الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا تَصِحُّ إلا بِثَلَاثةِ شُرُوطٍ؛ أَحَدُهَا، أَنْ يُحِيلَ عَلَى دَينٍ مُسْتَقِرٍّ، فَإن أَحَال عَلَى مَالِ الْكِتَابَةِ، أَو السَّلَمِ، أَو الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ أَحَال الْمُكَاتَبُ سَيِّدَهُ، أَو الزَّوْجُ أمْرَأَتَهُ، صَحَّ.
ــ
1856 - مسألة: (ولا تَصِحُّ إلَّا بشُرُوطٍ ثَلاثةٍ؛ أحدُها، أن يُحِيلَ على دَينٍ مُسْتَقِرٍّ، فإن أحال على مالِ الكِتابَةِ، أو السَّلَمِ)
قبلَ قَبْضِه (أو الصَّداقِ قبلَ الدُّخُولِ، لم يَصِحَّ. وإن أحال المُكاتَبُ سَيِّدَه، أو الزَّوْجُ امْرَأَتَه، صَحَّ) لا تَصِحُّ الحَوالةُ على دَينٍ غيرِ مُسْتَقِرٍّ؛ لأنَّ مُقْتَضاها إلْزامُ المُحالِ عليه الدَّينَ مُطْلَقًا، ولا يَثْبُتُ ذلك فيما هو بعَرْضِ السُّقُوطِ. ولا يُعْتَبَرُ أن يُحِيلَ بدَينٍ مُسْتَقِرٍّ، إلَّا أنَّ السَّلَمَ لا تَصِحُّ الحَوالةُ به ولا عليه؛ لأنَّ دَينَ السَّلَمِ ليس بمُسْتَقِرِّ، لكَوْنِه مُتَعَرِّضًا للفَسْخِ بانْقِطاع المُسْلَمِ فيه، ولا تَصِحُّ الحَوالةُ به؛ لأنَّها لا تَصِحُّ إلَّا فيما يَجُوزُ أخْذ العِوَضِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عنه، ولا يَجُوزُ ذلك في السَّلِمِ؛ لقَوْلِه عليه الصلاة والسلام:«مَنْ أسْلَمَ في شِيء، فَلَا يَصْرِفْهُ إلَى غيرِهِ» (1). فلا تَصِحُّ الحَوالةُ على المُكاتَبِ بمالِ الكِتابَةِ؛ لأنَّه غيرُ مُسْتَقِرٍّ؛ لأنَّ له أن يَمْتَنِعَ مِن أدائه، ويَسْقُطُ بعَجْزِه. وتَصِحُّ الحَوالةُ عليه بدَينٍ غيرِ دَينِ الكِتابَةِ؛ لأنَّ حُكْمَه حُكْمُ الأحْرارِ في المُدايَناتِ. وإن أحال المُكاتَبُ سَيِّدَه بنَجْم قد حَلَّ عليه، صَحَّ، وبَرِئَت ذِمَّةُ المُكاتَبِ بالحَوالةِ، ويَكُونُ ذلك بمَنْزِلَةِ القَبْضِ. وإن أحالتِ المَرْأةُ على زَوْجِها بصَداقِها قبلَ الدُّخُولِ، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه غيرُ مُسْتَقِرٍّ، يَحْتَمِلُ أن يَسْقُطَ بانْفِساخِ النِّكاحِ بسَبَبٍ مِن جِهَتِها. وإن أحالها الزَّوْجُ به، صَحَّ؛ لأنَّ له تَسْلِيمَه إليها، وحَوالتُه به تَقُومُ مَقامَ تَسْلِيمِه. فإن أحالتْ به بعدَ الدُّخُولِ، صَحَّ؛ لأنَّه مُسْتَقِرٌّ. وإن أحال البائِعُ بالثَّمَنِ على المُشْتَرِي في مُدَّةِ الخِيارِ، لم يَصِحَّ، في قِياسِ ما ذَكَرْنا. وإن أحالهُ المُشْتَرِي به، صَحَّ؛ لأنَّه بمَنْزِلَةِ الوَفاءِ،
