الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} [الفاتحة]، افْتَتَحَ بالحمد كتابه، وجعله آخر دعوى سَاكِنِي دار مَقَامه وثوابه {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)} [يونس].
الْحَمْدُ لله الّذي قَصَّ علينا في كتابه المُبِين، مِنْ سِيَرِ المُرْسَلِينَ، وأنباء الغابرين، وأخبار الماضين، ما فيه عظة وعبرة وذكرى على مرِّ الدَّهر المديد، والأمد البعيد {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)} [ق].
الحمد لله الَّذي جعل الموت على عباده حتمًا مقضيًّا، فسوَّى فيه بين مَنْ كان رسولاً أو نبيًّا، أو رفيعًا أو دنيًّا، أو ضعيفًا أو قويًّا، فقال عز وجل:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57)}
…
[العنكبوت].
والصَّلاة والسَّلام على رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ما ذرَّ شارِقٌ ولاح بارق، خاطبه ربُّه في حياته، وقال له:{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34)} [الأنبياء].
ألا فَلْيَتَّقِ اللهَ أُنَاسٌ نَعَاهم الله تعالى بعد نبيِّه صلى الله عليه وسلم، فقال:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)} [الزّمر]، وإنَّ إنسانًا قرأ هذه الآية لَمَحْقُوقٌ أنْ يستشعر أنَّ نفسه نُعِيَتْ إلى الرَّحيل!
يعيش الواحد منَّا مع صفيّ أو حليف، وينسى أنَّ لهذه الدَّار بأهليها صروفًا، فلكلِّ اجتماع من حميمين فرقة وغربة، والموت لا يبقي عزيزًا لعزيز؛ فكلّ
أخٍ مفارقٌ أخاه، فإذا قَضَى يومًا نَحْبَهُ أَغْمَضَهُ وَسَجَّاه، ثمّ صلَّى عليه وأمكن الأرض منه وحدره في جوانب حفرة وفي التُّرب واراه، وبوَّأه جَدَثَهُ بيديه ورجع وخلَّاه، فيبكي قَليِلاً لَحْدًا ثواه، وينكر قلبًا خافقًا ودَّع ساكنًا ثُمَّ يَنْساهُ.
ويْحَكِ يا نَفْسُ، فما النَّاس إلَّا مُسْتَقْدِم ومُسْتَأْخِر، وسالف وتابع، وسابق ولاحق، وجاء وذاهب، وسار وسارب، فلا المعزِّي ولا المعزَّى بباق ولا خالد.
مَنْ مِنَ الْأَنَامِ راح بالخلود، ونجا من ضمة القبر وَاللُّحُودِ؟! فما مِنْ باكٍ اليوم إلّا غدًا سَيُبْكى، وما مِنْ ناعٍ إلّا سَيُنْعَى، وما مِنْ مشيِّع إلّا سَيُشَيَّع، وكلّ مُغَسِّل سيُغَسَّل، وكلّ حامل ودافن سيُحْمَل ويدفن، وكُلُّ اثْنَينِ إِلَى افْتِراقِ، وكلّ واحد حسابه ملاق، فلا جَرَمَ أنَّ سَبِيلنا إِلَى الْآخِرَةِ، {وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ
…
(43)} [غافر].
فماذا بعد الشَّباب إِلَّا الهرم، والصّحة إِلَّا السّقم، والسَّلامة إِلَّا المَنُون، ولو أُخِّرَ الحَيْنُ إلى حِين؟!
لا شكّ أنَّ المنايا بالأحبّة تفجع، وفِطَام النَّفس عَنْ إلفها أعسر محملًا من الجبال الشَّوَامِخ إذا رُمْتَ نقلها، ومصيبة الموت فاجعة من فواجع الدَّهر، تحطم العظم وتُعْظِم الحطم، لكن الغنيمة أن تردَّها بصبر وحسْنِ عزاء، وترضى بالقضاء، فالأجر على قدر الصَّبر والنَّصب؛ فإذا جَلَّت مصيبتُك فَتَجَمَّلْ، لعلَّ الخير عقباك، والأمور إذا تضايقت تلاها اتِّساع، والنَّكَبَاتُ إذا توالت تولَّت، وما أنت في مصيبة الموت بأوحد، ولا بِأَلَمِ الْفِرَاقِ بفريد.
