الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الخامس عشر
ما ينتفع به الميت
ما ينتفع به الميت من عمله وسعيه
عمل الميِّت ينقطع بموته وينقطع تجدد الثَّواب له، ولا يلحقه من الثَّواب بعد وفاته من عمله وكسبه إلَّا ما ثَبَتَ، ومن ذلك ثلاثة نصَّ عليها الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"(1).
والصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ محمولة عَلَى الْوَقْف في وجوه الخير إن أوقف شيئًا في حياته، أمّا العلم الَّذي يُنْتَفَعُ بِهِ، فهو ما خَلَّفَهُ مِنْ تَعْلِيمٍ أَوْ تأليف وتَصْنِيفٍ، قال تعالى:
…
{وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ
…
(12)} [يس]، وَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:
…
"مَنْ عَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ الله عز وجل كَانَ لَهُ ثَوَابُهَا مَا تُلِيَتْ"(2)، وقال صلى الله عليه وسلم:"خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ"(3).
أمّا الولد فهو من كسب أبيه؛ ولذلك ينتفع به، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ"(4). وَقُيِّد الولد بالصَّالح؛ لأنَّ الله تعالى يتقبَّل من المتَّقين الصَّالحين، والدّعاء ليس
(1) مسلم "صحيح مسلم"(ج 3/ص 1255) كِتَابُ الْوَصِيَّةِ.
(2)
أخرجه أبو سهل القطان في "حديثه عن شيوخه" وهذا إسناد جيّد عزيز، رجاله ثقات، كذا قال الألباني في "الصّحيحة"(ج 3/ص 323/رقم 1335).
(3)
البخاريّ "صحيح البخاري"(ج 6/ص 192/رقم 5027) كِتَابُ فَضَائِلِ القُرْآنِ.
(4)
ابن ماجة "سنن ابن ماجة"(ج 3/ص 269/رقم 2137) إسناده صحيح.
مقيّدًا، فالثَّواب يقع للوالد من دعاء ولده ومن غيره من أعماله الصَّالحة، وكذلك الأمّ، وإنّما ذكر الدّعاء تحريضًا للولد على الدُّعاء لوالديه؛ لأنَّ الدُّعاء لهما بالرَّحمة والمغفرة أعظم أَنْوَاعِ الْبِرِّ بهما، ولذلك تجد في القرآن الكريم الأمر به:{وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} [الإسراء]، {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)} [إبراهيم].
هذا ولا يلحق الوالد من سَيِّئِ عمل ولده لقوله تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى
…
(164)} [الأنعام].
فهذه الثّلاثة يجري أجرها بعد الموت، ويلحق ثوابها الميّت، ويبقى الثّواب ما بقيت، ولعلّ أدومها وأطولها مكثًا العلم الَّذي ينتفع به.
ولمّا كان الولد من سعي أبيه وأمِّه، فإنَّ له أنْ يتصدَّق ويصوم ويحجّ ويقضي الدَّين عن والديه، ويلحق ثواب ذلك والديه، فهو داخل في عموم قوله تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)} [النّجم]، والولد من سعي والديه.
ومن الأدلَّة على أنَّ الصَّدقة والصَّوم تلحق الوالدين من الولد الصَّالح بعد موتهما إذا كانا موحّدين، قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:"أَمَّا أَبُوكَ، فَلَوْ كَانَ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ، فَصُمْتَ، وَتَصَدَّقْتَ عَنْهُ، نَفَعَهُ ذَلِكَ"(1).
وعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رضي الله عنه تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أَيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ
(1) أحمد "المسند"(ج 11/ص 307/رقم 6704) إسناده حسن.
تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِيَ المِخْرَافَ (1) صَدَقَةٌ عَلَيْهَا" (2). وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: "أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ" (3).
وحجّ الولد عن والديه ينفعهما، كذلك الصّوم عنهما، لحديث عَبْدِ الله بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، قَالَ:"بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، قَالَ: فَقَالَ: وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: صُومِي عَنْهَا، قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: حُجِّي عَنْهَا"(4).
ولذلك مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ وَاجِبٌ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ قَضَاء أو نَذْر، فإنَّه يُسْتَحَبُّ لِوَلِيِّهِ قَضَاء الصِّيَامِ عَنْهُ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ"(5).
وكذلك قضاء الدَّين، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: "جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى
(1) الحائط: الْبُسْتَان، والمِخْرَاف: اسْم حَائِط سعد الَّذِي تصدَّق بِهِ عَن أمّه بِالمَدِينَةِ.
(2)
الطّبراني "مسند الشّاميين"(ج 3/ص 234/رقم 2155) وقال الهيثمي في "مجمع الزّوائد"(ج 10/ص 210/رقم 17598): رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وحسّنه الألباني في "صحيح الجامع"(ج 2/ص 1042/رقم 6026).
(3)
البخاريّ "صحيح البخاري"(ج 2/ص 102/رقم 1388) كِتَابُ الجَنَائِزِ.
(4)
مسلم "صحيح مسلم"(ج 2/ص 805) كِتَاب الصِّيَامِ.
(5)
البخاريّ "صحيح البخاري"(ج 3/ص 35/رقم 1952) كِتَابُ الصَّوْمِ.
رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ، أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكِ عَنْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ" (1).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ فَقَالَ: لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ، أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ الله أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى" (2). والحديث فيه دليل على أنَّ دين الله تعالى مقدَّم في القضاء على دين ابن آدم إذا ضاق ماله.
