الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم العاشر
ما يرتجى في مصيبة الموت
مَا يُرْجَى للعبد فِي مصيبة الموت إِذَا احْتَسَبَ أصفياءه
على المسلم أن يُوَطِّنَ على الصَّبر نفسه، فيعدّ الصَّبر لفواجع الأمور وتعاظم الشُّرُورِ، فمن يَعِشْ في هذه الحياة ويصحب الدَّهر لَا بُدَّ له من أَنْ يَسْتَعِدَّ فيها للنَّوازل قبل نزولها، وللحوادث قبل حدوثها، ولأحوال الدَّهر قبل حلولها، فيصبر على فراق الأصفياء من الآباء والأمهات، والأبناء والبنات، والإخوة والأخوات، والأحبَّاء وَالْأَخِلَّاء والقرناء.
فكلَّما مدَّ الإنسان في العمر وتراخت منيَّتُه وتقدَّم زمانُه وبعد أجله وأوانه، ولاحَ بياضُ الشَّيبِ فِي مفرقه؛ رأى الفجيعة في أحبَّته، وَالرَّزِيَّةَ في أعزَّته، وكان له من حوادث الدَّهر معتبر، ومن صُرُوف اللَّيَالِي مُزْدَجَرٌ، وفي إخوان له تتابعوا للمنايا واحدًا بعد واحدٍ فكرة إذا افتكر.
والابن لا شكَّ أنَّه من صفوة الصَّفوة، وموته رزء عظيم ومصاب جسيم، وفقده جرح في قلب والديه لَا يَبْرَأُ مِنْهُ إِلَى المَوْتِ، ولو برئ في بعض الغفلات، ولذلك رتَّب الله تعالى على احتسابه الأجر العظيم والخير العميم، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"يَقُولُ الله تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ، إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ، إِلَّا الجَنَّةُ"(1).
ولا ريب أنَّه بقدر حبور التَّلاقي تكون حرقة التَّنَائِي، كما قالوا في المثل:
(1) البخاري "صحيح البخاريّ"(ج 8/ص 90/رقم 6424) كِتَابُ الرِّقَاقِ.
"بِقَدْرِ سُرُورِ التَّوَاصُلِ، تَكُونُ حَسْرَةُ التَّفَاصُلِ"(1).
فإذا أُصِبْتَ بمن كان لك على المصائب معين، فاسترجع واصبر، وقل كما الله تعالى أَمَرَ، فلن يَرى الله تعالى لك ثوابًا دُونَ الْجَنَّةِ، قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"بَخٍ بَخٍ، لَخَمْسٌ مَا أَثْقَلَهُنَّ فِي الْمِيزَانِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ الله، وَالْحَمْدُ لله، وَالْوَلَدُ الصَّالِحُ يُتَوَفَّى فَيَحْتَسِبُهُ وَالِدَاهُ"(2).
والميِّت كلَّما كان نفيسًا عند أهله عظمت الرَّزِيَّةُ به، فعظم الأجْرُ وكان الجزاءُ أنفس، قال صلى الله عليه وسلم:"عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ الله إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ"(3).
والنّاس يتفاوتون فضلًا، فمنهم إذا مات اغتمَّ بموته الأنام، وتألَّم له الْخَاصّ وَالْعَامّ، كما قال القائل:
…
يموتُ قومٌ وَلَا يأسى لَهُم أحد
…
وواحدٌ مَوته همٌّ لأقوام
وقد قبض لي ولد بعد والديّ وأخي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّي اشدد لكلِّ مُلِمَّة أزري، ولا تحبطنَّ في فرط لوعتي أجري، فلَأُوثِرَنَّ صبري فيهم ما حييت، فإنْ أمت ثَوَيْتُ وقد أبقيت حسن أثري في جميل الصَّبر ولم أعدم الأجر؛ ويا قلب تَسَلّ ولا تُحْزِنْك نائبةٌ، فالخير وَالشَّرُّ يتعاقبان تعاقب اللَّيل والنَّهار، فصبرًا عَلَى الأمر
(1) الميداني "مجمع الأمثال"(ج 1/ص 108).
(2)
أحمد "المسند"(ج 24/ص 430/رقم 15662) حديث صحيح، رجاله ثقات
(3)
ابن ماجة "سنن ابن ماجة"(ج 5/ص 159/رقم 4031) حسن لغيره، وفي الباب عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عند أحمد (ج 39/ص 35/رقم 23623) وإسناده جيّد.