الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الرابع عشر
ذكر بعض أحوال الموتى وما يلقونه في قبورهم
تمثيل غروب الشمس للميت
يجلس المؤمن في قبره عِنْدَ السُّؤَالِ يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ، فيتصوَّر أنَّ الشَّمس قد دنت للغروب، فيطلب أداء الصَّلاة قبل خروج وقتها؛ لحضورها في ذهنه، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِذَا دَخَلَ المَيِّتُ الْقَبْرَ، مُثِّلَتِ الشَّمْسُ عِنْدَ غُرُوبِهَا، فَيَجْلِسُ يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ، وَيَقُولُ: دَعُونِي أُصَلِّي"(1).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"فَيُقَالُ لَهُ: اجْلِسْ فَيَجْلِسُ، وَقَدْ مُثِّلَتْ لَهُ الشَّمْسُ وَقَدْ أُدْنِيَتْ لِلْغُرُوبِ"(2).
التعبّد في القبر وسؤال الميّت الصّلاة
فَهِمَ بعضهم من قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ"(3) أنَّ الموتى لا يُصَلُّونَ إطلاقًا، وليس بصحيح، ولعلَّ المراد بقوله صلى الله عليه وسلم أنَّ المقبرة ليست موضعًا للصَّلاة.
فهناك صلاة في حياة البرزخ ليست على وجه التَّكليف، صلاة غيبيَّة لا نعرف كيفيتها ولا ماهيّتها، ولكن نسلك سبيل الورع فنثبت ما أثبته النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، ونؤمِن به، سواء أدركته عقولنا أم لا، فقد ثبت أنَّ الأنبياءَ? يُصَلُّونَ، وثبت
(1) ابن ماجة "سنن ابن ماجة"(ج 5/ص 337/رقم 4272) إسناده حسن.
(2)
ابن حبّان "صحيح ابن حبّان"(ج 7/ص 380/رقم 3113) إسناده حسن.
(3)
مسلم "صحيح مسلم"(ج 1/ص 539) كِتَابُ صَلَاةِ المُسَافِرِينَ.
أنَّهم صلُّوا مقتدين به صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الإسراء، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"الْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ"(1).
وفي لَيْلَةِ الإسراء رأى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مُوسَى عليه السلام وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَتَيْتُ - وَفِي رِوَايَةِ هَدَّابٍ: مَرَرْتُ - عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ"(2).
وهذا لَيْسَ خَاصًّا بِمُوسَى عليه السلام وحده، أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الله بْنِ الفَضْلِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه رَفَعَهُ:"لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ" الْحَدِيث، وفيه: "وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي، فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ، جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَإِذَا عِيسَى
…
ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام قَائِمٌ يُصَلِّي، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام قَائِمٌ يُصَلِّي، أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ - يَعْنِي نَفْسَهُ - فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ قَائِلٌ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَبَدَأَنِي بِالسَّلَامِ" (3).
(1) أبو يعلى "مسند أبي يعلى"(ج 6/ص 147/رقم 3425)، وقال الهيثمي في "مجمع الزّوائد" (ج 8/ص 211/رقم 13812): رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ، وَرِجَالُ أَبِي يَعْلَى ثِقَاتٌ. وقال الألبانيّ في "الأحكام" (ص 213): أخرجه أبو يعلى بإسناد جيّد، وهو مخرّج في "الصّحيحة"(ج 2/ص 187/رقم 621).
(2)
مسلم "صحيح مسلم"(ج 4/ص 1845) كِتَابُ الْفَضَائِلِ.
(3)
مسلم "صحيح مسلم"(ج 1/ص 156) كِتَابُ الْإِيمَان.