وخير مَا يسلي عن فقد الأصفياء المصيبة بسيِّد الأنبياء صلى الله عليه وسلم! فَمَنْ كانت
مصيبةُ الموت عنده عظيمة، فَلْيَذْكُرْ مُصِيبَتَهُ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فهي أعظم، وَلْيَتَعَزَّ بذَلِكَ عَنْ مُصِيبَتِهِ؛ فلم يُصَبْ أَحَدٌ بمثله صلى الله عليه وسلم، وهل بعد فقد الحبيب صلى الله عليه وسلم فقيد؟!
وَهَلْ عَدَلَتْ يَوْمًا رَزِيَّةُ هَالِكٍ
…
رَزِيَّةَ يَوْمٍ مَاتَ فِيهِ مُحَمَّدُ
فَمَنْ غَالَبَ الحزن وترك دواعي الشَّجَن، وصبر وتجلَّد، وذَكَّرَه مصابُه بمصابِه بالنَّبيِّ محمَّد صلى الله عليه وسلم، فقد مَلَأَ يديه مِنَ الخير، ومَنْ سخط ونقم، وهلك أسىً وحسرة، وهو يعلم أنَّه غير مخلَّد، فقد خاب وخسر، وصار بين ذمّ ووزر، وأمر الله تعالى ماضٍ.
وقد أخبر الله تعالى أنَّ هذه الدَّار دار بلاء، وأمر بالصَّبر، وجعل لِلصَّابِرِينَ
الْبُشْرَى وحسن العُقْبَى، قال تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة].
وأخبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنّ أَشَدَّ النَّاسِ بَلاءً الأَنْبِيَاء، ثُمَّ الأَمْثَل فَالأَمْثَل، عن سَعْدٍ، قَالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: فَقَالَ: "الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ"(1).
والبلاء لم يكتب علينا وحدنا، وإنّما أصاب مَنْ قبلنا، قال تعالى تَطْيِيبًا
(1) أحمد "المسند"(ج 3/ص 159/رقم 1607) إسناده صحيح على شرط مسلم.
لقلوبنا: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ
…
(214)} [البقرة].
فهَوِّنْ عَلَيْكَ ولا تولع بأحزان ولا تظلّ رهينًا؛ فأَيُّ كريمٍ أَخْطَأَتْه الحَبائلُ، أو سالمته القواصم، وما نزلت به القَوارِعُ؟! وأي حزين على ميِّته بقي بعده ولم يلحق به؟! فالأَمْر إِذا تَمَّ دنَا نَقْصُه، فَالْكُلُّ مفارق، سابق ولاحق، أَفَإِنْ عاد أحد إلى بطن الأرض، فَأَنْتَ باق على ظهرها؟!
فَهَلَّا رضينا بقضاء قد سَرَى، وصبرنا على ما قدَّر وقضى، واعتبرنا بِمَنْ قضى ومضى، فليس وراءَ ذلك وَايْمُ الله مِنْ خير.
فيا للنَّاس في غَفَلاتِهِمْ، كيف لا ينهاهم نُهَاهُمْ عن التَّسَخُّطِ عَلَى قدر الله تعالى الفعَّال لما يريد، الَّذي {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)} [الأنبياء]! لا حَسْرَة وربِّي تنفع ولا جَزَع يشفع إذا ذكرت مَنْ ليس له إلى الدُّنيا مُرْتَجَعٌ،؛ فكلّ جديد لا أبا لك يمسي باليًا، فما البكاء على ميّت أصبح في قبره ثاويًا؟! سيَلْحَقُ آخِرُنَا بِأَوَّلِنَا، ويلقى مَنْ يَبْقَى ما لقي مَنْ مَضى.
نيطوها في رقبتي واعْصِبُوهَا برأسي، واحملوا النَّاس على أن يقولوا: بَرَدَ قلبُه رجاءَ رَحْمَةِ ربِّه، ولا تجمعوا بين مصيبتين: مصيبة الموت، ومصيبة ذهاب الأجر، فالجزع لا يردُّ المصائب وإنّما يضاعفها، وشفاء النَّفس ليس بالتَّندُّم.
إنَّ الموت وعد موعود، وورد مورود، فما الجزعُ مِنْ قَدَر مقدور؟! وما الطَّمع في دنيا غرور، كلّ ما فيها يزول!
