الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمنّي عصاة المؤمنين الرّجعة
وليس سؤال الله تعالى الرّجعة يختصّ بالكافر، وإنّما يتعدَّاه إلى المؤمن المقصّر المفرِّط في جنب الله، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)} [المنافقون].
حَبَّذَا الْمَكْرُوهَانِ الموت وقلة المال
قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ: المَوْتُ، وَالمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الفِتْنَةِ، وَيَكْرَهُ قِلَّةَ المَالِ، وَقِلَّةُ المَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ"(1).
موت الفجأة
موتُ الفجأة من آثار غضب الله تعالى في حَقِّ الكافر، قال تعالى:
…
{أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)} [الأنعام]، وقال تعالى:{فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95)} [الأعراف]، وعَنْ عُبَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رضي الله عنه، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" مَوْتُ الْفَجْأَةِ أَخْذَةُ أَسَف"، وَحَدَّثَ بِهِ مَرَّةً عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (2). وقوله:"أخذةُ أسف" أي أخذةُ سخط وغضب، وهو مستفاد من قوله
(1) أحمد "المسند"(ج 39/ص 36/رقم 23625) إسناده جيّد.
(2)
أحمد "المسند"(ج 29/ص 445/رقم 15496) إسناده صحيح، وصحّحه الألباني في "المشكاة"(ج 1/ص 505) من رواية أبى داود والبيهقي.
تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ
…
(55)} [الزّخرف].
أمّا المؤمن فموته راحة على كُلِّ حَالٍ وَوَجْه إذا مات على الإيمان، عَنْ
…
أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ:
…
"مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، مَا المُسْتَرِيحُ وَالمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ الله، وَالعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ العِبَادُ وَالبِلادُ، وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ"(1).
وهذا الحديث رواه الشَّيخان وغيرهما، والطَّريف أنَّ البيهقي رواه في كتاب الجنائز، وبوَّب عليه (باب في موت الفجاءة) ولعلَّه يستشهد به على أنَّ الموت رَاحَة للمؤمن بغتة كان أو غيره.
وروى ابن أبي شيبة عَنْ عَبْدِ الله بن مسعود رضي الله عنه، وَعَائِشَةَ رضي الله عنها، بإسناد صحيح، قَالَا:"مَوْتُ الْفُجَاءَةِ رَأْفَةٌ بِالمُؤْمِنِ، وَأَسَفٌ عَلَى الْفَاجِرِ"(2).
ومّما يستدلُّ به على عدم كراهة موت الفجأة ما رواه البخاريّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ تَصَدَّقْ عَنْهَا"(3)، فلم يظهر منه صلى الله عليه وسلم كراهة لمّا أخبره الرَّجل أنَّ أمَّه ماتت فجأة.
(1) البخاريّ "صحيح البخاري"(ج 8/ص 107/رقم 6512) كِتَابُ الرِّقَاقِ.
(2)
ابن أبي شيبة "مصنّف ابن أبي شيبة"(ج 3/ص 48/رقم 12007) وإسناده صحيح موقوفًا، كذا قال شعيب الأرنؤوط في تحقيقه "سنن أبي داود"(ج 5/ص 26).
(3)
البخاريّ "صحيح البخاري"(ج 4/ص 8/رقم 2760) كِتَابُ الوَصَايَا.
وَأَمَّا الْحَدِيث: "إِنَّ نَفْسَ المُؤْمِنِ تَخْرُجُ رَشْحًا، وَلَا أُحِبُّ مَوْتًا كَمَوْتِ الْحِمَارِ، قِيلَ: وَمَا مَوْتُ الْحِمَارِ؟ قَالَ: مَوْتُ الْفَجْأَةِ"(1) فَضَعِيف، بَيَّنَ الهيثمي وَغَيْرُهُ
ضَعْفَهُ. قلت: وفي اللّسان "يُقَالُ لموتِ الفَجْأَةِ: الموتُ الأَبْيَضُ والجارِفُ، والفاتِلُ"(2) ويُقَالُ له: "مَوْتُ الْعَافِيَةِ"(3) لا مَوْت الْحِمَارِ.
