الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديث مركّب في عقوبة من تهاون بصلاته
شَاعَ عِنْد كَثِير مِن الْعَامَّة حديث ظاهر البطلان في عقوبة من تهاون بصلاته، ففي كتاب "الكبائر" المنسوب للذّهبي و"الزّواجر" للهيثميّ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ:
"وَمَنْ تَهَاوَنَ عَن الصَّلَاةِ عَاقَبَهُ الله بِخَمْسَ عَشْرَةَ عُقُوبَةً: خَمْس فِي الدُّنْيَا، وَثَلَاث عِنْدَ المَوْتِ، وَثَلَاث فِي قَبْرِهِ، وَثَلَاث عِنْدَ خُرُوجِهِ مِن الْقَبْرِ
…
وَأَمَّا الَّتِي تُصِيبُهُ فِي قَبْرِهِ: فَالْأُولَى يَضِيقُ عَلَيْهِ الْقَبْرُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ، وَالثَّانِيَةُ يُوقَدُ عَلَيْهِ الْقَبْرُ نَارًا فيتقلب عَلَى الْجَمْرِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَالثَّالِثَةُ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ ثُعْبَانٌ اسْمُهُ الشُّجَاعُ الْأَقْرَعُ، عَيْنَاهُ مِنْ نَارٍ وَأَظْفَارُهُ مِنْ حَدِيدٍ طُولُ كُلِّ ظُفْرٍ مَسِيرَةُ يَوْمٍ يُكَلِّمُ المَيِّتَ فَيَقُولُ: أَنَا الشُّجَاعُ الْأَقْرَعُ، وَصَوْتُهُ مِثْلُ الرَّعْدِ الْقَاصِفِ يَقُولُ أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أَضْرِبَك عَلَى تَضْيِيعِ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَأَضْرِبَك عَلَى تَضْيِيعِ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَى الْعَصْرِ، وَأَضْرِبَك عَلَى تَضْيِيعِ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى المَغْرِبِ، وَأَضْرِبَك عَلَى تَضْيِيعِ صَلَاةِ المَغْرِبِ إلَى الْعِشَاءِ، وَأَضْرِبَك عَلَى تَضْيِيعِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى الصُّبْح، فَكُلَّمَا ضَرَبَهُ ضَرْبَةً يَغُوصُ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا فَلَا يَزَالُ فِي الْقَبْرِ مُعَذَّبًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" (1).
وهذا الحديث باطل، قال الحافظ في "اللّسان" والذَّهبيُّ في "الميزان" ـ هو من تركيب: "مُحَمَّد بن عَليّ بن الْعَبَّاس الْبَغْدَادِيّ الْعَطَّار ـ ركَّب على أبي بكر بن زياد النَّيْسَابُورِي حديثًا باطلًا في تارك الصَّلاة، روى عنه محمَّد بن علي الموازيني
(1) الذّهبيّ "الكبائر"(ص 23)، وابن حجر الهيثمي "الزّواجر"(ج 1/ص 226).
شيخ لأبي زعم المذكور أنَّ ابن زياد أخذه عن الرَّبيع عن الشَّافعي عن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه من تهاون بصلاته عاقبه الله بخمس
عشرة خصلة
…
الحديث، وهو ظاهر البطلان من أحاديث الطُّرُقِيَّة" (1).
ومن نظر في الحديث علم أنّه تحدّث عن خَمْسَ عَشْرَةَ عُقُوبَةً، والمُفَصَّل في الحديث أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فهو لا يطابق جملة ما ذكر!
وأورد الخلّال في الأمالي من حديث عليّ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ تَهَاوَنَ بِصَلَاتِهِ، فَإِنَّ الله عز وجل يُعَاقِبْهُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً: سِتٌّ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا، وَثَلَاثٌ عِنْدَ المَوْتِ، وَثَلَاثٌ فِي الْقَبْرِ وَثَلَاثٌ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنَ الْقَبْرِ
…
وَالثَّلَاثُ الَّتِي فِي الْقَبْرِ فَأَوَّلُهَا: يُظْلِمُ عَلَيْهِ الْقَبْرُ، وَالثَّانِيَةُ: يَضِيقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ، وَالثَّالِثَةُ: تَسِيلُ عَيْنَاهُ بِمَاءٍ كِرَاءٍ
…
" (2). وكُتُبُ الأمالي ليست ممّا يُؤَلَّف ليتعبَّد به النَّاس؛ فقد غَضَّ المؤلِّفُ الطَّرف عن انتقاء النُّصوص الثَّابتة؛ لأنَّها ليست المقصودة بالتّأليف.
وفي سنده عمر بن أحمد بن عثمان الواعظ (ابن شاهين)، قَالَ الدَّاوُدِيُّ:
…
"كان ابن شاهين شيخًا ثقة يشبه الشّيوخ إلّا أنّه كان لحّانًا وكان لا يعرف من الفقه قليلًا ولا كثيرًا، وقال: ورأيته يومًا اجتمع مع أبي الحسن الدّارقطنيّ فلم ينطق بكلمة واحدة خوفًا أن يخطئ بحضرة أبي الحسن"(3)، فلعلَّ ابن شاهين أخطأ به.
(1) ابن حجر "لسان الميزان"(ج 5/ص 296/رقم 1004)، والذّهبيّ "ميزان الاعتدال"(ج 3/ص 653/رقم 7969).
(2)
الحسن الخلال "المجالس العشرة الأمالي"(ص 71/رقم 77).
(3)
ابن حجر "لسان الميزان"(ج 4/ص 2884/رقم 809).