الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللَّهُمَّ أجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَجَرَهُ اللهُ فِي مُصِيبَتِهِ، وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا. قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبو سَلَمَةَ، قُلْتُ: كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَأَخْلَفَ اللهُ لِي خَيْرًا مِنْهُ، رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم " (1). وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ أَنْجَعُ علاج للمصاب، وَأَنْفَعُ فِي عَاجِلَتِهِ وَآجِلَتِهِ، وأعلى درجة له عند الله تعالى وأرفع.
وقد يسأل سائل: هل استرجع النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لموت أحد؟ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم جَاءَ يَعُودُ عَبْدَ الله بْنَ ثَابِتٍ، فَوَجَدَهُ قَدْ غُلِبَ عَلَيْهِ فَصَاحَ بِهِ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَاسْتَرْجَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "(2).
ما يَجِبُ عَلَى أهل الميّت مِنَ التّقوى ولُزُومِ الصّبر والرِّضَا بِالْقَضَاءِ
وعليهم أن يلزموا التّقوى والصَّبر وضبط النّفس، وترك التَّسَخُّط، لا سيّما عند فَجْأَة المُصِيبَة، فهذا هو الصّبر الكامل المحمود، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ:"مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: اتَّقِي الله وَاصْبِرِي. قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي، وَلَمْ تَعْرِفْهُ، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقَالَ: إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى"(3).
(1) مسلم "صحيح مسلم "(ج 2/ص 632) كتاب الجنائز.
(2)
ابن حبّان "صحيح ابن حبّان"(ج 7/ص 476/رقم 3189) صحيح، وصحّحه
…
ابن الملقّن في "البدر المنير"(ج 5/ص 359)، والنّوويّ في "خلاصة الأحكام"
…
(ج 2/ ص 1055/رقم 3769).
(3)
البخاريّ "صحيح البخاري"(ج 2/ص 79/رقم 1283) كِتَابُ الجَنَائِزِ.
فالصَّبر إذا لم يصادف محلّه لا ينفع، ومن هنا نفهم التَّسوية في صيغة الأمر في قول الله تعالى حكاية لما يُقال لأهل النار:{اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)} [الطّور]، فلا ينفع صبر في غير محلّه.
ولذلك فإنَّ كلَّ ذي مَرْزِئَةٍ إنّما يُحْمَد صبره عند حرِّ المصيبة عند الصَّدمة الأولى، ويعلو صبره وقدره إذا كان رَاضِيًا بِقَضَاءِ الله رَاجِيًا ثوابَه، ويزاد فيه إذا لم يَشْكُ بثَّه وحزنه إلّا لخالقه جل جلاله، {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ (86)} [يوسف]، فإن فعل ذلك كان إن شاء الله تعالى من الصَّابرين. ومن لم يصبر عند لقاء الكرائه ونوازل الدَّهر سلا سُلُوَّ البهائم، وصبر صبر السَّوَائِمِ.
فإذا أخذ الله تعالى، فلا يكون لأحد أن يعترض، فالله تعالى أخذ ما له. وإنّما أخذ ما أعطى ليبتليك بالأخذ كما ابتلاك بالعطاء، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"لله مَا أَخَذَ ولله مَا أَعْطَى، كُلٌّ بِأَجَلٍ، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ"(1).
ولا ريب أنَّ مصيبة الموت جرعة ألم لا يعرفها إلّا من تجرَّع مرارتها، واصطلى بحرّها!
(1) البخاريّ "صحيح البخاري"(ج 8/ص 123/رقم 6602) كِتَابُ القَدَرِ.