الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قصاص المظالم يوم القيامة على قنطرة بين الجنة والنّار
مَظَالِمُ الْعِبَادِ لا يغفرها الله تعالى يوم القيامة، فلا بدَّ من القصاص، فالمظلوم يلقى ظالمه، ويأخذ منه حَقَّه وافِرًا، قال تعالى:{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)} [الزّمر]. فالمؤمنون إِذَا خَلَصَوا مِنَ النَّارِ، وجَازُوا الصِّرَاط، فإنّه يحبس منهم ويوقف مَنْ كان عليه مظالم للمؤمنين على قنطرة بَين الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ ويأخذ كلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّه، يعطي الظّالم من حسناته، أو يحمل عن المظلوم من أوزاره وسيّئاته.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا، أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا"(1). وَالمُرَادُ بِالمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ لا كلّهم، فهناك طَوَائِف مِنَ المؤمنين يدخلون الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ.
حكم إحالة دين الميّت والصّلاة عليه
لا شَكَّ أنَّ إحالة دَيْن المَيِّتِ عَلَى رَجُلٍ تجوز، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: "تُوُفِّيَ رَجُلٌ فَغَسَّلْنَاهُ، وَحَنَّطْنَاهُ، وَكَفَّنَّاهُ، ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقُلْنَا: تُصَلِّي عَلَيْهِ؟ فَخَطَا خُطىً، ثُمَّ قَالَ: أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قُلْنَا: دِينَارَانِ، فَانْصَرَفَ، فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ، فَأَتَيْنَاهُ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: الدِّينَارَانِ عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: حَقُّ الْغَرِيمُ، وَبَرِئَ مِنْهُمَا المَيِّتُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ: مَا فَعَلَ
(1) البخاري "صحيح البخاري"(ج 3/ص 128/رقم 2440) كِتَابُ المَظَالِم.
الدِّينَارَانِ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا مَاتَ أَمْسِ، قَالَ: فَعَادَ إِلَيْهِ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: لَقَدْ قَضَيْتُهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ" (1).
هذا وقد صَلَّى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَنْ مات وعَلَيْهِ دَيْنٌ وقضى عنه دينه بَعْدَ أَنْ كَانَ يَمْتَنِعُ مِن الصَّلَاةِ عليه، وذلك بعد أن فَتَحَ الله تعالى عَلَيْهِ الْبِلَادَ وَكَثُرَت الْأَمْوَالُ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:"أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ المُتَوَفَّى، عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَيَسْأَلُ: هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلًا؟ فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ لِدَيْنِهِ وَفَاءً صَلَّى، وَإِلَّا قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَلَمَّا فَتَحَ الله عَلَيْهِ الفُتُوحَ، قَالَ: أَنَا أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا، فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ"(2).
فمَنْ كان عليه دين مِنَ الصَّحابة ويُرِيدُ أَدَاءَهُ، فَمَاتَ وَلَمْ يُؤَدِّهِ قضى عنه دينه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؛ حرصًا منه صلى الله عليه وسلم على إبراء ذمّته وحسن عاقبته، قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (6)} [الأحزاب]، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا، فَلْيَأْتنِي فَأَنَا مَوْلاهُ"(3). وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَمَلَ مِنْ أُمَّتِي دَيْنًا، ثُمَّ جَهَدَ فِي قَضَائِهِ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهُ، فَأَنَا وَلِيُّهُ"(4).
(1) أحمد "المسند"(ج 22/ص 406/رقم 14536) إسناده حسن.
(2)
البخاريّ "صحيح البخاري"(ج 3/ص 97/رقم 2298) كتاب الكفالة.
(3)
البخاريّ "صحيح البخاري"(ج 3/ص 118/رقم 2399) كِتَاب فِي الِاسْتِقْرَاضِ.
(4)
أحمد "المسند"(ج 42/ص 118/رقم 25211) حديث صحيح.