وأمّا حديث أنّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِجِدَارٍ أَوْ حَائِطٍ مَائِلٍ، فَأَسْرَعَ المشْيَ، فَقِيلَ لَهُ:
فَقَالَ: "إِنِّي أَكْرَهُ مَوْتَ الْفَوَاتِ"(4) أي الفجأة، فإسناده أضعف.
أمّا حديث: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ مِنْ مَوْتِ الفَجْأَةِ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يُمَرَّضَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ"(5) فموضوع.
(1) الطّبراني "المعجم الأوسط"(ج 6/ص 94/رقم 5902) وقال الهيثمي في "مجمع الزّوائد"(ج 2/ص 325/رقم 3927): رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ، وَفِيهِ حُسَامُ بْنُ مِصَكٍّ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وضعّفه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (ج 2/ص 410/رقم 1488) وقال: لا يصحّ، وضعّفه الألباني في "سنن التّرمذيّ"(ص 234/رقم 980).
(2)
ابن منظور "لسان العرب"(ج 10/ص 312).
(3)
إبراهيم بن ناصف " نجعة الرائد"(ج 1/ص 193).
(4)
أحمد "المسند"(ج 14/ص 302/رقم 8666) إسناده ضعيف جدًّا، وقال الهيثمي في "مجمع الزّوائد" (ج 2/ص 318/رقم 3886): رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
(5)
الطّبراني "المعجم الكبير"(ج 8/ص 132) فِيهِ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، كذا قال الهيثمي في "مجمع الزّوائد" (ج 2/ص 318/رقم 3882). وقال الألباني في "الضّعيفة" (ج 12/ص 76/رقم 5549): موضوع.
وما روي عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما: "أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم اسْتَعَاذَ مِنْ سَبْعِ مَوْتَاتٍ: مَوْتِ الفُجَاءَةِ
…
" (1) فضعيف.
هذا وظهور موت الفجأة يعدُّ من علامات اقتراب السَّاعة، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ـ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ:"مِنِ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ أَنْ يُرَى الْهِلَالُ قَبَلًا، فَيُقَالُ: لِلَيْلَتَيْنِ (2)، وَأَنْ تُتَّخَذَ المسَاجِدُ طُرُقًا، وَأَنْ يَظْهَرَ مَوْتُ الفُجَاءَةِ"(3)، والمراد بالظّهور وقوعه بكثرة، وإلَّا فموت الفجأة كان في عهده صلى الله عليه وسلم.
وقَدْ كره مَوْتَ الْفَجْأَةِ بعض أهل العلم، وقال آخرون هو مَحْبُوبٌ لِلْمُرَاقِبِينَ، وهو كذلك؛ فمن الصَّالِحِينَ مَنْ مَات فجأة، ومنهم عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
…
أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنهما، قال الحافظ:"وكان موته فجأة من نومة نامها بمكان على عشرة أميال من مكَّة، فحمل إلى مكَّة ودفن بها، ولما بلغ عائشة رضي الله عنها خبره خرجت حاجَّة فوقفت على قبره فبكت، ثم قالت: لَوْ حَضَرْتُكَ دَفَنْتُكَ حَيْثُ مُتَّ، ولما بكيتك"(4).
(1) أحمد "المسند"(ج 11/ص 168/رقم 6594) إسناده ضعيف، وقال الهيثمي في "المجمع" (ج 2/ص 318/رقم 3884): رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالْطَبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ، وَفِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ وَفِيهِ كَلَامٌ.
(2)
أي مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ انْتِفَاخُ الْأَهِلَّةِ ، حتّى يَرَى الرَّجُلُ الْهِلَال ابْن لَيْلَةٍ يَحْسِبُهُ لِلَيْلَتَيْنِ.
(3)
الطّبراني "المعجم الأوسط"(ج 9/ص 149/رقم 9376). ضعّفه الهيثمي في "مجمع الزّوائد"(ج 7/ص 325/رقم 12441)، وحسَّنه الألباني بشواهده في "الصّحيحة"(ج 5/ص 367/رقم 229) و"صحيح الجامع"(ج 2/ص 1026/رقم 5899).
(4)
ابن حجر "الإصابة"(م 2/ص 169/رقم 5143).