الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْبُلُوغُ يَحْصُلُ بِالاحْتِلَامِ، أوْ بُلُوغِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ نَبَاتِ الشَّعَرِ الْخَشِنِ حَوْلَ الْقُبُلِ، وَتَزِيدُ الْجَارِيَةُ بِالْحَيضِ وَالْحَمْلِ.
ــ
مالُه (1)، للآيَةِ. ولَنا، أنَّه لا يُدْفَعُ إليه مالُه، لعَدَمِ رُشْدِه، فلم يَصِحَّ تَصَرُّفُه وإقْرارُه، كالصَّبِيِّ والمَجْنُونِ، ولأنَّه إذا نَفَذ تَصَرُّفُه وإقْرارُه تَلِف مالُه، ولم يُفِدْ مَنْعُه مِن مالِه شيئًا، ولأنَّ تَصَرُّفَه لو كان نافِذًا، لسُلِّمَ إليه مالُه، كالرَّشِيدِ، فإنَّه إنَّما مُنِع ماله حِفْظًا له، فإذا لم يُحْفَظْ بالمَنْعِ، وَجَب تَسْلِيمُه إليه بحُكْمِ الأصْلِ.
1938 - مسألة: (والبُلُوغُ يَحْصُلُ بالاحْتِلامِ، أو بُلُوغِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، أو نَباتِ الشَّعَرِ الخَشِنِ حَوْلَ القُبُلِ، وتَزِيدُ الجارِيَةُ بالحَيضِ والحَمْلِ)
يَثْبُتُ البُلُوغُ في حَقِّ الجارِيَةِ والغُلامِ بأحَدِ الأشْياءِ الثَّلاثَةِ المَذْكُورَةِ، وهي، خُرُوجُ المَنِيِّ مِن القُبُلِ، وهو الماءُ الدّافِقُ الذي يُخْلَقُ منه الوَلدُ، كيفما خَرَج في يَقَظَةٍ أو مَنامٍ، بجِماعٍ أو احْتِلامٍ، أو غيرِ ذلك، يَحْصُلُ به البُلُوغُ. لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا؛ لقَوْلِ
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اللهِ تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} (1). وقَوْلِه: {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} (2). وقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ، عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» . رواه أبو داودَ (3). قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعُوا على أنَّ الفَرائِضَ والأحْكامَ تَجِبُ على المُحْتَلِمِ العاقِلِ، وعلى المرأةِ بظُهُورِ الحَيضِ منها. الثانِي، السِّنُّ، وهو بُلُوغُ خَمْسَ عَشرَةَ سَنَةً، [يَحْصُلُ به البُلُوغُ](4) في حَقِّ الغُلامِ والجارِيَةِ. وبهذا قال
(1) سورة النور 59.
(2)
سورة النور 58.
(3)
تقدم تخريجه في 3/ 15.
