الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَسَمِعَ أَصْوَاتَ رِجَالٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَزِعًا، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ" (1).
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى بَغْلَتِهِ الشَّهْبَاءِ بِحَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ، فَسَمِعَ أَصْوَاتَ قَوْمٍ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ، فَحَاصَتِ الْبَغْلَةُ
…
" (2).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَرَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى قَبْرَيْنِ، فَقَالَ: "إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ
…
" (3)، فما بالك بعذاب من يعذب في كبير! اللَّهُمَّ إنّا نَرْغَبُ إليك أَنْ تُجِيرَنَا من عذاب القبر.
العلّة الّتي من أجلها لم يَدْعُ المصطفى صلى الله عليه وسلم ربّه أن يُسمع أمّته عذاب القبر
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ عَذَابَ الْقَبْرِ"(4).
هل العذاب على الرّوح أم على الرّوح والجسد معًا
؟
بوَّب البخاريُّ في كتاب الجنائز (بَاب مَا جَاءَ فِي عَذَابِ القَبْرِ)، وفهم الحافظ ابن حجر من تَبْوِيبِهِ أنَّ البخاريَّ ترك مسألة أنَّ عَذَاب الْقَبْرِ يَقَعُ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ أَوْ عَلَيْهَا وَعَلَى الْجَسَدِ مُجْتَمعين، فَلَمْ يَتَقَلَّدِ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ.
والّذي عليه أكثر أهل العلم أنَّ النَّعيم والعذاب على الرّوح والجسد؛ عن
(1) أحمد "المسند"(ج 22/ص 58/رقم 14152) إسناده صحيح على شرط مسلم.
(2)
أحمد "المسند"(ج 20/ص 186/رقم 12791) إسناده صحيح.
(3)
البخاريّ "صحيح البخاري"(ج 8/ص 17/رقم 6052) كِتَابُ الأَدَبِ.
(4)
أحمد "المسند"(ج 20/ص 198/رقم 12808) إسناده صحيح على شرط الشَّيخين.
سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه، قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى صَلاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟ قَالَ: فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا، فَيَقُولُ: مَا شَاءَ الله فَسَأَلَنَا يَوْمًا فَقَالَ: هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟ قُلْنَا: لا، قَالَ: لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي، فَأَخْرَجَانِي إِلَى الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ (1)،
فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ، بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُوسَى: إِنَّهُ يُدْخِلُ ذَلِكَ الكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ، قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالا: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ - أَوْ صَخْرَةٍ - فَيَشْدَخُ بِهِ رَأْسَهُ، فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الحَجَرُ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ، فَلا يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ، فَعَادَ إِلَيْهِ، فَضَرَبَهُ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالا: انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ، أَعْلاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا، فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالا: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ - قَالَ يَزِيدُ، وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ: عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ - وَعَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ، فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ
…
" (2).
(1) عِنْدَ أَحْمَدَ: إِلَى أَرْضٍ فَضَاءٍ، أَوْ أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ "المسند"(ج 33/ص 335/رقم 20165) وإسناده صحيح على شرط الشّيخين ..
(2)
البخاري "صحيح البخاري"(ج 2/ص 100/رقم 1386) كِتَابُ الجَنَائِزِ.
وفي آخر الحديث: "قُلْتُ: طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ، فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ، قَالا: نَعَمْ، أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ، فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالكَذْبَةِ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ، فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ الله القُرْآنَ، فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ، يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي الثَّقْبِ فَهُمُ الزُّنَاةُ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُوا الرِّبَا
…
" (1).
وقوله: "يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ" دليل على أنّه عذاب القبر، لا عذاب جهنَّم وأنّه إلى يوم القيامة في حقِّ هؤلاء، وقوله:"يُدْخِلُ ذَلِكَ الكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ"، وقوله:"فَيَشْدَخُ بِهِ رَأْسَهُ" يفهم منه أنَّ العذاب يقع أيضًا على الجسد.
فالنَّعيم والعذاب يقع على الرّوح والجسد معًا في القبر، وقد تنفرد الرّوح بهذا أحيانًا. ودليل أنَّ البدنَ ينالُه شيءٌ ابتداءً ما جَاءَ في ضمَّة القبر الَّتي لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ، وليس بمنأى عنها الجسد.
ودليل وقوع النَّعيم أو العذاب على الرّوح والجسد أيضًا، ما جاء في حديث البراء الطَّويل: "فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ
…
" الحديث، وفيه أنّه إذا أجاب الملكين فإنّه يُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ: "أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا، وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ". وفيه وأمَّا العبد الكافر: "فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا
(1) البخاري "صحيح البخاري"(ج 2/ص 100/رقم 1386) كِتَابُ الجَنَائِزِ.