الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا" (1).
أو على رجل مات قاتلًا لأنفس حرَّم الله تعالى قتلها، قال الله تعالى فيه:
…
{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} [النّساء] وهكذا، فمن كان له أخ مفرّط فليذكّره ربَّه.
الأمر بالتلبينة (2) للمريض، وللمحزون على الهالك
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ المَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا، فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلَّا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتِ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"التَّلْبِينَةُ مَجَمَّةٌ (3) لِفُؤَادِ المَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الحُزْنِ"(4).
ما يذهب حرّ المصيبة ويطفئ جمرها
ممّا يعين على الصَّبر ويحمل على احتمال المصيبة ويبرد حرَّها: معرفة ثواب الصَّابرين، قال تعالى:{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة]. وقد دلَّت الأحاديثُ الشَّريفة على أنَّ الإنسان إذا احْتَسَبَ صَفِيَّهُ
(1) مسلم "صحيح مسلم"(ج 3/ص 1680) كتاب اللِّبَاسِ وَالزِّينَةِ.
(2)
حساء مِنْ دَقِيقٍ أَو نُخَالَةٍ وَيُجْعَلُ فِيهَا عَسَلٌ.
(3)
أَي تَكْشِفُ عَنْهُ هَمَّه.
(4)
البخاري "صحيح البخاريّ"(ج 7/ص 75/رقم 5417) كِتَابُ الأَطْعِمَةِ.
إذا قبض، وصَبَرَ رَاضِيًا بِقَضَاءِ الله تعالى رَاجِيًا فَضْلَهُ فَلَيس له جزاء إِلَّا الْجَنَّة.
ويذهب حرّها: أن تعلم أن المؤمن يبتلى في الأموال والأنفس ويمتحن صبره على قدر دينه، وأنَّ شدَّة البلاء من شدَّة الدِّين.
ويذهب حرّها: أن تَتَسَلَّى عمَّن قضى بمن نجا، فتحمد الله تعالى على مَا أَخَذَ وعلى مَا أَبْقَى، وتحمده أن لم يَجْعَل مصيبتك أعظم مِمَّا هِيَ، ورزقك الصَّبر عليها، ووفقك للاسترجاع، وأنّك معزَّى لا معزّى بك.
ويذهب حرّها: أن تعلم أنَّ الله تعالى سيخلف لك خيرًا منها، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللهُ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)} [البقرة]، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا"(1). وقد وعد الله تعالى بجميل العوض وحسن الخلف عمَّا فات، فقال تعالى:{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42)} [النّحل].
ويذهب حرّها: العلم بتكفير المصيبة لِلسَّيِّئَاتِ، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ، وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ الله بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ"(2)، فالهمّ الَّذِي يعتري الإنسان، والحزن الَّذِي يصيبه بسبب فقد أصفيائه يترتَّب عليه تكفير الخطايا.
(1) مسلم "صحيح مسلم"(ج 2/ص 631) كِتَابُ الْجَنَائِزِ.
(2)
البخاريّ "صحيح البخاريّ"(ج 7/ص 114/رقم 5641) كِتَابُ المَرْضَى.
ويذهب حرّها أن تعلم بأنَّ كلّ مُقَدّر كَائِن، وأنَّ الرِّضا بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ حُلْوِهِ وَمُرِّهِ من أركان الإيمان، قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِالله، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ"(1)، وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ
…
(11)} [التّغابن]، وقال تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا
…
(51)} [التّوبة]، ولم يقل: علينا؛ تنبيهًا أَنَّ كلَّ ما يصيبنا لَنَا لا علينا.
ويذهب حرّها: أن تعلم أنَّ الله تعالى يحبُّ أن ترضى بقضائه، قال أَبُو الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه:"إِنَّ الله إِذَا قَضَى قَضَاءً أَحَبَّ أَنْ يُرْضَى بِهِ"(2)، وقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رحمه الله:"مَا لِيَ فِي الْأُمُورِ هَوىً سِوَى مَوَاقِعَ قَضَى الله عز وجل فِيهَا"(3). ولذلك كان من دعاء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بِالْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ المَوْتِ"(4).
ويذهب حرّها: معرفة حقّ الله تعالى في تلك المصيبة، وهو الحمد والاسترجاع والاحتساب، قال تعالى:{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)} [البقرة].
ويذهب حرّها: أن تعلم بأنَّ الخير قد يكون فيما تكره، فكم مِن نعمة في
(1) مسلم "صحيح مسلم"(ج 1/ص 36) كِتَابُ الْإِيمَان.
(2)
ابن قيّم الجوزيّة "زاد المعاد"(ج 4/ص 178).
(3)
ابن أبي الدّنيا " الرّضا عن الله بقضائه"(ص 49).
(4)
النّسائي "سنن النّسائي"(ص 213/رقم 1306) صحيح.
طيّ المكاره كامنة، قال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
…
(216)} [البقرة]، وقَال تعالى:{فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)} [النّساء].
ويذهب حرّها: أنّك ترى في كلّ يوم مَنْ يوسّد في التّراب، فالعمر قصير وإلى الله تعالى المصير، قال جل جلاله:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)} [آل عمران]، فلا بدَّ أن يترك العبد الدُّنيا ويرجع إلى الله تعالى، قال تعالى:{اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11)} [الرّوم].
ويذهب حرّها: أن تعلم بأنَّ الله تعالى سيجمع عليك شملك يوم القيامة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ
…
(21)} [الطّور]، وأنّ الله تعالى سيجمع بينك وبين من هم خير لك مِنْ ذُرِّيَّتِك، قال تعالى:
…
فلا تحزن وقِيْت الهمّ والغمّ؛ فإنّه راجع إلينا وصال بعد طول التَّقاطع، فلا تظنّ أنَّه لا سبيل إلى وصال، فبعد التَّنائي بيننا سيجمع الله تعالى في الجنَّة شملنا.
ويذهب حرّها: أن تعلم أنَّ الخسارة الكبيرة خسارة النَّفس والأهل يوم القيامة، حيث لا اجتماع للخاسرين أبدًا، ولهم عذاب مقيم، قال تعالى:{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)} [الزّمر]، وقال تعالى:
…
{
…
وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