(4)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأوْزاعِيُّ، والشافعيُّ، أبو يُوسُفَ، ومحمدٌ. وقال داودُ: لا حَدَّ للبُلُوغِ مِن السِّنِّ؛ لقَوْلِه عليه السلام: «رُفِعَ الْقَلَمُ [عَنْ ثَلَاثٍ] (1)؛ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» . وإثْباتُ البُلُوغِ بِغيرِه يُخالِفُ الخَبَرَ. وهذا قَوْلُ مالِكٍ. وقال أصْحابُه: سَبْعَ عَشْرَةَ، أو ثَمانِيَ عَشْرَةَ. وعن أبي حَنِيفَةَ في الغُلامِ رِوايَتانِ؛ إحْداهما، سَبْعَ عَشْرَةَ. والثانِي، ثَمانِيَ عَشرَةَ، والجارِيَةُ سَبْعِ عَشْرَةَ بكُلِّ حالٍ؛ لأنَّ الحَدَّ لا يَثْبُتُ إلَّا بتَوْقِيفٍ أو اتِّفاقٍ، ولا تَوْقِيف فيما دُونَ هذا، ولا اتِّفاقَ. ولَنا، أنَّ ابنَ عُمَرَ قال: عُرِضْتُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأنا ابنُ أرْبَعَ عَشْرَةَ فلمِ يُجِزْنِي في القِتالِ، وعُرِضْتُ علية وأنا ابنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فأجازَني. مُتَّفقٌ عليه (2). وفي لفظٍ: عُرِضْتُ عليه يومَ أُحُدٍ وأنا ابنُ أرْبَعَ عَشْرَةَ فرَدَّنِي، ولم يَرَنِي بَلَغْتُ، وعُرِضْتُ عليه عامَ الخَنْدَقِ وأنا ابنُ خمْسَ عَشْرَةَ فأجازَنِي. فأُخْبِرَ بهذا عُمَرُ بنُ عبدِ العَزِيزِ، فكَتَبَ إلى عُمّالِه: أن لا تَفْرِضُوا إلَّا لمَن بَلَغ خَمْسَ عَشْرَةَ. رَواه الشافعيُّ
(1) سقط من: الأصل، ر، ق.
(2)
تقدم تخريجه في 10/ 9.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في «مُسْنَدِه» ، والتِّرْمِذِيُّ (1). وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. ولأنَّ السِّنَّ مَعْنًى يَحْصُلُ به البُلُوغُ، يَشْتَرِكُ فيه الجارِيَةُ والغُلامُ، فاسْتَوَيا فيه، كالإِنْزالِ. وما احْتَجَّ به مالِكٌ ودَاودُ لا يَمْنَعُ إثْباتَ البُلُوغِ بغيرِ الاحْتِلامِ إذا ثَبَت بالدَّلِيلِ، ولهذا كان إنْباتُ الشَّعَرِ عَلَمًا عليه. الثالثُ، نَباتُ الشَّعَرِ الخَشِنِ حَوْلَ ذَكَرِ الرجلِ، وفَرْجِ المَرْأةِ. فأمَّا الزَّغَبُ الضَّعِيفُ، فلا اعْتِبارَ به، فإنَّه يَثْبُتُ في حَقِّ الصَّغِيرِ. وبهذا قال مالِكٌ، والشافعيُّ في قولٍ، وقال في الآخَرِ: هو بُلُوغٌ في حَقِّ المُشْرِكِين، وهل هو بُلُوغٌ في حَقِّ المسلمين؟ فيه قَوْلَان. وقال أبو حَنِيفَةَ: لا اعْتِبارَ به؛ لأنَّه نَبات شَعَرٍ، أشْبَهَ سائِرَ شَعَرِ البَدَنِ. ولَنا، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمّا حَكَّمَ سعدَ بنَ مُعاذٍ في بني قُرَيظَةَ، حَكَم بأنْ تُقْتَلَ مُقاتِلَتُهم وتُسْبَى ذَرارِيُّهم، فأمَرَ بأن يُكْشَفَ عن مُؤْتزَرِهم، فمَن أنْبَتَ فهو مِن المُقاتِلَةِ، ومَن لم يُنْبِتْ ألْحَقُوهُ بالذُّرِّيَّةِ. قال عَطِيَّةُ القُرَظِيُّ: عُرِضْتُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ قُرَيظَةَ، فَشَكُّوا فِيَّ، فأمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يُنْظَرَ إلَيَّ، هل أنْبَتُّ بَعْدُ؟ فنَظَرُوا إلَيَّ، فلم يَجِدُونِي أنْبَتُّ بَعْدُ، فألْحَقُونِي. بالذُّرِّيَّةِ. مُتَّفَقٌ على
(1) في حاشيتي ر، ق:«عزوه إلى الشافعي والترمذي وهم» .
