الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رَبِّ، نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا" (1).
والحياة، والرِّزق، ودخول الأرواح الجنَّة لا ينفرد به الشَّهيد وحده دُونَ النَّاسِ، فقد دلَّت الأحاديث على أنَّ المؤمن تدخل روحه الجنَّة، قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:
…
"إِنَّمَا نَسَمَةُ المُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهَا اللهُ تبارك وتعالى إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ"(2).
وهذا الحديث فيه بشارة لكلِّ مؤمن بأنَّ روحه تُنَعَّمُ فِي الْجَنَّةِ إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى.
إثبات عذاب القبر من الكتاب والسّنّة
عَذَابُ القَبْرِ حَقٌّ والإيمان به واجب، ولذلك بوَّب أبو عبد الله (البخاريّ) في صحيحه (بَاب مَا جَاءَ فِي عَذَابِ القَبْرِ) وذكر قوله تعالى:{سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)} [التّوبة]، وقوله تعالى:{وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} [غافر]؛ لِيُنَبِّهَ عَلَى ثُبُوتِ ذكر عَذَابِ القَبْرِ فِي الْقُرْآنِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ ذِكْرُهُ إِلَّا مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ.
(1) مسلم "صحيح مسلم"(ج 3/ص 1502) كِتَابُ الْإِمَارَةِ.
(2)
أحمد "المسند"(ج 25/ص 65/رقم 15787) إسناده صحيح على شرط الشّيخين.
فقوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} العرض على النَّار يَكُونُ فِي الْبَرْزَخِ؛ لأنّه لا غدوة ولا عشيّ في الآخرة، ولهذا قال تعالى بعد ذلك:
…
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} فدلّ على أنَّ النَّار الَّتي يعرضون عليها تكون قبل قيام السَّاعة.
وقد تواترت الأحاديث عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في عذاب القبر والتَّعوذ منه،
…
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا
…
(124)} [طه]، قال:"عذاب القبر"(1).
وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"أَتَدْرُونَ فِيمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)} [طه] أَتَدْرُونَ مَا المَعِيشَةُ الضَّنْكَةُ؟ قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: عَذَابُ الْكَافِرِ فِي قَبْرِهِ"(2).
وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: " {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ
…
(27)} [إبراهيم]، قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ
…
" (3) الحديث.
وحديث عَائِشَة رضي الله عنها أنّها سألت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، فَقَالَ: "نَعَمْ، عَذَابُ الْقَبْرِ حَقٌّ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي صَلَاةً بَعْدُ إِلَّا
(1) ابن حبّان "صحيح ابن حبّان"(ج 7/ص 388/رقم 3119) إسناده حسن.
(2)
ابن حبّان "صحيح ابن حبّان"(ج 7/ص 392/رقم 3122) إسناده حسن.
(3)
مسلم "صحيح مسلم"(ج 4/ص 2201) كتاب الْجَنَّةِ.
تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ" (1).
وعنها رضي الله عنها أنَّها قالت: يا رَسُولَ الله إِنَّ عَجُوزَيْنِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ المَدِينَةِ دَخَلَتَا عَلَيَّ، فَزَعَمَتَا أَنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ، فَقَالَ:"صَدَقَتَا، إِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ الْبَهَائِمُ"(2). قَالَتْ: فَمَا رَأَيْتُهُ، بَعْدُ فِي صَلَاةٍ إِلَّا يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.
فَيُسْتَحَبُّ الدُّعاء والتَّعَوُّذ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وتلك سنَّة غائبة عند الكثير، قَالَ أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدْعُو وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ"(3). وعَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالَتِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَعَوَّذُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ"(4).
ويكفي في إثبات نعيم القبر وعذابه، قوله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ الله يَوْمَ القِيَامَةِ"(5).
(1) أحمد "المسند"(ج 42/ص 258/رقم 25419) إسناده صحيح على شرط الشّيخين.
(2)
مسلم "صحيح مسلم"(ج 1/ص 411) كِتَابُ المَسَاجِدِ.
(3)
البخاري "صحيح البخاري"(ج 2/ص 99/رقم 1377) كِتَابُ الجَنَائِزِ.
(4)
البخاري "صحيح البخاري"(ج 8/ص 80/رقم 6376) كِتَابُ الدَّعَوَاتِ.
(5)
البخاريّ "صحيح البخاري"(ج 2/ص 99/رقم 1379) كِتَابُ الجَنَائِزِ.