أَلَا يا قومي، إِنَّ الله تعالى قد بَيَّنَ في كتابه صفات عباده بيانًا، فقال:
{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)} [الفرقان]،
فكونوا من المتيقّظين، وانظروا مصارع السَّابقين، ومصائر الغابرين، واعتبروا بالرَّاحلين، فكم وقعت أعينكم على محتضر، وقبر حفر، وإنسان قبر، أما لكم مُعْتَبر؟ "كَفَى بِالمَوْتِ وَاعِظًا يَا عُمَر"!
بالله رَبِّكُمْ ألم تروا إلى تلك الدِّيار الغابرة، كيف غدت؟! صارت أطلالًا بالية ومنازل خاوية وديارًا خالية، مضى أهلها في الأرض ترابًا، وأضحى قوم في أعقابهم عظامًا.
يُرَاعُ النَّاسُ إذا حملوا إلى القبور جنازة، وهم يعلمون أنَّهم لن يتلبَّثوا بعدها إلّا يسيرًا، فإذا نفضوا أيديهم من التُّراب وأسلموها، رَتَعُوا في نعمة زمنًا، ثمَّ لحقوا بها وصاروا في برزخ إلى يوم يبعثون، سادِمين نادمين على كلِّ ساعة لم يتزوَّدوا فيها من التَّقوى.
لله دَرُّ الدَّافنين لأحبَّة أما راعهم مثوى من الأرض ضيِّق؟! ما لهم لم تعِظْهم دموعٌ تستهلّ على من يغيَّب في ضريح، أو تهزّهم قلوب تحنو على من يوسَّد في حفرة عفراء تعاف نفوس وردها؟!
لا جَرَمَ أنَّ حسرة الإنسان تعظم حين تحضره الوفاة؛ لأجل ساعة لم ينفقها في طاعة الله تعالى، وَلَا غَرْوَ أنَّ فرحته تعظم لما قدَّمت يداه من تُقَىً لله؛ فَنَفْسَك نَفْسَك فاغنمها، شمِّر هُدِيت عن ساق واتَّزر، وشدَّ مئزرك مِنْ قبل التّنَدُّمِ وَالتَّحَسُّرِ على ما فرَّطت في جنب الله تعالى، واضْرَعْ إليه مبتهلًا، {وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)} [المؤمنون].
ألا بُعْدًا لمَنْ أنفق عمره في الشَّهوات ومقارفة السَّيِّئات، لا يخشى أن يحيق به سوء مكره، ولا يخاف أن تصيبه المَثُلَاتُ! ألا تَعْسًا ونُكْسًا لمن غَدَا وَرَاحَ ضاربًا فِي غمرة اللَّهْو يَعْمَهُ في ضلالته، وقد فتَّح أَبْوَابَ شَرٍّ لِنَفْسِهِ، ولم يَسُؤْه سُوءُ عمله، ولَمْ يَشِنْهُ شَيْن فعله، بل رآه حسنًا، مغترًّا بعمر قصير، غافلًا عن أجل ومصير، متى يعوّض هذا الخاسِرُ الدَّابِرُ ما أنفقه، ويدرك ما ضيَّعه، ويستدرك على نفسه ما سبقها الصّالحون إليه؟! فارجع قبل الحسرات، وقبل أن يقولوا مات.
وتعجب حين تعلم أنَّ من النَّاس من يأتيه الموت واعظًا فلا ينتفع، ويأتيه الشّيب نذيرًا فلا يرتدع! {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ
…
(8)} [فاطر]، {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14)} [محمّد].
هذا وطوبى لمن استجاب لله تعالى والرَّسول صلى الله عليه وسلم، ووضع عن نفسه أَوْزَارَهَا، وحَطَّ عنها أَثْقَالَها.
أُخَيّ، هذا كتاب وسمته بالصَّحيح المأثور، أردت أن أطَيِّب بِهِ الأَنْفُسَ عَنْ مَوْتَاها، لأنَّه لا يَعْرَى أحدٌ من مصيبة بحميم أو فاجعة بكريم، فلَعَلَّهُ يأْسُو الكَلْم، ويرمّ الثَّلْم، ويجلو الهمَّ، ويداوي السّقم، ويدمل الجرح، ويطفئ الجمر، ويأخذ باليد، ويحسر الكرب، ويُذلّ الخطب.
