الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالمدح ليس للحزن، وإنَّما للصَّبر، الَّذي به يثبت الأجر ويكفَّر الوزر، وهذا يعقوب عليه السلام يعلِّمنا كيف يكون جميل الصَّبر على الأحزان، {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
…
(86)} [يوسف].
وأمّا حديث أنّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: "كَانَ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ"(1)، فهو ضعيف لا يحتجُّ به، ومثله حديث:"إِنَّ الله يُحِبُّ كُلَّ قَلْبٍ حَزِينٍ"(2).
الزّجر عن النّياحة والنّدب على الميّت والرّخصة بالبكاء
زَجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبُكَاءِ الّذي معه صياح ونياحة لِلنِّسَاءِ عِنْدَ المَصَائِبِ إِذَا امْتُحِنَّ بِهَا، عن عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ:"لمَّا جَاءَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ، وَجَعْفَرٍ، وَابْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ يُعْرَفُ فِيهِ الحُزْنُ وَأَنَا أَنْظُرُ مِنْ صَائِرِ البَابِ شَقِّ البَابِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ، فَذَهَبَ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ، لَمْ يُطِعْنَهُ، فَقَالَ: انْهَهُنَّ، فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ، قَالَ: والله لَقَدْ غَلَبْنَنَا يَا رَسُولَ الله، فَزَعَمَتْ أَنَّهُ قَالَ: فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ، فَقُلْتُ: أَرْغَمَ الله أَنْفَكَ، لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ تَتْرُكْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ العَنَاءِ"(3).
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "احْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ" دُونَ أَعْيُنِهِنَّ إشَارَة إِلَى أَنَّ النَّهْيَ لَمْ يَقَعْ بسبب الْبُكَاءِ وحده، بَلْ عَنْ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ مِنْ عويل ونياحة، والله تعالى أعلم.
(1) التّرمذيّ "مختصر الشّمائل"(ص 20)، وقال الألباني: ضعيف جدًّا.
(2)
الألباني " الضّعيفة"(ج 1/ص 695/رقم 483)، وقال: ضعيف.
(3)
البخاريّ "صحيح البخاريّ"(ج 2/ص 82/رقم 1299) كِتَابُ الجَنَائِزِ.
كما جاء النَّهي عن النَّدب (1) على الميِّت، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما، قَالَ: أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ الله بْنِ رَوَاحَةَ، فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكِي وَاجَبَلاهْ، وَاكَذَا وَاكَذَا، تُعَدِّدُ عَلَيْهِ، فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ:"مَا قُلْتِ شَيْئًا إِلَّا قِيلَ لِي: آنتَ كَذَلِكَ؟ "(2).
ولمّا مات خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ رضي الله عنه سنة إحدى وعشرين في الشَّام، اجْتَمَعَ نِسْوَةُ بَنِي المُغِيرَةِ (بَنَاتُ عَمِّ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ) في دار خالد يَبْكِينَ عَلَيْهِ، فلمّا ذُكِر ذلك لعمر رضي الله عنه أذِن أَنْ يُهْرِقْنَ مِنْ أَعْيُنِهِنَّ عليه، لكن نهى عن النِّياحة ورَفْعِ الصَّوْتِ بِالْبُكَاءِ ووضع التُّرَابِ على الرَّأْسِ، قالَ عُمَرُ رضي الله عنه:"دَعْهُنَّ يَبْكِينَ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ (3) أَوْ لَقْلَقَةٌ"(4)، فرَخَّص رضي الله عنه بالبُكَاءِ فِي غَيْرِ نَوْحٍ.
وممَّا يستدلُّ به على الرُّخصة والإذن بالبكاء المُجَرَّدِ قول النَّبيِّ: "تَبْكِينَ أَوْ لا تَبْكِينَ مَا زَالَتِ المَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ"(5).
الزّجر عن مساعدة من نزلت بها مصيبة الموت في البكاء والنّوح والنّدب
لا يجوز أَنْ تُجَامِلَ المَرْأَةُ المَرْأَةَ بمُسَاعَدَتهَا في النِّيَاحَةِ، فالواجب أَنْ يُتَعَزَّى بِمَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ مِنَ الصَّبْرِ وَالِاسْتِرْجَاعِ، وأن تذكِّر إحداهنَّ الأخرى بذلك.
(1) النَّدْب: أَنْ تَذكر النَّائحةُ شمائل الميّت وأحسن أوصافه وَأَفْعَالِهِ، وتُعَدِّد عليه كأن تقول: وَاعَضُدَاه، وَاكَاسِيَاه، وَانَاصِرَاه، وَاكَهْفَاه، وَاكَرِيمَاه، واعِزَّاه، واظهراه، وَاسَنَدَاه
…
لا عِشْتُ بعده.
(2)
البخاريّ "صحيح البخاريّ"(ج 5/ص 144/رقم 4267) كِتَابُ المَغَازِي.
(3)
النَّقْع: التُّرَابُ، والمراد وَضْعُهُ عَلَى الرَّأْسِ. واللَّقْلَقَة: الصَّوْت، والمراد الصَّوت المُرْتَفِع.
(4)
البخاريّ "صحيح البخاريّ"(ج 2/ص 80) ذكره البُخَارِيُّ تَعْلِيقًا فِي كِتَابُ الجَنَائِزِ،
…
ووَصَلَهُ فِي "التّاريخ الأوسط"(ج 1/ص 46) مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ.
(5)
البخاريّ "صحيح البخاري"(ج 2/ص 72/رقم 1244) كِتَابُ الجَنَائِزِ.