الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، لمَّا طُعِنَ عَوَّلَتْ عَلَيْهِ حَفْصَةُ رضي الله عنها، فَقَالَ: يَا حَفْصَةُ أَمَا سَمِعْتِ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "المُعَوَّلُ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ". وَعَوَّلَ عَلَيْهِ صُهَيْبٌ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا صُهَيْبُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ المُعَوَّلَ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ؟ (1).
والخلاصة أَنَّ المُعَوَّلَ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ، إذا رضي بذلك وأوصى به في حياته، بذكر أوصافه وتعداد محاسنه الباعثة على تَهْيِيجِ الْحُزْنِ وَتَجْدِيدِ
البكاء والأسف عليه، كما فعل طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ حيث قال:
فإنْ مِتُّ فَانْعِيْني بِمَا أنا أهْلُهُ
…
وَشُقِّي عَليَّ الجَيْبَ يا ابْنَةَ مَعْبدِ (2)
حكم النّياحة
وحُكْمُ النَّدب والنِّيَاحَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ التَّحْرِيمُ جملة لا تفصيلًا، فهناك تَفْصِيلاتٌ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْحُكْمِ، فمن رغب في البسط والتَّفصيل رجع إلى كتب الفقه المقارن. والقول بالتَّحريم معزَّز بالأدلَّة، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها، قَالَتْ:"أَخَذَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ البَيْعَةِ أَنْ لا نَنُوحَ"(3)، وعن أَسِيدِ بْنِ أَبِي أَسِيدٍ، عَنِ امْرَأَةٍ، مِنَ المُبَايِعَاتِ، قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي المَعْرُوفِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ لَا نَعْصِيَهُ فِيهِ: "أَنْ لَا نَخْمُشَ وَجْهًا، وَلَا نَدْعُوَ وَيْلًا، وَلَا نَشُقَّ جَيْبًا، وَأَنْ لَا نَنْشُرَ شَعَرًا"(4).
(1) مسلم "صحيح مسلم"(ج 2/ص 640) كِتَابُ الْجَنَائِزِ.
(2)
الشّنقيطي "شرح المعلّقات العشر"(ص 79)، وابنة معبد: ابنة أخيه.
(3)
البخاريّ "صحيح البخاريّ"(ج 2/ص 84/رقم 1306) كِتَابُ الجَنَائِزِ.
(4)
أبو داود "سنن أبي داود"(ج 5/ص 52/رقم 3131) إسناده حسن.
ووَجِعَ أَبُو مُوسَى الأشعريّ رضي الله عنه وَجَعًا فَغُشِيَ عَلَيْهِ، وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِ امْرَأَته أمّ عبد الله، فَصَاحَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا شَيْئًا، فَلَمَّا أَفَاقَ، قَالَ:"أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا بَرِئَ مِنْهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ (1)، وَالْحَالِقَةِ (2)، وَالشَّاقَّةِ (3) "(4).
وقال صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ"(5)، وقال صلى الله عليه وسلم:"أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ"(6)، وقال صلى الله عليه وسلم:"النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا، تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ"(7)، وقال صلى الله عليه وسلم:"لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ"(8)، وقال صلى الله عليه وسلم:"اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى المَيِّتِ"(9)، فأطلق اسم الكفر على الطَّعْن فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَة.
(1) الصَّالقة: المولولة بالصَّوت الشَّديد عِنْد المُصِيبَة.
(2)
الْحَالِقَة: الَّتِي تَحْلِقُ شَعْرَهَا عِنْدَ المُصِيبَةِ.
(3)
الشَّاقَّة: الَّتِي تَشُقُّ ثَوْبَهَا عِنْدَ المُصِيبَةِ.
(4)
مسلم "صحيح مسلم"(ج 1/ص 100) كِتَابُ الْإِيمَان.
(5)
البخاريّ "صحيح البخاريّ"(ج 2/ص 82/رقم 1297) كِتَابُ الجَنَائِزِ.
(6)
مسلم "صحيح مسلم"(ج 2/ص 644) كِتَابُ الْجَنَائِزِ.
(7)
المرجع السّابق.
(8)
البخاريّ "صحيح البخاريّ"(ج 2/ص 81/رقم 1294) كِتَابُ الجَنَائِزِ.
(9)
مسلم "صحيح مسلم"(ج 1/ص 82) كِتَابُ الْإِيمَان.
فالنّياحة تحرم على أهل الميّت، وهي نوعان: نياحة بالأقوال، ونياحة بالأعمال. فالنّياحة تكون قولًا وفعلًا، فمن القول: الصِّيَاح الَّذي لا يمكن دفعه، والعويل والولولة، والدُّعاء بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ، والنَّدب بتعداد محاسن الميّت وفضائله بما يعظِّم المصاب.
ومن الفعل: اللَّطْم، وخمش الوجه وضربه، وشقّ الجيب، وحلق الشَّعر أو نتفه أو نفشه، وحثو التُّراب على الرَّأس وتعفيره، ونحو ذلك؛ لأنَّ هذا من النّياحة وَفيه تسَخُّط على قضاء الله تعالى وقدره.
وذكر البُخَارِيُّ فِي صَحِيحه تَعْلِيقًا فِي بَاب الْجَنَائِز، فَقَالَ:(بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النِّيَاحَةِ عَلَى المَيِّتِ) وقال عُمَرُ فِي نساءٍ اجْتَمَعْنَ يَبْكِينَ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رضي الله عنه: "دَعْهُنَّ يَبْكِينَ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ أَوْ لَقْلَقَةٌ"(1)، أي بشرط ألّا يصاحبه وضع التّراب على الرّأس، أو رفع الصَّوت.
وَالمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ، لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَتَوَعَّدَ عَلَيْهِ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ يَوْمَ أُحُدٍ فَسَمِعَ نِسَاءً مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَبْكِينَ عَلَى هَلْكَاهُنَّ، فَقَالَ:"لَكِنْ حَمْزَةُ لَا بَوَاكِيَ لَهُ، فَجِئْنَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ يَبْكِينَ عَلَى حَمْزَةَ عِنْدَهُ، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَهُنَّ يَبْكِينَ، فَقَالَ: يَا وَيْحَهُنَّ، أَنْتُنَّ هَاهُنَا تَبْكِينَ حَتَّى الْآنَ، مُرُوهُنَّ فَلْيَرْجِعْنَ وَلَا يَبْكِينَ عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ الْيَوْمِ"(2).
وظَاهِرُهُ النَّهي عن الْبُكَاءِ مُطْلَقًا بَعْدَ المَوْتِ، والمراد الْبُكَاء المُفْضِي إلَى
(1) البخاريّ "صحيح البخاريّ"(ج 2/ص 80) كِتَابُ الجَنَائِزِ.
(2)
أحمد "المسند"(ج 9/ص 477/رقم 5666) وإسناده حسن.