الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما ينتفع به الميت من سعي غيره
المَيِّتُ لَا يَلْحَقُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ثَوَابٌ من عمل غيره إلّا ما جاء مخصِّصًا لعموم قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)} [النّجم]، وقوله تعالى:
…
{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزّلزلة]، وقوله تعالى:{لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)} [طه]، وما لم يُخَصَّص يبقى حكم العموم مهيمنًا عليه شاملًا له.
وقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)} [النّجم] ليس فيه نفي لانتفاع الميِّت بسعي غيره، وإنَّما فيه نفي ملكه لِغَيْرِ سَعْيِهِ، فمن شاء مِن الأحياء أن يبذل سعيه لميِّت في حدود ما ورد الشَّرع به، فإنَّه يصل إليه إن شاء الله تعالى.
ومثل ذلك قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ
…
" (1) فلم يقل صلى الله عليه وسلم: انقطع انتفاعه، وإنّما أخبر عن انقطاع عمله، أمَّا عمل غيره، فهو لعامله إنْ شَاءَ بذله.
فَلَيْسَ كُلُّ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ المَيِّتُ ويُرْحَمُ بِهِ يشترط أن يكون من سعيه، فقد قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الميّت يَنْتَفِعُ مِنْ غَيْرِ سَعْيِهِ، وممّا ينتفع به دُعَاءُ المُؤْمِنِينَ له بالمغفرة والرّحمة، إذا توفرت شروط قَبُول الدُّعاء، دلّ على ذلك قوله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)} [الحشر]. وَدُعَاء المسلمين للميِّت في الصَّلاة على الجنازة يشهد لذلك، وَكَذَا دعاء
(1) مسلم "صحيح مسلم"(ج 3/ص 1255) كِتَابُ الْوَصِيَّةِ.
الحيّ للميّت بعد الدّفن، أخرج أبو داود من حديث عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ المَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ:"اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ، فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ"(1)، وَكَذَا الدّعاء للميِّت عند زيارة القبور، أخرج مسلم من حديث عائشة قوله صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ"(2). ولذلك فإنّ مَشْرُوعِيَّة دُعَاءِ الْأَحْيَاءِ لِلْأَمْوَاتِ دليل على أنَّ الميِّت ينتفع بدعاء الحيّ.
والدُّعاء للمؤمنين والاستغفار لهم من مقتضيات الأخوَّة الإيمانيّة الصَّادقة، قال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
…
(19)} [محمّد]، ولذلك تجد من دعاء إبراهيم عليه السلام:{رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)} [إبراهيم]، ومن دعاء نوح عليه السلام: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
…
(28)} [نوح].
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ كَتَبَ الله لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَةً"(3).
ومن الأمور الّتي ينتفع بها الميِّت من عمل غيره قضاء الدَّين، فقضاء الدَّين
(1) أبو داود "سنن أبي داود"(م 5/ص 127/رقم 3221) إسناده حسن.
(2)
مسلم "صحيح مسلم"(ج 2/ص 669) كِتَابُ الْجَنَائِزِ.
(3)
الطّبراني "مسند الشّاميين"(ج 3/ص 234/رقم 2155)، قال الهيثمي في "مجمع الزّوائد"(ج 10/ص 210/رقم 17598) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وحسَّنه الألباني في "صحيح الجامع الصّغير"(ج 2/ص 1042 /رقم 6026).