(1) تقدم تخريجه في 12/ 251.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[وله الوَفاءُ](1) قبلَ الاسْتِقْرارِ. وإن أحال البائِعُ بالثَّمَنِ على المُشْتَرِي، ثم ظَهَر على عَيبٍ، لم يَتَبَيَّنْ أنَّ الحَوالةَ كانت باطِلَةً؛ لأنَّ الثَّمَنَ كان ثابِتًا مُسْتَقِرًّا،، البَيعَ كان لازِمًا، وإنَّما ثَبَت الجَوازُ (2) بعدَ العِلْمِ بالعَيبَ بالنِّسْبَةِ إلى المُشْتَرِي. ويَحْتَمِلُ أن تَبْطُلَ الحَوالةُ، لأنَّ سَبَبَ الجَوازِ عَيبُ المَبِيعِ، وقد كان مَوْجُودًا وَقْتَ الحَوالةِ. وكلُّ مَوْضِعٍ أحال مَن عليه دَينٌ غيرُ مُسْتَقِرٍّ به، ثم سَقَط الدَّينُ، كالزَّوْجَةِ يَنْفسِخُ نِكاحُها بسَبَبٍ مِن جِهَتِها، أو المُشْتَرِي يَفْسَخُ البَيعَ ويَرُدُّ المَبِيعَ، فإن كان ذلك قبلَ القَبْضِ مِن المُحالِ عليه، فَفِيه وَجْهان؛ أحَدُهما، تَبْطُلُ الحَوالةُ؛ لعَدَمِ الفائِدَةِ في بَقائِها، ويَرْجِعُ المُحِيلُ بدَينِه على المُحالِ عليه. والثّانِي، لا تَبْطُلُ؛
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل: «الحوالة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّ الحَقَّ انْتَقَلَ عن المُحِيلِ، فلم يَعُدْ إليه، وثَبَت للمُحْتالِ، فلم يَزُلْ عنه، ولأنَّ الحَوالةَ بمَنْزِلَةِ القَبْضِ، فكأنَّ المُحِيلَ أَقْبَضَ المُحْتال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
دَيْنَه (1)، فرَجَع عليه به، ويَأْخُذُ المُحْتالُ مِن المُحالِ عليه. وسَواءٌ تَعَذَّرَ القَبْضُ مِن المُحالِ عليه أو لم يَتَعَذَّرْ. وإن كان بعدَ القَبْضِ، لم تَبْطُلْ، وَجْهًا واحِدًا، ويَرْجِعُ المُحِيلُ على المُحْتالِ به.
فصل: وإن أحال مَن لا دَينَ عليه على مَن له عليه دَينٌ، فهي وَكَالةٌ يَثْبُتُ فيها أحْكامُها، وليست بحَوالةٍ؛ لأنَّ الحَوالةَ مَأْخُوذَة مِن تَحْويلِ الحَقِّ وانْتِقالِه، ولا حَقَّ ههُنا يَنْتَقِلُ [ولا](2) يَتَحَوَّلُ، وإنَّما جازَتِ
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «و» .
وَالثَّانِي، اتِّفَاقُ الدَّينَينِ فِي الْجِنْسِ، وَالصِّفَةِ، وَالْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلَ.
ــ
الوَكالةُ بلَفْظِ الحَوالةِ؛ لِاشْتِراكِهما في اسْتِحْقاقِ الوَكِيلِ مُطالبَةَ مَن عليه الدَّينُ، كاسْتِحْقاقِ المُحْتالِ مُطالبَةَ المُحالِ عليه، وتَحَوُّلُ ذلك إلى الوَكِيلِ كتَحَوُّلِه إلى المُحْتالِ. وإن أحال مَن عليه دَينٌ على مَن لا دَينَ عليه، فليست حَوالةً. نَصَّ عليه أحمدُ. فلا يَلْزَمُ المُحال عليه الأداءُ، ولا المُحْتال القَبُولُ؛ لأنَّ الحَوالةَ مُعاوَضَةٌ، ولا مُعاوَضَةَ ههُنا، وإنَّما هو اقْتِراضٌ. فإن قَبَض المُحْتالُ منه الدَّينَ، رَجَع على المُحِيلِ؛ لأنَّه قَرْضٌ. وإن أبْرأه، لم تَصِحَّ البَراءَةُ؛ لأَنَّها بَراءَةٌ لمَن لا دَينَ عليه. وإن وَهَبَه إيّاه بعدَ أن قَبَضَه منه، رَجَعَ المُحالُ عليه على المُحِيلِ به؛ لأنَّه قد غَرِم عنه، وإنَّما عاد إليه المالُ بعَقْدٍ مُسْتَأْنَفٍ. ويَحْتَمِلُ أن لا يَرْجِعَ إليه؛ لكَوْنِه ما غَرِم عنه شيئًا. وإن أحال مَن لا دَينَ عليه على مَن لا دَينَ عليه، فهي وَكالةٌ في اقْتِراضٍ، وليست حَوالةً؛ لأنَّ الحَوالةَ إنَّما تَكون بدَينٍ على دَينٍ.
