الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"لِلْمُهْلَةِ" كما قال أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، وسرعان ما يُسْلَبُ، فينال خيرًا منه أو شرًّا منه.
ومنها عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "حَسِّنُوا أَكْفَانَ مَوْتَاكُمْ فَإِنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِي أكفانهم"(1)، وأعلَّه ابن الجوزيّ وغيره.
وروى البيهقيّ بإسناد فيه نظر، عن مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم الْوَرَّاق، عن
…
عِكْرِمَة بْن عَمَّارٍ، عن هِشَام بْن حَسَّان، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ وَلِيَ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ، فَإِنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَ"(2)، ومُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْوَرَّاقُ ضعّفه الحافظ.
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ هذه ليست مسألة نتعبَّد الله تعالى بها حتَّى يتعيَّن علينا معرفتها، لكن الَّذي لا ريب فيه أنَّ البرزخ فيه حياة يعلمها الله تعالى، فحياة الشُّهداء ثابتة بِنَصِّ القُرْآنِ، قال تعالى:{وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154)} [البقرة]، وقال تعالى:{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)} [آل عمران].
أَنَتَزَاوَرُ إِذَا مِتْنَا وَيَرَى بَعْضُنا بَعْضًا
؟
عَنْ أُمِّ هَانِئٍ رضي الله عنها، أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَنَتَزَاوَرُ إِذَا مِتْنَا وَيَرَى بَعْضُنَا بَعْضًا؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "تَكُونُ النَّسَمُ طَيْرًا تَعْلُقُ بِالشَّجَرِ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ
(1) ابن الجوزي "الموضوعات"(ج 3/ص 240).
(2)
البيهقي "شعب الإيمان"(ج 11/ص 458/رقم 8830) وابن إبراهيم الْوَرَّاق ضعّفه الحافظ في "تقريب التّهذيب"(ص 245/رقم 2462) وكذَّبه ابن معين "الضّعفاء والمتروكون"(ج 2/ص 8/رقم 1468) ابن الجوزي.
الْقِيَامَةِ دَخَلَتْ كُلُّ نَفْسٍ فِي جَسَدِهَا" (1).
ويشهد لمعناه ما رواه أحمد بسند صحيح من حديث كَعْب بن مَالِك الْأَنْصَارِيّ رضي الله عنه وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ رضي الله عنهم كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنَّمَا نَسَمَةُ المُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهَا اللهُ تبارك وتعالى إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ"(2).
وقوله: "نَسَمَةُ المُؤْمِنِ طَائِرٌ" تَعُمُّ الشَّهِيدَ وَغَيْرَهُ؛ فالحديث فيه كرامة لعموم المؤمنين، لأنَّ اللَّفظ جاء مطلقًا بصيغة العموم، ويحتمل أنَّ هذه الكرامة للشُّهداء خاصَّة دون غيرهم، لأن الكتاب والسُّنَّة ينصَّان على ذلك، فَيُحْمَلُ المُطْلَقُ عَلَى المُقَيَّدِ.
ولعلَّ المعنى أنَّ روح المؤمن كهيئة طائر، وأنّها فِي نَعِيمٍ مقيم. ولا نستطيع الجزم بأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أجاب عن سؤال أُمِّ هَانِئٍ رضي الله عنها بالنَّفي أو الإثبات، فقد اختلف الشُّرَّاح في ذلك.
ولمّا اشتكى كعب بن مالك رضي الله عنه مَرَضَ الموْتِ وحضرته الْوَفَاةُ، دَخَلَتْ عَلَيْهِ أُمُّ مُبَشِّرٍ بِنْتُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، وطلبت منه إنْ لَقِي ابنها بعد موته أن يقرئه مِنها السَّلَامَ، أخرج أحمد من طريق مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
…
كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ مُبَشِّرٍ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَهُوَ شَاكٍ: اقْرَأْ عَلَى ابْنِي
(1) أحمد "المسند"(ج 45/ص 383/رقم 27387) حديث صحيح لغيره، وصحّحه الألباني في "الصّحيحة"(ج 2/ص 289/رقم 679) و"صحيح الجامع"(ج 1/ص 574/رقم 2989).
(2)
أحمد "المسند"(ج 25/ص 65/رقم 15787) إسناده صحيح على شرط الشّيخين.
السَّلَامَ، تَعْنِي مُبَشِّرًا، فَقَالَ: يَغْفِرُ اللهُ لَكِ يَا أُمَّ مُبَشِّرٍ، أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّمَا نَسَمَةُ المُسْلِمِ طَيْرٌ تَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهَا اللهُ عز وجل إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(1) قَالَتْ: صَدَقْتَ، فَأَسْتَغْفِرُ اللهَ. قلت: وظاهر الحديث أنَّ كعب بن مالك رضي الله عنه أقام الحجَّة عليها، ولعلَّ المعنى أنَّ روح المسلم في شغل عن ذلك بنعيم الجنَّة، وما طلبته أُمُّ مُبَشِّرٍ ليس العمل عليه. لكنَّنا نجزم باجتماع الموتى إلى الميِّت وسؤالهم إياه أوَّل ما يُصْعَدُ بِرُوحِه إِلَى السَّمَاءِ، فَالمُعْتَمَدُ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ صَرِيحًا.
هل تتلاقى أرواح الأموات وتتذاكر؟
ثبت أنّ أَرْوَاح المؤمنين تتلاقى وتتحادث وتتذاكر في البرزخ أوَّل ما يُصْعَدُ بِرُوحِ المؤمن إِلَى السَّمَاءِ، وثبت أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ وَيَتَلَقَّوْنَ المَيِّتَ ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ عَنْ مَعَارِفِهِمْ، أخرج البزَّار من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مرفوعًا:"وَإِنَّ المُؤْمِنَ يُصْعَدُ بِرُوحِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَتَأْتِيهِ أَرْوَاحُ المُؤْمِنِينَ فَيَسْتَخْبِرُونَهُ عَنْ مَعَارِفِهِمْ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، فَإِذَا قَالَ: تَرَكْتُ فُلانًا فِي الدُّنْيَا، أَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ، وَإِذَا قَالَ: إِنَّ فُلانًا قَدْ مَاتَ، قَالُوا: مَا جِيءَ بِهِ إِلَيْنَا"(2).
(1) أحمد "المسند"(ج 25/ص 55/رقم 15776) إسناده صحيح على شرط الشّيخين.
(2)
البزّار "مسند البزّار"(ج 17/ص 154/رقم 9760) قال السّيوطي في "شرح الصّدور"(ص 97): أخرجه الْبَزَّار بِسَنَد صَحِيح. وصحّحه الألباني في "الصّحيحة"(ج 6/ص 262/رقم 2628) وقال الهيثمي في "مجمع الزّوائد"(ج 3/ص 53/رقم 4271): رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ خَلَا سَعِيدَ بْنَ بَحْرٍ، فَإِنِّي لَمْ أَعْرِفْهُ. قلت: وهذا الّذي لم يعرفه رحمه الله وثَّقه الخطيب في "تاريخ بغداد "(ج 10/ص 131/رقم 4626).