وقد تقدم تخريجه عند الترمذي والإمام الشافعي في 5/ 512.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَعْناهُ (1). وكَتَب عُمرُ، رضي الله عنه، إلى عامِلِه، أن لا تَأْخُذَ الجِزْيَةَ إلَّا مِمَّن جَرَتْ عليه المَواسِي (2). وروَاى محمدُ بنُ يَحْيَى بنِ حَبّانَ (3)، أنَّ غُلامًا مِن الأنْصارِ شَبَّبَ بامرأةٍ في شِعْرِه، فرُفِعَ إلى عُمَرَ، فلم يَجِدْه أنْبَتَ، فقال: لو أنْبَتَّ الشَّعَرَ (4) لحَدَدْتُك (5). ولأنَّه خارِجٌ يُلازِمُه البُلُوغُ غالِبًا، يَسْتَوى فيه الذَّكَرُ والأُنْثَى، فكان عَلَمًا على البُلُوغِ، كالاحْتِلام. ولأنَّ الخارِجَ ضَرْبانِ؛ مُنْفَصِلُ، ومُتَّصِلٌ، فلَمّا كان مِن المُنْفَصِلِ مَا يَثْبُتُ به البُلُوغُ، كذلك المُتَّصِلُ، وما كان بُلُوغًا في حَقِّ المُشْرِكِ كان بُلُوغًا في حَقِّ المُسْلِمِ، كالاحْتِلامِ والسِّنِّ.
فصل: والحَيضُ عَلَم على البُلُوغِ في حَقِّ الجارِيَةِ. لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا. وقد دَلَّ عليه قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَقْبَل اللهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بخِمَارٍ» . رَواه التِّرْمِذِيُّ (6). وقال: حديثٌ حسنٌ. وكذلك الحَمْلُ يَحْصُلُ به البُلُوغُ؛ لأنَّ اللهَ تعالى أجْرَى العادَةَ أنَّ الوَلَدَ إنَّما يُخْلَقُ مِن ماءِ الرجلِ
(1) تقدم تخريج حديث تحكيم سعد بن معاذ في 10/ 84. وحديث عطية القرظي في 10/ 68.
(2)
أخرجه البيهقي، في: باب الزيادة على الدينار بالصلح، من كتاب الجزية. السنن الكبرى 9/ 195.
(3)
أبو عبد الله محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري الفقيه، كان يفتي، ثقة كثير الحديث، توفي سنة إحدى وعشرين ومائة. تهذيب التهذيب 9/ 507، 508.
(4)
سقط من: م.
(5)
أخرجه عبد الرزاق، في: المصنف 10/ 177.
(6)
تقدم تخريجه في 3/ 20، 197.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وماءِ المرأةِ، قال اللهُ تعالى:{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَينِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} (1). وأخْبَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك في الأحَادِيثِ. فعلى هذا، يُحْكَمُ ببُلُوغِها في الوَقْتِ الذي حَمَلَتْ فيه.
فصل: إذا وُجِد خُرُوجُ المَنِيِّ مِن ذَكَرِ (2) الخُنْثَى المُشْكِلِ، فهو عَلَمٌ على بُلُوغِه وكونِه رجلًا، وإن خَرَج مِن فَرْجِه أو حاضَ، كان عَلَمًا على بُلُوغِه وكونِه امرأةً. وقال القاضي: ليس واحِدٌ منهما عَلَمًا على البُلُوغِ، فإنِ اجْتَمَعا فقد بَلَغ. وهو مَذْهَبُ الشافعيِّ، لجَوازِ أن يَكُونَ الفَرْجُ الذي خَرَج منه ذلك خِلْقَةً زائِدَةً. ولَنا، أنَّ خُرُوجَ البَوْلِ مِن أحَدِ الفَرْجَين دَلِيلٌ على ذُكُورِيَّتِه أو أُنْوثيَّته، فخُرُوجُ المَنِيِّ والحَيضِ أوْلَى، وإذا ثَبَت كَوْنُه رجلًا خرَج المَنِيُّ مِنِ ذَكَرِه، أو امرأةً خَرَج الحَيضُ مِن فَرْجِها، لَزِم وجُودُ البُلُوغِ، ولأنَّ خُرُوجَ مَنِيِّ الرجلِ مِن المرأةِ، أو الحَيضِ مِن الرجلِ، مُسْتَحِيلٌ، فكان دَلِيلًا على التَّعْيِينِ، وإذا ثَبَت التَّعْيينُ، لَزِم كَوْنُه دَلِيلًا على البُلُوغِ، كما لو (3) تَعَيَّنَ قبلَ خُرُوجِه، ولأنَّهم سَلَّمُوا أنَّ خُرُوجَهما معًا دَلِيلٌ [على البُلُوغِ](4)،
(1) سورة الطارق 5 - 7.
