الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه عَلَامَاتُ قُرْبِ المَوْتِ.
أمّا مَنْ يتعلّل بما رواه عبد الرّزاق الصّنعاني عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَرَأَيْتَ حُرُوفَ المَيِّتِ إِلَى الْقِبْلَةِ حِينَ يَحِينُ فَوْضُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، أَسُنَّةٌ ذَلِكَ؟ قَالَ:"سُبْحَانَ الله مَا عَلِمْتُ مِنْ أَحَدٍ يَعْقِلُ تَرَكَ ذَلِكَ مِنْ مَيِّتِهِ، والله إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْمَلُ فِرَاشُهُ حَتَّى يُحَرَّفَ بِهِ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ ذَلِكَ"(1). فالجواب: هذا قول التَّابعيّ الجليل عطاء بن أبي رباح، والسُّنَّة هنا بمعنى ما تعارف عليه النَّاس، ولَا حُجَّةَ فِيه لنتّبعه، ولا نتّبع إلّا ما قام عليه دليل.
وقد عدّ الألباني في الأحكام (2) توجيه المحتضر إلى القبلة من بدع الجنائز، ولا نوافقه؛ لأنّ هذه المسألة ليست من المسائل الّتي لا يسوغ فيها الاجتهاد ويبدَّع فيها المخالف، بل هي من المسائل الّتي يتَّسع فيها الاجتهاد ويسوغ فيها الاختلاف.
وعلى كلِّ حال إذا كان وجه المحتضر إلى القبلة أو لغير القبلة فلا حرج، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ
…
(115)} [البقرة].
حكم دخول الحائض والنّفساء والجنب على من حضرته الوفاة
يَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ أو النّفساء ما يحرم على الجنب من: الصّلاة، واللُّبْثِ فِي المَسْجِدِ، والطّواف في البيت الحرام، ومَسِّ المُصْحَفِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَة، وقراءة القرآن. وتزيد الحائض والنّفساء عن الجنب في أمور: منها الصّيام، والوطء، ولا
(1) الصّنعاني "مصنّف عبد الرّزاق"(ج 3/ص 391/رقم 6059) وهذا سند غاية في الصّحّة.
(2)
الألباني "أحكام الجنائز"(ص 243).
تُمنع من شيء إلا بدليل.
وقد استحبَّ بعضُ أهل العلم ألّا يدخل على من حضرته الوفاة حائض ولا جنب ولا نفساء، وكذلك بعد الوفاة، لأحاديث فيها نَفْي دُخُولِ المَلَائِكَةِ الدَّار الَّتِي فِيهَا أحد من هؤلاء، وهي أحاديث مُعَلَّةٌ وإن كان ظاهرها الصِّحَّة، منها ما رواه أَحْمَد مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ جِبْرِيل عليه السلام قَال لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّهَا ثَلاثٌ لَنْ يَلِجَ مَلَكٌ مَا دَامَ فِيهَا أَبَدًا وَاحِدٌ مِنْهَا: كَلْبٌ، أَوْ جَنَابَةٌ، أَوْ صُورَةُ رُوحٍ"(1) وفي إسناده عَبْدُ الله بْنُ نُجَيّ مختلف فيه، وأبوه نُجَيّ الْحَضْرَمِيّ لَمْ يَرْوِ عنه غير ابنه، ولم يوثّقه غير ابن حبان، وَقَال:"لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد"(2).
ومنها ما رواه أحمد عَنِ ابْنِ نُجَيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"لَا تَدْخُلُ المَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جُنُبٌ، وَلا صُورَةٌ، وَلا كَلْبٌ"(3).
وما رواه أحمد عنْ جَابِرٍ، عن عَبْد الله بْن نُجَيّ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَدْخُلُ المَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ وَلَا جُنُبٌ"(4)، وإسناده ضعيف لضعف جابر الجعفي وانقطاعه بين عبد الله بن نجيّ وبين عليّ.
(1) أحمد "المسند"(ج 2/ص 77/رقم 647) إسناده ضعيف.
(2)
ابن حبّان "الثّقات"(ج 5/ص 480).
(3)
أحمد "المسند"(ج 2/ص 65/رقم 632) حسن لغيره دون ذكر الجنب.
(4)
أحمد "المسند"(ج 2/ص 425/رقم 1290) وإسناده ضعيف. وأخرجه أبو داود في "سنن أبي داود"(ج 1/ص 162/رقم 227)، والنّسائي في "سنن النّسائي"(ص 49/رقم 261) وحكم عليه الألبانيّ بالضّعف.