وزِيدَ عَلَى الثَّلَاثَةِ الّتي تلحق بالميِّت من عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ ويجري أجرها عليه ويتجدَّد ثوابها، ما جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عند ابن ماجة، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ المُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا نَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، تلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ"(3).
ولا تنافي هذه الخصال السّبع الحصر في الحديث السّابق "إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ"
(1) مسلم "صحيح مسلم"(ج 2/ص 804) كِتَاب الصِّيَامِ.
(2)
البخاريّ "صحيح البخاري"(ج 3/ص 35/رقم 1953) كِتَابُ الصَّوْمِ.
(3)
ابن ماجة "سنن ابن ماجة"(ج 1/ص 163/رقم 242) إسناده ضعيف لضعف مرزوق بن أبي الهذيل، كذا قال شعيب الأرنؤوط، قلت: ولعلّه لخلاف فيه من مرزوق حسّن إسناده
…
ابن الملقّن في "البدر المنير"(ج 7/ص 102)، والألبانيّ في "الأحكام"(ص 176)، و"المشكاة"(ج 1/ص 84/رقم 254)، و"الإرواء"(ج 6/ص 29)، و "صحيح التّرغيب والتّرهيب"(ج 1/ص 143/رقم 77)، و "صحيح الجامع الصّغير"(ج 1/ص 443/رقم 2231).
لأنّها ترجع إليه؛ فالصَّدَقَة الْجَارِيَة تَشْمَل وَقْف المُصْحَف وَالمَسْجِد والبيت وَالنّهر.
وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَتِ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَلَا يَرْزَؤُهُ (1) أَحَدٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ"(2).
ومن كرم الله تعالى أنَّ الثَّواب يقع لصاحب الغرس في حياته وبعد مماته حتّى فيما عجز عن جمعه أو حمايته وفيما لم ينو التَّصدُّق به، دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى
…
أُمِّ مَعْبَدٍ رضي الله عنها حَائِطًا، فَقَالَ:"يَا أُمَّ مَعْبَدٍ، مَنْ غَرَسَ هَذَا النَّخْلَ؟ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ؟ فَقَالَتْ: بَلْ مُسْلِمٌ، قَالَ: فَلَا يَغْرِسُ المُسْلِمُ غَرْسًا، فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ، وَلَا دَابَّةٌ، وَلَا طَيْرٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"(3).
ويجري أجر العبد وينمو ثوابه إلى يوم القيامة إذا مات مرابطًا فِي سَبِيلِ الله؛ لقول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الَّذِي مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ الله، فَإِنَّهُ يَنْمُو عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَيَأْمَنُ فِتْنَةَ القَبْرِ"(4).
كذلك إذا سَنَّ في حياته سُنَّةً حَسَنَةً صَالِحَةً يُعْمَلُ بِهَا بَعْدَهُ وَيُتَّبَع عَلَيْهَا، فإنَّه يصله ثوابها، ولَهُ مِثْلُ أُجُورِ من تبعه، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الله رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمِ الصُّوفُ فَرَأَى سُوءَ حَالِهِمْ قَدْ أَصَابَتْهُمْ
(1) يصيب مِنْهُ خَيْرًا وينقصه.
(2)
مسلم "صحيح مسلم"(ج 3/ص 1188) كِتَابُ المُسَاقَاةِ.
(3)
المرجع السّابق.
(4)
أحمد "المسند"(ج 39/ص 374/رقم 23951) إسناده صحيح.
حَاجَةٌ، فَحَثَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَأَبْطَؤوا عَنْهُ حَتَّى رُئِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ جَاءَ بِصُرَّةٍ مِنْ وَرِقٍ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ، ثُمَّ تَتَابَعُوا حَتَّى عُرِفَ السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ
…
" (1).
والسُّنَّة المذكورة المراد بها سُنَّة السَّبق إلى الصَّدقة الَّتي حثَّ عليها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فالرَّجل الأنصاريّ أَوَّل مَنْ سَنَّ هذه السُّنَّة الصَّالحة، وهي المبادرة إلى الصَّدقة والاستجابة إلى الرَّسول صلى الله عليه وسلم، ثمَّ تتابع النَّاس واقتدوا به، فكان له مثل أجورهم.
فمن ابتدأ فعل طاعة واقتدى به غيره وتابعه عليها فقد سَنَّ سُنَّة حسنة، ولذلك فإنَّ خديجة رضي الله عنها لمّا سَبْقَت نِسَاءَ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَى الْإِيمَانِ سَنَّتْ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ آمَنَتْ بَعْدَهَا، فتكون قد سَنَّتْ سنّة حسنة لَهَا بها مِثْلُ أَجْرِهِنَّ، وَقَدْ شَارَكَهَا فِي ذَلِكَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرِّجَالِ. وَجَمْعُ أبي بكر رضي الله عنه للقرآن الكريم الّذي كان مكتوبًا سنّة حسنة تعدُّ في مناقبه
…
ومَنْ دَعَا إِلَى هُدىً فله مِثْلُ أجر مَنْ تَبِعَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا"(2).
وما ورد في الأحاديث هو مضمون ومدلول قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ
…
(12)} [يس].
(1) مسلم "صحيح مسلم"(ج 4/ص 2059) كتاب الْعِلْمِ.
(2)
المرجع السّابق.