحاكِمُ ماله؛ لِما ذَكَرْنا مِن حديثِ مُعاذٍ (1). ولأنَّه مَقْصُودُ الحَجْرِ. ويُسْتَحَبُّ إحْضارُ المُفْلِسِ؛ لمعانٍ أرْبَعَةٍ؛ أحَدُها، إحْصاءُ ثَمَنِه وضَبْطُه. الثانِي، أنَّه أعْرَفُ بثَمَنِ مَتاعِه وجَيِّدِه ورديئِه، فإذا حَضَر تَكَلَّمَ عليه، وعَرَف الغَبْنَ مِن غيرِه. الثالثُ، أنَّ الرَّغْبَةَ تَكْثُرُ فيه، فإنَّ شِراءَه مِن صاحِبِه أحَبُّ إلى المُشْتَرِين. الرَّابِعُ، أنَّه أطْيَبُ لقلبِه. ويُسْتَحَبُّ إحْضارُ الغُرَماءِ؛ لأمُورٍ أرْبَعَةٍ؛ أحَدُها، أنَّه يُيَاعُ لهم. الثانِي، أنَّهم رُبَّما رَغِبُوا في شيءٍ (2) فزادُوا في ثَمَنِه، فيكونُ
(1) تقدم تخريجه في صفحة 234.
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أصْلَحَ لهم وللمُفْلِسِ. الثَّالِثُ، أنَّه أطْيَبُ لقُلُوبِهم، وأَبْعَدُ مِن (1) التُّهمَةِ. الرَّابِعُ، لَعَلَّ فيهم مَن يَجِدُ عَينَ مالِه فيَأْخُذَها. فإن باعَه مِن غيرِ حُضُورِهم كُلِّهم جاز؛ لأنَّ ذلك مُفَوَّضٌ إليه ومَوْكُولٌ إلى اجْتِهادِه، فرُبَّما أدّاه اجْتِهادُه إلى خِلافِ ذلك والمُبادَرَةِ إلى البَيعِ قبلَ إحْضارِهم. ويَأْمُرُهُم الحاكِمُ (2) أن يُقِيمُوا مُنادِيًا يُنادِي على المَتاعِ، فإن تَراضَوْا بثِقَةٍ أمْضاه الحاكِمُ، وإن لم يَكُنْ ثِقَةً رَدَّه. فإن قِيلَ: لِمَ يَرُدُّه وقد اتَّفَقَ عليه أصْحابُ الحَقِّ، فأشْبَهَ ما لو اتَّفَقَ المُرْتَهِنُ والرَّاهِنُ على أن يَبِيعَ الرَّهْنَ غيرُ ثِقَةٍ، لم يَكُنْ للحاكِمِ الاعْتِراضُ؟ قُلْنا: الحاكِمُ ههُنا له نَظَرٌ واجْتِهادٌ؛ لأنَّه قد يَظْهَرُ غَرِيمٌ آخَرُ، فَيَتَعَلَّقُ حَقُّه به، بخِلافِ الرَّهْنِ، فإنَّه لا نَظَر للحاكِمِ فيه. فإنِ اخْتارَ المُفْلِسُ رجلًا، واخْتارَ الغُرَماءُ آخَرَ أقَرَّ الحاكِمُ الثِّقَةَ منهما. فإن كانا ثِقَتَينِ، قَدَّمَ المُتَطَوِّعَ منهما؛ لأنَّه أوْفَرُ، فإن كانا مُتَطَوِّعَين، ضَمَّ أحَدَهما إلى الآخَرِ، وإن كانا بجُعْلٍ، قَدَّمَ أوْثَقَهما وأعْرَفَهما، فإن تَساوَيا، قَدَّمَ مَن يَرَى منهما (3). والأُجْرَةُ مِنِ مالِ المُفْلِسِ؛ لأنَّ البَيعَ حَقٌّ عليه، لكَوْنِه طَرِيقَ وفاءِ دَينِه. وقيل: يُدْفعُ مِن بَيتِ المالِ؛ لأنَّه مِن المَصالِحِ. وكذلك الحُكْمُ في أجْرِ مَن يَحْفَظُ المَتاعَ والثَّمَنَ، وأجْرِ الحَمّالِين، ونحوهم. ويُسْتَحَبُّ بَيعُ كلِّ شيءٍ في
(1) في م: «عن» .
(2)
سقط من: م.
(3)
زيادة من: م.