وأصل الحديث في "الصَّحيحين" دون ذكر الجنب من حديث أبي طلحة، "لا تَدْخُلُ المَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا صُورَةٌ"(1). ويشهد لقوله "ولا جنب" ما روى أبو داود عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهُمُ المَلَائِكَةُ: جِيفَةُ الْكَافِرِ، وَالمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ (2)، وَالْجُنُبُ، إِلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ"(3) والحسن بن أبي الحسن (البصري) لم يسمع من عمّار.
وما أخرجه البزّار بإسناد صحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:
…
"ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهُمُ المَلَائِكَةُ: الْجُنُبُ وَالسَّكْرَانُ وَالمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ"(4).
ولعلّ المراد بالجنب الّذي يتهاون في رفع الجنابة عادة، فيترك الاغتسال ويقضي أغلب وقته جنبًا، وإلّا فقد صَحَّ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب، عنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها:"أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ، وَهُوَ جُنُبٌ، تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، قَبْلَ أَنْ يَنَامَ"(5). ولذلك يجوز نَوْم الْجُنُبِ، ويستحبّ لَهُ الْوُضُوء
(1) البخاري "صحيح البخاري"(ج 4/ص 130/رقم 3322) كِتَابُ بَدْءِ الخَلْقِ.
(2)
أي المُتَلَطِّخ بِالْخَلُوقِ، وَهُوَ طِيبٌ لَهُ صِبْغٌ يُتَّخَذُ مِنَ الزَّعْفَرَانِ، وقد ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ النَّهْيُ عَنِ التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَالِ وَكَذَا نَهْيُ الرِّجَالِ عَنِ الْخَلُوق؛ لِأَنَّهُ شِعَارُ النِّسَاءِ.
(3)
أبو داود "سنن أبي داود"(ج 6/ص 252/رقم 4180) إسناده ضعيف لانقطاعه.
(4)
البزّار "كشف الأستار"(ج 3/ص 355/رقم 2930)، وقال الهيثميّ في "مجمع الزّوائد" (ج 5/ص 72/رقم 8198): رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ خَلَا الْعَبَّاسِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ ثِقَةٌ، وصحّحه المنذري في "التّرغيب"(ج 1/ص 41/رقم 174)، والألباني في "الصّحيحة"(ج 4/ص 417/رقم 1804).
(5)
مسلم "صحيح مسلم"(ج 1/ص 248) كِتَابُ الْحَيْضِ.
قبل أن يَرْقُد.
ولعلَّ المراد بالملائكة الَّذين ينزلون بالخير والرّحمة والبركة دون الملائكة الحفظة، فإنَّهم لا يفارقون الجنب وغير الجنب، ودون ملك الموت ورسله فكم من جنب وحائض ونفساء دخل عليها ملك الموت.
ونحن نعلم أنَّ حَنْظَلَةَ بْن أَبِي عَامِرٍ الْأَنْصَارِيّ غَسِيل المَلَائِكَةِ اسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ وَهُوَ جُنُبٌ فَغَسَّلَتْهُ المَلَائِكَةُ، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ صَاحِبَكُمْ حَنْظَلَةَ تُغَسِّلُهُ المَلَائِكَةُ، فَسَلُوا صَاحِبَتَهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ لمَّا سَمِعَ الْهَائِعَةَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: فَذَاكَ قَدْ غَسَّلَتْهُ المَلَائِكَةُ"(1).
قال ابن قدامة في المغني: قال أحمد: "يُكْرَهُ لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ تَغْمِيضُهُ، وَأَنْ تَقْرَبَاهُ"(2)، وفي مصنف ابن أبي شيبة، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:"كَانُوا إِذَا حَضَرُوا الرَّجُلَ يَمُوتُ أَخْرَجُوا الْحُيَّضَ"(3).
وقَالَ مَالِكٌ فِي المُخْتَصَرِ: "لَا بَأْسَ أَنْ تُغْمِضَهُ الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ"(4). والخلاصة لَا يحرم حُضُورُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ والنّفساء وَقْتَ الِاحْتِضَارِ، وليس هناك ما يمنع دخولهم، وقد عَدَّ الألبانيّ إخراج الحائض والنّفساء والجنب من عند
(1) ابن حبّان "صحيح ابن حبّان"(ج 15/ص 495/رقم 7025) حديث صحيح، رجاله ثقات.
(2)
ابن قدامة "المغني"(ج 2/ص 336).
(3)
ابن أبي شيبة "مصنّف ابن أبي شيبة"(ج 2/ص 445/رقم 10854).
(4)
أبو الوليد الباجي "المنتقى شرح الموطّأ"(ج 2/ص 26).