الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والديه بَعْدَ مَمَاتِهِما، كَانَ ابْن عُمَر رضي الله عنهما إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، كَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيْهِ، إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بِهَا رَأْسَهُ، فَبَيْنَا هُوَ يَوْمًا عَلَى ذَلِكَ الْحِمَارِ، إِذْ مَرَّ بِهِ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: أَلَسْتَ ابْنَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، قَالَ: بَلَى، فَأَعْطَاهُ الْحِمَارَ، وَقَالَ: ارْكَبْ هَذَا وَالْعِمَامَةَ، قَالَ: اشْدُدْ بِهَا رَأْسَكَ، فَقَالَ لَهُ: بَعْضُ أَصْحَابِهِ غَفَرَ اللهُ لَكَ أَعْطَيْتَ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ حِمَارًا كُنْتَ تَرَوَّحُ عَلَيْهِ، وَعِمَامَةً كُنْتَ تَشُدُّ بِهَا رَأْسَكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ"(1) وَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ.
ما يفقده الإنسان بفقد والديه
؟ !
اعلم أنّ الإنسان يفقد بفقد والديه دعاء مستجابًا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ، لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ المَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ المُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ"(2).
ويفقد بابًا من أبواب الجنَّة، عن أبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:"الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَاحْفَظْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوْ دَعْهُ"(3). فمراعاة جانب الوالد وحفظ حقوقه سبب من أسباب دخول الجنَّة، فإذا مات الوالد يغلق هذا الباب دونك. وإذا كان المُرَادُ بِالْوَالِدِ الْجِنْس، فكيف بالوالدة، فهي بالاعتبار أولى، وبالمكانة أعلى، لكثرة الحثِّ على برِّها.
(1) مسلم "صحيح مسلم"(ج 4/ص 1979) كتاب الْبِرِّ.
(2)
ابن ماجة "سنن ابن ماجة"(ج 5/ص 30/رقم 3862) حسن لغيره.
(3)
أحمد "المسند"(ج 45/ص 535/رقم 27552) إسناده حسن.
ويفقد الأجر بفقد صحبتهما والإحسان إليهما، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو رضي الله عنهما، قَالَ:"أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنَ الله، قَالَ: فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلَاهُمَا، قَالَ: فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنَ الله؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا"(1).
ويفقد رِضى والديه الَّذي فيه رضى الله تعالى، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ"(2).
ويفقد عملًا من أحبِّ الأعمال إلى الله تعالى: عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: "سَأَلْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا، قَالَ: قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ
…
" (3).
واعلم أنَّ رتبة عقوق الوالدين من الكبائر في الدَّرجة الثَّانية، أي بعد الإشراك بالله، فاحذر، عَنْ أَبِي بَكْرَة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ: الإِشْرَاكُ بالله، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ
…
" (4).
هذا ومِنَ النَّاس مَنْ إذا مات والداه بكى بحُرْقَةٍ لا تبرد وَعَبْرَة تتجدَّد، لا لموتهما، ولكن لأنَّه كان جَبَّارًا شَقِيًّا، كان عَاقًّا لهما، ومقصّرًا في حقِّهما.
(1) مسلم "صحيح مسلم"(ج 4/ص 1975) كتاب الْبِرِّ.
(2)
الحاكم "المستدرك"(ج 4/ص 168/رقم 7249) وقال حَدِيثُ صَحِيحُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
(3)
مسلم "صحيح مسلم"(ج 1/ص 89).
(4)
البخاري "صحيح البخاري"(ج 8/ص 4/رقم 5976) كِتَابُ الأَدَبِ.