الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُقْضَى عليه بسوء الخاتمة، فهذا من الغيب.
وشهداء الآخرة كما في حديث مُخَارِقٍ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ حَتَّى تَكُونَ مِنْ شُهَدَاءِ الْآخِرَةِ، أَوْ تَمْنَعَ مَالَكَ"(1) هؤلاء يُغسَّلون ويُصلّى عليهم، ولهم أجر الشّهداء في الآخرة.
هل هناك فضل لمن مات يوم الجمعة أو في رمضان
؟
عَدَّ بعضُ أَهْلِ العِلْم: الموت ليلة الجمعة أو نهارها من علاماتِ حُسْنِ الخاتمة، لما روى التّرمذيّ في آخر كتاب الجنائز بسند منقطع عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ إِلَّا وَقَاهُ الله فِتْنَةَ القَبْرِ"(2)، وأعلَّه التِّرْمِذِيّ بِانْقِطَاع مَا بَين ربيعَة بن سيف، وعبد الله بن عَمْرو.
قلت: وفي سنده هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، ورَبِيعَة بْن سَيْفٍ، وكلاهما ضعيف، لكن الحديث له شواهد، ولذلك حسّنه الألبانيّ بمجموع طرقه، وتعقّبه الأرنؤوط في
(1) النّسائيّ "سنن النّسائيّ"(ص 630/رقم 4081) حسن صحيح.
(2)
التّرمذيّ "سنن التّرمذيّ"(ص 254/رقم 1074) وقال أبو عيسى: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ، وَلَا نَعْرِفُ لِرَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ سَمَاعًا مِنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو. وقال الحافظ في "الفتح" (ج 3/ص 253): فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ نَحْوَهُ (ج 7/ص 146/رقم 4113) وَإِسْنَادُهُ أَضْعَفُ. وقال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (ج 4/ص 160): الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لِانْقِطَاعِهِ لَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ، وقال الألبانيّ في "الأحكام" (ص 35): الحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح، وتعقّبه شعيب الأرنؤوط في حاشية "المسند"(ج 11/ص 150/رقم 6582)، فقال: الشَّواهد لا تصلح لتقوية الحديث، وقد أخطأ الألبانيّ في "الجنائز" فحسَّنه أو صحَّحه بها.
تحقيق المسند بأنّ الشَّواهد لا تصلح لتقوية الحديث.
وله طريق أخرى أخرجها أحمد، من رواية بَقِيَّة عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرو رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ"(1). وبقيَّة مختلف في الاحتجاج به، وهو ابن الوليد الحمصي يُدلِّس عن الضّعفاء ويسوّي.
وقد عقد البخاري في صحيحه (بَاب مَوْتِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ)، وأورد فيه حديث أبي بكر رضي الله عنه لعائشة رضي الله عنها، قَالَ لَهَا:"فِي أَيِّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، قَالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالَتْ: يَوْمُ الِاثْنَيْنِ، قَالَ: أَرْجُو فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ"(2). وفهم الحافظ ابن حجر من ذلك أنّ فَضْلَ المَوْتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ البخاريّ، فقد كان أبو بكر يرجو ويرغب أن يموت في يوم الاثنين، ليوافق يوم موته صلى الله عليه وسلم، قال:"وَكَأَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي وَرَدَ فِي فَضْلِ المَوْتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَاقْتَصَرَ عَلَى مَا وَافَقَ شَرْطَهُ وَأَشَارَ إِلَى تَرْجِيحِهِ عَلَى غَيْرِهِ"(3).
أمّا هل مِنْ فضل لمن مات في رمضان؟ فقد تقدّم أنّ من مات وهو صائم ـ في رمضان وفي غير رمضان ـ دخل الجنّة، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"وَمَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ الله خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ"(4). وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "وَمَنْ خُتِمَ لَهُ بِصَوْمِ يَوْمٍ
(1) أحمد "المسند"(ج 11/ص 226/رقم 6646) إسناده ضعيف.
(2)
البخاري "صحيح البخاري"(ج 2/ص 102/رقم 1387) كِتَابُ الجَنَائِزِ.
(3)
الحافظ "فتح الباري"(ج 3/ص 253).
(4)
أحمد "المسند"(ج 38/ص 350/رقم 23324) وسبق الحديث عن إسناده.
مُحْتَسِبًا عَلَى الله عز وجل دَخَلَ الْجَنَّةَ" (1).
هذا ويظنّ بعض النّاس أنَّ الموت في مكَّة والدَّفن فيها يختلف عن أيّ بلد آخر، وأنَّ فيه زيادة حسنات أو رفع درجات، قلت: والمعوّل عليه بعد رحمة الله تعالى العمل الصَّالح الخالص، وليس المكان الَّذي يدفن فيه الإنسان.
ولو كان للدّفن في مكّة فضيلة لما قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة: "هَاجَرْتُ إِلَى الله وَإِلَيْكُمْ، فَالمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ"(2)، فقد اختار صلى الله عليه وسلم المدينة حيًّا وميّتًا. ولو كان في الموت بمكّة مزيد فضل لأمر النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يموتوا فيها، لكنّه لم يوص بذلك ولم يشرع نقل الميّت، وأنت ترى قبور الصَّحابة في الأردنّ والشّام والعراق واليمن وغيرها، هُنَا، وهُنَاكَ، وهُنَالِكَ.
فإن قيل فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ، فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ يَمُوتُ بِهَا"(3)، فالمراد الاستقرار في المدينة إلى الموت، والتّوطّن فيها وعدم الخروج منها حتّى يأتي الموت، فيفوز العبد حينها بشفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم قضاءً لحقِّ الجوار، وليست الشّفاعة والفضيلة لمن مات خارج المدينة ونقل إليها كما تأوّل بعضهم.
لكن يظهر أنّ الموت في المدينة أفضل لمن كان مقيمًا فيها من الموت في
(1) المخَلِّص "المُخَلِّصيَّاتُ"(ج 3/ص 105/رقم 2094) وأورده الألبانيّ في "الصّحيحة"(ج 4/ص 200/رقم 1645).
(2)
مسلم "صحيح مسلم"(ج 3/ص 1407) كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ.
(3)
أحمد "المسند"(ج 10/ص 80/رقم 5818) حديث صحيح.