الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَخِي، وَأَدْفِنُ إِلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي" (1).
كَرَاهِيَّة تَجصِيص الْقَبْر وَالكتابة عليه
يَتَسَاءلُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، هل يجوز تجصيص (بناء) القبر؟ وهل يجوز كتابة اسم الميِّت وتاريخ وفاته على القبر أو على حجر يثبَّت فوق القبر أو بجواره؛ لضرورة معرفة القبر عِنْدَ تَطَاوُلِ السِّنِينَ وكثرة القبور؟
والجواب يُكْرَهُ تَجْصِيصُ الْقُبُورِ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهَا، وَكَذَا تُكْرَهُ الْكِتَابَةُ عَلَى الْقَبْرِ، وَقَدْ وَضَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَبْرِ ابْنِ مَظْعُونٍ رضي الله عنه حَجَرًا لِيُعْرَفَ فَيُزَارَ ويدفن إليه مَنْ مَاتَ مِنْ أهله. وقد ورد النَّهي صريحًا عن تجصيص القبور والكتابة عليها، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ:"نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُجَصَّصَ القُبُورُ، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا، وَأَنْ تُوطَأَ"(2).
وروى ابن أبي شيبة بسند صحيح عَنْ مُحَمَّد بن سيرين، أَنَّهُ:"كَرِهَ أَنْ يُعَلَّمَ الْقَبْرُ"(3). ولعلّ الكراهة كَرَاهَة تَنْزِيه، فبعد أن أخرج الحاكم النَّهي من طرائق، قال: "هَذِهِ الْأَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهَا، فَإِنَّ أَئِمَّةَ المُسْلِمِينَ مِنَ الشَّرْقِ
(1) أبو داود "سنن أبي داود"(ج 5/ص 115/رقم 3206) إسناده حسن، وحسّنه الحافظ في "التّلخيص"(ج 2/ص 307)، والألبانيّ في "الصّحيحة"(ج 7/ص 161/رقم 3060).
(2)
التّرمذيّ "سنن التّرمذيّ"(ص 249/رقم 1052) وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ جَابِرٍ. وصحّحه الألباني في "الإرواء"(ج 3/ص 207/رقم 757).
(3)
ابن أبي شيبة "مصنّف ابن أبي شيبة"(ج 3/ص 23/رقم 11738) وصحّح إسناده الألباني في "الإرواء"(ج 3/ص 208).
إِلَى الْغَرْبِ مَكْتُوبٌ عَلَى قُبُورِهِمْ، وَهُوَ عَمَلٌ أَخَذَ بِهِ الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ" (1). لكن تعقّبه الذّهبي في "التّلخيص" بأنَّه محدث ولم يبلغهم النَّهي، فقال: "ما قلتَ طائلًا، ولا نعلم صحابيًّا فعل ذلك، وإنّما هو شيء أحدثه بعض التَّابعين فمن بعدهم، ولم يبلغهم النّهي".
وكراهة الكتابة تشمل الكتابة على القبر عينه وكذا الأحجار المنصوبة علامة عليه، قَالَ النّووي:"قال أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ كَانَ المَكْتُوبُ عَلَى الْقَبْرِ فِي لَوْحٍ عِنْدَ رَأْسِهِ كَمَا جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ النَّاسِ أَمْ فِي غَيْرِهِ فَكُلُّهُ مَكْرُوهٌ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ"(2). قلت: ويضاف إلى هذه العلَّة أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان بمقدوره أن يفعل ذلك ولم يفعله، ولعلَّ ذلك يرجع إلى ما كان عليه أهل الجاهلية من كتابة الأشعار والأخبار الّتي تعظّم صاحب القبر، وتجعل منه فتنة للنَّاس.
وذهب الألباني إلى جواز الكتابة بتقييد، فقال:"إذا كان الحجر لا يحقِّق الغاية التي من أجلها وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر، ألا وهي التَّعرف عليه، وذلك بسبب كثرة القبور مثلًا وكثرة الأحجار المعرفة، فحينئذ يجوز كتابة الاسم بقدر ما تتحقَّق به الغاية المذكورة، والله أعلم"(3).
أي أنَّه يرى أنَّ كتابة شطر من الاسم أدعى لمعرفة صاحب القبر، وأقرب إلى تحقّق الغاية الَّتي يتعلَّم القبر لأجلها.
(1) الحاكم "المستدرك"(ج 1/ص 479/رقم 1401) كتاب الجنائز.
(2)
النّووي "المجموع"(ج 5/ص 298).
(3)
الألباني "الأحكام"(ص 206).