(2)
سقط من: م.
(3)
سقط من: الأصل، ر 1.
(4)
في م: «عليه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فخُرُوجُ أحَدِهما مُنْفَرِدًا أوْلَى، لأنَّ: خُرُوجَهما معًا يَقْتَضِي تَعارُضَهما وإسْقاطَ دَلالتِهِما، إذ لا يُتَصَوَّرُ أن يَجْتَمِعَ حَيضٌ صَحِيحٌ ومَنيُّ رجلٍ، فيَلْزَمُ أنْ يكونَ أحَدُهما فَضْلَةً خارِجَةً مِن غيرِ مَحَلِّها، وليس أحَدُهما بذلك أوْلَى مِن الآخَرِ، فتَبْطُلُ دَلالتُهما، كالبَيِّنتَين إذا تَعارَضَتَا، وكالبَوْلِ إذا خرَج مِن المَخْرَجَينِ جَمِيعًا، بخِلافٍ ما إذا وُجِد أحَدُهما مُنْفَرِدًا، فإنَّ اللهَ تعالى أجْرَى العادَةَ بأنَّ الحَيضَ يَخْرُجُ مِن فَرْجِ المرأةِ عندَ بُلُوغِها، ومَنِيَّ الرجلِ يَخْرُجُ مِن ذَكَرِه عند بُلُوغِه، فإذا وُجِد ذلك مِن غيرِ مُعارِضٍ، وَجَب أنْ يَثْبُتَ حُكْمُه،، يُقْضَى بثُبُوتِ دَلالتِه، كالحُكْمِ بكَوْنِه رَجلًا بخُرُوجِ البَوْلِ مِن ذَكَرِه، وبكَوْنِه أُنْثَى بخُروجِه مِن فَرْجِه (1)، والحُكْمِ للغُلامِ بالبُلُوغِ بخُرُوجِ المنِيِّ مِن ذَكَرِه، وللجارِيَةِ بخُرُوجِ الحَيضِ مِن فَرْجِها. فعلى هذا، إن خَرَجا جَمِيعًا، لم يَثْبُتْ كَوْنُه رجلًا ولا امرأةً. وهل يَثْبُتُ البُلُوغُ بذلك؟ فيه وَجْهان؛ أحَدُهما، يَثْبُت. وهو اخْتِيارُ القاضي، ومَذْهَبُ الشافعيِّ، لأنَّه إن كان. رجلًا، فقد خَرَجِ المَنِيُّ مِن ذَكَرِه، وإن كان أُنْثَى، فقد حاضَتْ. والثانِي، لا يَثْبُتُ؛ لأنَّ هذا يَجُوزُ أن لا يَكُونَ حَيضًا ولا مَنِيًّا، فلا يكونُ فيه دَلالةٌ، وقد دَلَّ على ذلك تَعارُضُهما، فانْتَفَتْ دَلالتُهما على البُلُوغِ، كانْتِفاءِ دَلالتِهما على الذُّكُورِيَّةِ والأنُوثِيَّةِ.
(1) في م: «فرجها» .