الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ" (1).
والنّوم ينافي صفات الكمال، ولذلك حَمِدَ اللهُ تعالى نفسه بِكَوْنِهِ {لَا تَأْخُذُهُ
سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ
…
(255)} [البقرة]، كما حَمِدَ نَفْسَهُ بِكَوْنِهِ لَا يَمُوتُ، فقال جل جلاله:
…
{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ
…
(58)} [الفرقان].
المنيّة سنة كونيّة جارية لا تتبدل ولا تتحوّل
الموت سُنَّة مِن سنن الحياة الَّتي لا تتخلَّف، فحكم المنيّة في البريّة ماضٍ لا مفرّ منه ولا مَحِيصَ عَنْهُ ولا محيد لأحد عنه، ولَا مَدْفَعَ لَهُ، ولا مناص ولا نجاة منه أبدًا، فلا بدَّ مِنْ حَتْفِ أَنْف وغوائل حتف، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ
…
(8)} [الجمعة]، وقال تعالى: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ
…
(16)} [الأحزاب]، وقال تعالى:
…
{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ
…
(78)} [النّساء].
وكُلُّ إِنْسَانٍ مَاتَ شهيدًا أَوْ غريقًا أو حريقًا أو مريضًا أو بغتة، أَوْ وَقَصَتهُ دابة، أَوْ لَدَغَتْهُ هَامَّةٌ، أَوْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ حَتْفَ أَنْفِهِ، أَوْ بِأَيِّ حَتْفٍ زهقت نفسه، فَبِأَجَلِهِ؛ فلكلِّ أجل كتاب لا يعدوه، {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)} [الأعراف]، ولكل إنسان كتابٌ يتلوه {
…
وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)} [الإسراء]، وهذا الكتاب كما قال جل جلاله: {
…
لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا
(1) البخاري "صحيح البخاري"(ج 8/ص 69/رقم 6314) كتاب الدّعوات. (1)
وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)} [الكهف].
وَأَنَّ ذَلِكَ السَّبَبَ الَّذِي كَانَت فِيهِ منيّته إنّما وقع بإرادة الله تعالى وحكمته، {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا
…
(145)} [آل عمران]، {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60)} [الواقعة]، {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ
…
(11)} [التّغابن]، {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ
…
(11)} [فاطر].
فالله تعالى ضرب للخلائق آجالًا معلومة، وأنفاسًا معدودة، وخطوات محسوبة، بِحَيْثُ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ طَرْفَة عَيْنٍ. قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها ذات يوم: اللهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَبِأَبِي
…
أَبِي سُفْيَانَ، وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"قَدْ سَأَلْتِ اللهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ، أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ، وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ الله أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ، أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ، كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ"(1).
والموت حَتْمٌ لَازِمٌ على الإنس والجنِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ يَقُولُ:"أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ، الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الَّذِي لا يَمُوتُ، وَالجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ"(2).
(1) مسلم "صحيح مسلم"(ج 4/ص 2050) كتاب القدر.
(2)
البخاري "صحيح البخاري"(ج 9/ص 117/رقم 7383) كتاب التّوحيد.