الشَّرْطُ (الثّانِي، اتِّفاقُ الدَّينَين في الجِنْسِ، والصِّفَةِ، والحُلُولِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والتَّأْجِيلِ) لأَنَّها تَحْويلٌ للحَقِّ ونَقْلٌ له، فيَنْتَقِلُ على صِفَتِه، ويُعْتَبَرُ تماثُلُهما في الأُمورِ المَذْكُورةِ؛ أحدُها، الجِنْسُ، فَيُحِيلُ مَن عليه ذَهَبٌ بذَهَبٍ، ومَن عليه فِضَّةٌ بفِضَّةٍ. ولو أحال مَن عليه ذَهَبٌ بفِضَّةٍ أو بالعَكْسِ، لم يَصِحَّ. الثّانِي، الصِّفَةُ، فلو أحال مَن عليه صِحاحٌ بمُكَسَّرةِ، أو مَن عليه مِصْرِيَّةٌ بأَمِيرِيَّةٍ، لم يَصِحَّ. الثّالِثُ، الحُلولُ والتَّأْجِيلُ، ويُعْتَبَرُ اتِّفاقُ أجَلِ المُؤَجَّلَين؛ فإن كان أحَدُهما حالًّا والآخَرُ مُؤَجَّلًا، أو كان أحَدُهما إلى شَهْرٍ والآخَرُ إلى شَهْرَين، لم تَصِحَّ الحَوالةُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولو كان الحَقّان حالَّين، فشَرَط على المُحْتالِ أن يُؤَخِّر حَقَّه أو بعْضَه إلى أجَلٍ، لم تَصِحَّ الحَوالةُ؛ لأنَّ الحالَّ لا يَتَأَجَّلُ، ولأنَّه شَرَط ما لو كان ثابِتًا في نَفْسِ الأمْرِ لم تَصِحَّ الحَوالةُ، فكذلك إذا اشْتَرَطَه. فإذا اجْتَمَعَتْ هذه الأُمُورُ، وصَحَّتِ الحَوالةُ، فتَراضَيا بأن يَدْفَعَ المُحالُ عليه إلى المُحْتالِ خَيرًا مِن حَقِّه، أو رَضِيَ المُحْتالُ بدُونِ الصِّفَةِ، أو رَضِيَ مَن
وَالثَّالِثُ، أنْ يُحِيلَ بِرِضَاهُ.
ــ
عليه المُؤَجَّل بتَعْجِيلِه، أو مَن له الحالُّ بإنْظارِه، جاز؛ لأنَّ ذلك يَجُوزُ في القَرْضِ، ففي الحَوالةِ أَوْلَى. فإن مات المُحِيلُ أو المُحْتالُ، فالأَجَلُ بِحالِه. وإن ماتَ المُحالُ عليه، انْبَنَى على حُلُولِ الدَّينِ بالمَوْتِ، وفيه رِوَايَتان.
الشَّرْطُ (الثّالِث، أن يُحِيلَ برِضاه) لأنَّ الحَقَّ عليه، فلا يَلْزَمُه أَداؤُه مِن جِهَةِ الدَّينِ الذي على المُحالِ عليه. ولا خِلافَ في هذا.
فصل: ويُعْتَبَر لصِحَّةِ الحَوالةِ أن تكونَ بمالٍ مَعْلُومٍ؛ لأنَّها إن كانت بَيعًا، فلا تَصِحُّ في مَجْهُولٍ، وإن كانت تَحَوُّلَ الحَقِّ، فيُعْتَبَر فيها التَّسْلِيمُ، والجَهالة تَمْنَعُ منه، فتَصِحُّ بكلِّ ما يَثْبُتُ مِثْلُه (1) في الذِّمّةِ بالإِتْلافِ مِن الأَثْمانِ والحُبُوبِ والأدْهانِ، ولا تَصِحُّ فيما لا يَصِحُّ السَّلَمُ فيه؛ لأنَّه لا يَثْبُتُ في الذِّمَّةِ، ومِن شَرْطِ الحَوالةِ تَساوي الدَّينَين. فأمّا ما يَثْبُتُ في الذِّمَّةِ سَلَمًا غيرَ المِثْلِيّاتِ، كالمَعْدُودِ والمَذْرُوعِ، ففي صِحَّةِ الحَوالةِ به وَجْهان؛ أحدُهما، لا يَصِحُّ؛ لأنَّ المِثْلَ فيه لا يَتَحَرَّرُ، ولهذا لا يُضْمَنُ بمِثْلِه في الإتْلافِ. وهذا ظاهِرُ مَذْهَبِ الشافعيِّ. والثّانِي، يَصِحُّ. ذكَرَه القاضِي؛ لأنَّه حَقٌّ ثابِتٌ في الذِّمَّةِ، فأشْبَهَ ما له مِثْلٌ. ويَحْتَمِل أن يُخَرَّجَ هذان الوَجْهان على الخِلافِ فيما يَقْضِي به قَرْضَ هذه الأمْوالِ، فإن كان
(1) سقط من: م.