الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)} [البقرة].
ثمّ يذكر ما يحبُّ أن يوصي به مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ أو أقلّ من ذلك للوالدين اللَّذين لا يرثان، وللأقارب الفقراء الّذين لا يرثون؛ فهي عليهم صدقة وصلة، ويذكر الوكيل على ذلك، ويذكر ما له وما عليه من دَيْن أو قرض أو حقّ أَوْ وَدِيعَة وَنَحْو ذلك، ويبرأ إلى الله تعالى مِمَّا بَرِئَ مِنْهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، ويُشْهِد عليها.
وله أن يوصي أن يصلّي عليه (1) عَدْلٌ، فقد أوصى أبو بكر رضي الله عنه أن يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عُمَرُ رضي الله عنه، وعمر رضي الله عنه أوصى أن يُصَلِّيَ عَلَيْهِ صُهَيْبٌ رضي الله عنه، وعائشة رضي الله عنها أوصت أن يُصَلِّيَ عليها أبو هريرة رضي الله عنه، وَعَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ:"أَنَّ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو أَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ"(2)، وله أنْ يغيّر في وصيّته ويرجع فيما شاء منها، قبل أن يلقى منيَّته.
حكم الوصيّة
الوصيَّة عطيّة مَنْ أَتَاهُ المَوْتُ، جعلها الله تعالى له لتعود عليه عند الموت بالخير والأجر، والميراث عطيَّة الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ
…
(11)} [النّساء].
والوصيّة إمَّا واجبة أو مستحبّة أو محرّمة، فهي واجبة إذا كان على الإنسان
(1) هناك خلاف شهير بين الفقهاء على الأولى والأحقّ بالصّلاة على الميّت فاسْتَبِنْ مِنْ مَظَانِّهِ.
(2)
الطّبراني "المعجم الكبير"(ج 18/ص 17)، وقال الهيثمي في "مجمع الزّوائد" (ج 3/ص 32/رقم 4151): رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.
حقّ لله تعالى أو للعباد. وحقّ الله تعالى كأن يكون عليه فدية، أو كفَّارة، أو زكاة، أو صيام واجب من قضاء أو نَذْر، أو نحو ذلك.
فَمَنْ مات مثلًا وعليه صيام مبيّن في وصيّته لزم وليَّه الصِّيام عنه، عَنِ
…
ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ:"جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ فَقَالَ: لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ، أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ الله أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى"(1)، وقَالَ الحَسَنُ:"إِنْ صَامَ عَنْهُ ثَلاثُونَ رَجُلًا يَوْمًا وَاحِدًا جَازَ"(2).
وحقّ العباد كالدّيون والأمانات والأجور والودائع والقروض ونحوها، فيلزمه أن يخبر بما له لاقتضائه، وما عليه لقضائه، لتردّ الحقوق إلى أهلها، فإن كان عليه دين لازم، أو حقّ واجب، وجب عليه أن يوصي بقضائه بعد موته.
وهي ليست واجبة على كلّ أحد، فمن لم يكن عليه حقّ لله أو لعباده، فهي مستحبَّة لمن ترك خيرًا، لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ
…
(180)} [البقرة]، على أن تكون بثلث المال أو دونه لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:"الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ"(3) وذلك بأن يوصي به لقريب غير وارث، أو لعمل من أعمال البرّ، أو وجه من وجوه الخير، أو معونة أهل الحاجة
…
وقد جعلها
(1) مسلم "صحيح مسلم"(ج 2/ص 804) كِتَابُ الصِّيَامِ.
(2)
البخاري "صحيح البخاريّ"(ج 3/ص 35) كِتَابُ الصَّوْمِ، وهذا الأثر ذكره البخاريّ تعليقًا، وقال الحافظ في "الفتح" (ج 4/ص 193): وَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الذَّبْحِ.
(3)
البخاري "صحيح البخاريّ"(ج 4/ص 3/رقم 2743) كِتَابُ الوَصَايَا.