الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم السادس
ما على الحاضرين بعد تحقّق موت المحتضر
فإذا قضى المحتضر فعلى من حضره من أهله وأهل الخير عدّة أمور، منها: أن يغمضوا عينيه ويدعوا له بخير، وأن يسجّوه بثوب يستره كلّه، إلّا أن يكون مُحْرِمًا، فلا يغطّى رأسه ولا وجهه، وأن يسرعوا بتجهيزه والخروج به، وأن يدفن في الْبَلَدِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وأن يقضوا دينه، وهذا تَفْصِيلُ مَا أُجْمِلَ فيه.
أوّلًا: إغماض الميت والدُّعاء له بالمغفرة وإفساح قبره وتنويره:
إذا شخص البصر، وقضى الإنسان وحضر، فإنَّه يستحبُّ تغميضه عملًا بالسُّنَّة، وصيانة له عَنِ الْأَعْيُنِ من تغيّر صورته. ويستحب بعد ذلك الدُّعاء له ووصيَّة أهله بالصَّبر والدَّعاء له بالخير، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ:"دَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فَأَغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ، فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَقَالَ: لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ المَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي المَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ"(1).
ثانيًا: تسجية الميّت:
ويستحبّ تَسْجِيَةُ (تغطية) المَيِّتِ بعد موته، وذلك بأن يُمدَّ عَلَيْهِ ثَوْبٌ يغطِّي جَمِيع بَدَنِهِ، قبل الاشتغال بتجهيزه، لستره عَنِ الْأَعْيُنِ، وَفِي الْحَدِيثِ: "دَخَلَ
(1) مسلم "صحيح مسلم"(ج 2/ص 634) كِتَابُ الْجَنَائِزِ.
أبو بكر رضي الله عنه عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَتَيَمَّمَ (قَصَدَ) رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُغَشًّى بِثَوْبِ حِبَرَةٍ (1)" (2)، وقَالَتْ عائشة رضي الله عنها: "سُجِّيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ مَاتَ بِثَوْبِ حِبَرَةٍ" (3).
ويستثنى من ذلك المُحْرِم، فمن مات مُحْرِمًا لا يُغطّى رأسه ووجهه، وَلَا يُمَسّ طِيبًا، ويكفّن فِي ثَوْبَيْهِ اللَّذَيْنِ أَحْرَمَ فِيهِمَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَجُلًا كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَوَقَصَتْهُ (4) نَاقَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:
…
"اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا"(5).
ثالثًا: المبادرة إلى تجهيز الميت والخروج به:
ويستحبّ الإسراع في تجهيز الميت إذا تحقّق موته، قال تعالى:{ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21)} [عبس]، فعطف الفعل (أقبر) على الفعل (أمات) بِالْفَاءِ المفيدة للتَّرتيب والتَّعقيب مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ في الزَّمن، لأنَّه لا ينبغي أن يكون بين موته وإقباره تَرَاخٍ إلّا لضرورة. وقوله تعالى:{فَأَقْبَرَهُ}
…
أي أمر أَنْ يُجْعَلَ في قبر يواريه، ولم يقل (فقبره) لأنَّ القابر هو الدّافن، والمقْبِر هو الله تعالى.
(1) كساء يمانيّ مُنَمَّر مخطّط.
(2)
البخاري "صحيح البخاري"(ج 6/ص 13/رقم 4452) كتاب مَنَاقِبِ الأَنْصَارِ.
(3)
مسلم "صحيح مسلم"(ج 2/ص 651) كِتَابُ الْجَنَائِزِ.
(4)
وقع عن راحلته فكسر عنقه.
(5)
البخاري "صحيح البخاري"(ج 3/ص 17/رقم 1851) كتاب جَزَاءِ الصَّيْدِ.