أحسبه مُتَّعَظًا ناجعًا، وذخرًا نافعًا، وجوابًا شافيًا، وزادًا وافيًا، وبرهانًا عذبًا نميرًا صافيًا، لمن أراد النّجاة وثواب الدَّار الآخرة.
فيه من الحُجَّة ما يحمل على المَحَجَّةِ، ومن العظات ما يملأ القلوب رغبة
ورهبة، ولا أيأس من رَوْحِ الله تعالى، فكم من حُجَّة أتت على مُهْجَة.
أذكر فيه باختصار دون احتفال وإكثار: فضل الزُّهد في الدُّنيا المدبرة والتَّقَلُّل منها، والاستعداد للآخرة المقبلة وَالتَّأَهُّب لها، والمرض وفضله، وساعة الموت، وَمَا يَرِدُ على الميِّت حال الاحتضار، وصفة ملك الموت ورسله، وَحَال الرُّوح بعد مُفَارقَة البدن وصعودها إِلى الله تَعَالَى، والتقائها بالأرواح ومقرّها بعد ذَلِك، والْقَبْر وضمَّته وفتنته ونعيمه وعذابه وسعته وضيقه وَمَا ينفع فِيهِ، والخروج منه.
وَضَمَّنْتُهُ بعض سنن وآداب وأحكام: المحتضر، والميِّت، والجنازة؛ إِتْمَامًا لِلْفَائِدَةِ، وبلوغًا إلى الغاية، مُتَتَبِّعًا لذَلِك من القرآن الكريم، والحديث الشَّريف المنيف، والمأثور عن الصَّحابة? والتَّابعين، والمنقول عن جمهور الفقهاء والأصوليين، والرَّاجح من أقوال العلماء المتقدِّمين والمتأخِّرين، مُسْتَمْسِكًا بالدَّليل، مقدِّمًا الأعلى سندًا ومتنًا، جامعًا بين الرِّواية والدّراية، موفِّقًا بين الرِّوايات الَّتي يبدو فيها تعارض، مستوعبًا تضارب الآراء، دون تعصُّب إلّا للدَّليل، ساعيًا للوصول إلى الْحَقِّ جَهْدِي، ناظرًا إلى سلامة الاستدلال ومقاصد الشَّريعة، وفقه الواقع وتغير الحال وفقه المآل، آخذًا بإحكام بالأحكام، ملحقًا فروعها بأصولها، دون تفصيل وتطويل، منبّهًا إلى بعض الأخطاء الشَّائعة، والأباطيل الذَّائعة:
…
{وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ
…
(9)} [النّحل]، {وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)} [المائدة].
وقد استغرقت في إملائه ثلاث سنوات وبضعة أشهر، فلم أكن كَحَاطِبِ لَيْلٍ لا يبالي ما يأخذ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، وكان ابتدائي به في الثّاني والعشرين من شهر
صفر عام ألف وأربعمائة وثلاثة وثلاثين للهجرة، الموافق للسّابع عشر من شهر كانون الثّاني عام ألفين واثني عشر للميلاد، وكان الفراغ من تحريره في الثّالث من شهر محرّم عام ألف وأربعمائة وسبعة وثلاثين للهجرة، الموافق للسّابع عشر من تشرين الأوّل عام ألفين وخمسة عشر للميلاد، فَلَكَ الْحَمْدُ رَبَّنَا على تمام هذا العمل قبل انقضاء الأجل وتمام العدّة وذهاب المدّة.
ورحمة الله تعالى ومغفرته والسُّقيا سجالًا على مَنْ أعانني في هذا العمل ما لاح نجم أو أَفَل.
وختامًا، إن أصبت فإنّي بأجر المصيب أمنِّي النَّفس، وإن أخطأت بشيء فَإِنِّي أسليها بمعذرة لبيب أو دعاء حبيب ينفعني في الرَّمس.
رِضَاكَ ربّي قبل لِقَاكَ! هَبْ لي توبة تذهب ذنوبي، واعفُ عَنِّي ما كَان منِّي، واستر ما علمت من عيوبي!
المؤلّف
أحمد محمود الشّوابكة
أبو عبيدة