الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموعظة عند الدَّفن لم يثبت أنَّه فعلها في كلِّ جنازة شهدها، فلم تكن سنَّة مطَّردة، وحديثه صلى الله عليه وسلم من باب التَّعْلِيم منه صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ? .
أمّا أن يقوم المحدِّث خطيبًا بعد الدَّفن ويُطِيلُ بِالنَّاسِ حديثه، فَالسُّنَّةُ خلافه، فالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كان إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ المَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ، وأمر بالاستغفار له، وسؤال الله تعالى له بالتّثبيت، فالميّت إذا سُوِّي عليه التّراب، فهو أحوج إلى الاستغفار وسؤال الله تعالى له بالتّثبيت؛ لأنّه في هذه اللَّحظة يُسْأَل، وليس بحاجة إلى الخطب والمواعظ، أمّا النّاس فكفى بما هم فيه واعظًا!
حكم تلقين الميت بعد الفراغ من دفنه
أمَّا تلقين الميّت بعد الفراغ من دفنه كما يفعله بعض النَّاس اليوم فلا يصحُّ، وحديث أبي أُمَامَة رضي الله عنه في التَّلقين ضعيف، أخرجه الطَّبراني في "الكبير" بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَلَفْظُهُ عَنْ سَعِيد، قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا أُمَامَةَ وَهُوَ فِي النَّزْعِ، فَقَالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ، فَاصْنَعُوا بِي كَمَا أَمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ نصْنَعَ بِمَوْتَانَا، أَمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: "إِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ إِخْوَانِكُمْ، فَسَوَّيْتُم التُّرَابَ عَلَى قَبْرِهِ، فَلْيَقُمْ أَحَدُكُمْ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانَة، فَإِنَّهُ يَسْمَعُهُ وَلَا يُجِيبُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانَة، فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَاعِدًا، ثُمَّ يَقُولُ: يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانَة، فَإِنَّهُ يَقُولُ: أَرْشِدْنَا رَحِمَكَ اللهُ، وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ. فَلْيَقُلْ: اذْكُرْ مَا خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّكَ رَضِيتَ بِالله رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا، فَإِنَّ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا يَأْخُذُ وَاحِدٌ مِنْهُمْا بِيَدِ صَاحِبِهِ وَيَقُولُ: انْطَلِقْ بِنَا مَا نَقْعُدُ عِنْدَ مَنْ قَدْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ، فَيَكُونُ اللهُ حَجِيجَهُ دُونَهُمَا. فَقَالَ رَجُلٌ:
يَا رَسُولَ الله، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أُمَّهُ؟ قَالَ: فَيَنْسُبُهُ إِلَى حَوَّاءَ، يَا فُلَانَ بْنَ حَوَّاءَ" (1).
ويدلّك على ضعفه مخالفة متنه لما ثبت في الصَّحيح، من أنَّ الميِّت لا يسمع إلّا بعد أن يتولَّى عنه أصحابه يسمع قَرْعَ نِعَالِهِمْ، وما ثبت من أنَّ النَّاس يدعون بآبائهم لا بأمَّهاتهم، قال تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ
…
(5)} [الأحزاب]، وهذا عام في الحياة وبعد الممات، وفي الصَّحيح عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِنَّ الغَادِرَ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلانِ بْنِ فُلانٍ"(2). وبوّب عليه البخاريّ: (بَاب مَا يُدْعَى النَّاسُ بِآبَائِهِمْ).
ومن النّاس من يعمل بهذا الحديث مع علمه بضعفه وعدم ثبوته. واستمرار الْعَمَل بِهِ فِي الْأَمْصَار والأعصار لا يجيز العمل به؛ فالحديث لم يثبت، فَلَا تَغْتَرَّ بما جرى عليه عمل كثير من النَّاس، والثّابت بعد الفراغ من الدّفن سؤال الله تعالى له بالمغفرة والتّثبيت، فقد كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ المَيِّتِ وَقَفَ
(1) الطّبراني "المعجم الكبير"(ج 8/ص 249/رقم 7979) وَفِي إِسْنَادِهِ جَمَاعَةٌ لَمْ أَعْرِفْهُمْ، كذا قال الهيثمي في "مجمع الزّوائد"(ج 3/ص 45/رقم 4248)، وقال العراقي في "المغني عن حمل الأسفار"(ص 1875)، والنّووي في "المجموع" (ج 5/ص 304): إِسْنَاده ضَعِيف. وضعّفه ابن القيّم في "الرّوح"(ص 13)، وقال في "زاد المعاد" (ج 1/ص 503): حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ
…
رَفْعُهُ. وضعّفه الألباني في "الإرواء"(ج 3/ص 203/ص 753)، وقال في "الضّعيفة" (ج 2/ص 64/رقم 599): منكر. وقال السّيوطي في "الحاوي"(ج 2/ص 231): التَّلْقِينَ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَا حَسَنٌ، بَلْ حَدِيثُهُ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ.
(2)
البخاري "صحيح البخاري"(ج 8/ص 41/رقم 6177) كِتَابُ الأَدَبِ.