الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أول من تنشق عنه الأرض
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ، فَلا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ، أَمْ حُوسِبَ بِصَعْقَةِ الأُولَى"(1).
صفة البعث (كيفية بعث من في القبور)
مِنْ عَجْب الذَّنَبِ يُرَكَّب الخلق يوم القيامة وتنبت أجسادهم، فإذا أراد الله تعالى إِخْرَاج الورى وبعث مَنْ في القبور أمطر عَلَيْهِم مَطَرًا فَيَنْبُتُونَ كَمَا ينْبت الزَّرْع من المَاء، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ثُمَّ يُنْزِلُ الله مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ البَقْلُ، لَيْسَ مِنَ الإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى، إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الخَلْقُ يَوْمَ القِيَامَةِ"(2).
وذلك بعد نفخة الصَّعق بأربعين، قال تعالى:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)} [الزّمر].
فالله تعالى إذا أراد أن يبعث من في القبور، بعد أن بليت الأجساد ولم يبق منها إلّا عجب الذَّنب، أرسل عليها مطرًا من السَّماء كأنّه الطَّلُّ (أخفّ المطر) لا يمنع منه شيء، فإذا نزل المطر نبتت أجسادهم مثلما ينبت الحبُّ، قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)} [الرّوم].
(1) البخاري "صحيح البخاري"(ج 3/ص 121/رقم 2412) كِتَاب الخُصُومَاتِ.
(2)
البخاري "صحيح البخاري"(ج 6/ص 165/رقم 4935) كِتَابُ تَفْسِيرِ القُرْآنِ.
عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: " ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى، فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ، وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤولُونَ، قَالَ: ثُمَّ يُقَالُ: أَخْرِجُوا بَعْثَ النَّارِ، فَيُقَالُ: مِنْ كَمْ؟ فَيُقَالُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، قَالَ فَذَاكَ يَوْمَ يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا، وَذَلِكَ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ"(1).
وعن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: " يُبْعَثُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاءُ تَطِشُّ عَلَيْهِمْ"(2)، أي تمطر مطرًا خفيفًا.
وهناك مماثلة بين إعادة الأجسام بإنباتها من التّراب بعد إنزال المطر، وبين إنبات النَّبات بعد نزول المطر؛ ولذلك تجد في القرآن الكريم كثيرًا ما يضرب الله تعالى المثل للبعث والنُّشور بإحياء الأرض بعد موتها لوضوح دلالته، قال تعالى:
…
{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)} [الأعراف]، وقال تعالى:{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)} [فاطر]، وقال تعالى: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ
(1) مسلم "صحيح مسلم"(ج 4/ص 2258) كتاب الْفِتَنِ.
(2)
أحمد "المسند"(ج 21/ص 321/رقم 13814) صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن.
كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)} [الحجّ]، فجعل الله تعالى الماء للأرض بمقام الرّوح للجسد.
فإذا ما نبتت الأجساد وأعاد الله تعالى الأرواح إليها وحشر النَّاس، وبدأ الجزاء ـ إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشرّ ـ فلا موت بعد ذلك أبدًا، قال تعالى:
…
{وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)} [إبراهيم]. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يُقَالُ لِأَهْلِ الجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ لا مَوْتَ، وَلِأَهْلِ النَّارِ: يَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ لا مَوْتَ "(1).
نعم، في هذا اليوم تَشَقَّقُ الْأَرْضُ، فيخرج النَّاس من قبورهم سراعًا إلى المحشر، قال تعالى:{يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44)} [ق]، ولا يتخلَّف أحد، قال تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ
…
(4)} [ق]، وقال تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44)} [فاطر].
ويخرج النّاس يخوض بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ كَغَوْغَاءِ الجَرَادِ، قال تعالى:
…
{
…
يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7)} [القمر]، وهذا كقوله تعالى:
…
{كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4)} [القارعة].
ويخرج الكفّار من قبورهم سراعًا، كَأَنَّهُمْ نصب لَهُمْ شَيْء، فَهُمْ يسرعون
(1) البخاري "صحيح البخاري"(ج 8/ص 113/رقم 6545) كِتَابُ الرِّقَاقِ.