الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم السابع
رحلة الرّوح
الفرق بين النّفس والرّوح
الَّذِي عليه أكثر أهل العلم أنَّ النَّفْسَ وَالرُّوحَ شَيْءٌ وَاحِد؛ لما ورد من إطلاق أحدهما على الآخر، قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ
…
(93)} [الأنعام]، والمراد بالأنفس الأرواح.
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ:"قُبِضَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَرَأْسُهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، قَالَتْ: فَلَمَّا خَرَجَتْ نَفْسُهُ، لَمْ أَجِدْ رِيحًا قَطُّ أَطْيَبَ مِنْهَا"(1)، تريد روحه.
وعن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه، قال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَلَمْ تَرَوُا الْإِنْسَانَ إِذَا مَاتَ شَخَصَ بَصَرُهُ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكَ حِينَ يَتْبَعُ بَصَرُهُ نَفْسَهُ"(2)، أي روحه.
وممّا يحتجُّ به على أنَّ النَّفس وَالرّوح بِمَعْنىً قولُ بِلَال رضي الله عنه: "أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ - بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ الله- بِنَفْسِكَ"(3).
لكن المسألة لا تخلو من خلاف، فقد قَالَ آخَرُونَ النَّفْسُ غَيْرُ الرُّوحِ، والخلاف فيها شهير.
سكرة الموت
يمرُّ الإنسان في رحيله من الدُّنيا إلى عالم البرزخ بشدَّة تعقبها شدَّة، وأوَّلُ
(1) أحمد "المسند"(ج 41/ص 391/رقم 24905) إسناده صحيح على شرط الشّيخين.
(2)
مسلم "صحيح مسلم"(ج 2/ص 635) كِتَابُ الْجَنَائِزِ.
(3)
مسلم "صحيح مسلم"(ج 1/ص 471) كِتَابُ المَسَاجِدِ.
هذه الشَّدائد سكرةُ الموت، قال تعالى:{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)} [ق]، فقد استعير لفظ السَّكرة لهول الموت وشدَّته. وهناك آيات أُخَر تصوِّر شدَّة الموت، قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ
…
(93)} [الأنعام]، وقال تعالى:{فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83)} [الواقعة]، وقال تعالى: {
…
كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26)} [القيامة].
وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ
…
(57)} [العنكبوت]، أي كلّ نفس تحسُّ بشدَّة الموت عند الاحتضار. ولفظة (ذائقة) فيها استعارة تصْرِيحِيَّة تبَعِيَّة، فقد شبَّه طعم الموت المرّ عند الاحتضار، بطعم الشَّراب المرّ الّذي يتجرّعه الإنسان، واستخدم المشتقّ اسم الفاعل (ذائق)، وعدل عن الفعل (تذوق) للدَّلالة على التَّحقُّق.
ولمّا مرض النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مرض الموت كان عنده عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَيَقُولُ:"لا إِلَهَ إِلَّا الله، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ"(1).
وهذا يدلّك على شدَّة كان يعالجها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فإذا كان هذا حاله صلى الله عليه وسلم؛ فاللَّهُمَّ أعنَّا على مَا بَين أَيْدِينَا، أَعِنَّا عَلَى سَكَرَات المَوْت يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ!
وخير زاد نواجه به الشَّدَائِد أن نحفظ حدود الله تعالى، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم
…
لابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَوْمًا: "يَا غُلامُ، أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِنَّ؟ فَقُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ: احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ،
(1) البخاري "صحيح البخاري"(ج 6/ص 13/رقم 4449) كِتَابُ المَغَازِي.