الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المصطنع إليه ولم يصب أهله فإنَّه لا يضيع عند الله تعالى، قال تعالى: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ
…
(115)} [آل عمران].
إيثار الدنيا، والغفلة عن الآخرة
حُبُّ الدُّنيا وإيثارها والغفلة عن الموت أمات قلوب كثير من النَّاس، وقد عَابَ الله تَعَالَى قَوْمًا بإيثار الْحَيَاةِ والغفلة عن الآخرة؛ حتّى لا نكون أمثالهم، فقال:{إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7)} [يونس]، وقال تعالى:{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)} [الكهف]، وقال تعالى:{فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29)} [النّجم]، وقال تعالى:{يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)} [الروم]، فأحال الله تعالى كلَّ ذلك على الغفلة. وبَعْدَ غفلة يا ويح نفسي مِنْ غفلة، إذا فاز مَنْ فاز وكنت الخاسر!
تعجيل التوبة
لتأخير التّوبة آفات وشرور، فلو أَدْرَكَ العبدَ المَوْتُ وهو في غفلة، لتمنَّى لو أنَّ بينه وبين الموت بُعْدًا بَعِيدًا وأَمَدًا مَدِيدًا؛ ليدرك ما فوَّته، ويكَفِّرَ عَنْهُ كلَّ ذنب أَزْلَفَه وأَسْلَفَه.
فَحَرِيّ بمن ركب ذنبًا أو قَارَفَ مَعْصِيَةً بجهالة أن يبادر إلى المغفرة بالتَّوبة الْخَلْصاءِ قبل الفوت والنَّدم، فالله تعالى يتفضّل على عبده التّائب بقبول توبته ومغفرة ذنبه؛ فقد أوجب الله تعالى مغفرته للتَّائبين، فقال تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ
تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)} [طه]. وعلى العبد أن يحمد الله تعالى أن أمدَّ في عمره أمدًا يتوب فيه وينيب إليه، قال تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
…
(17)} [النّساء]، وكُلُّ تَوْبَةٍ قَبْلَ معاينة المَوْتِ فَهُوَ مِنْ قَرِيبٍ.
أمَّا التَّوْبَة عِنْدَ المعَايَنَةِ والغرغرة فلَا تَنْفَعُ، قال تعالى:{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)} [النّساء]، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَةَ عَبْدِهِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ"(1).
فإيّاك والأمانيّ فقد غرَّت أقوامًا وأَرْدَت آخرين، فكم من النَّاس ابتلوا بتسويف أنفسهم، وفارقوا الدُّنيا ولم يحدثوا توبة:{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)} [سبأ].
وكم من رَجُل افْتُلِتَتْ نَفْسُه، وقد قَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الذُّنُوبِ والآثام، وحيل بينه وبين التّوبة، قال تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)} [الأنفال].
…
فَخَلِّ سَبِيلَ الْعَيْنِ بعدك للبكا
…
فليس لأيَّام الصَّفاء رجوعُ
وقد رأينا كيف يختطف الموتُ مِنْ بين أيدينا مَنْ في القلوب مقامهم،
(1) أحمد "المسند"(ج 5/ص 558/رقم 6408) وإسناده حسن.