الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمّا زيارة قبر المسلم فتعود بالنَّفع على الحيّ والميّت؛ وذلك بالسَّلام عليه والدُّعاء والاستغفار له، فقد أُمِرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يأتي أهل البقيع فيستغفر لهم، فقد أتاه جبريل عليه السلام، وقال له:"إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ"(1).
وقَالَتْ عَائِشَة رضي الله عنها: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم كُلَّمَا كَانَ لَيْلَتُهَا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى الْبَقِيعِ، فَيَقُولُ:"السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَدًا، مُؤَجَّلُونَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ، بِكُمْ لَاحِقُونَ، اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ"(2)، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم لهم:"أَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ"(3).
حكم زيارة المقابر للنّساء وحكم زيارتها للجنب والحائض والنّفساء
اخْتُلِفَ فِي زيارة النِّسَاءِ، فجوَّزها الجمهور ومنعها آخرون سدًّا للذَّرائع، لما يترتَّب على خُرُوجِهنّ من فِتْنَة لَهُنَّ وَلِغَيْرِهِنَّ، والأكثر على دخولهنَّ في عُمُومِ الْإِذْنِ بالزِّيَارَةِ، فالنِّسَاء كَالرِّجَالِ فِي حُكْمِ الزِّيَارَةِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إِذَا أُمِنَت الْفِتْنَةُ وَالمَفْسَدَةُ، لعموم قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:"فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ المَوْتَ"(4)، فصيغة الأمر في الخطاب تعمُّ النِّساء والرِّجال.
ويؤيِّد أنَّ الْإِذْنَ عَلَى عُمُومِهِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أنَّ عائشة رضي الله عنها سألت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كيف تقول عِنْدَ دُخُولِ الْقُبُورِ، قَالَتْ: قُلْتُ: كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ الله؟
(1) مسلم "صحيح مسلم"(ج 2/ص 669) كِتَابُ الْجَنَائِزِ.
(2)
المرجع السّابق.
(3)
المرجع السّابق.
(4)
المرجع السّابق.
قَالَ: "قُولِي: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللهُ المُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ"(1)، وترجم عليه مسلم:(بَاب مَا يُقَالُ عِنْدَ دُخُولِ الْقُبُورِ وَالدُّعَاء لِأَهْلِهَا).
وقد زَارَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَبْرَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ
…
أَبِي مُلَيْكَةَ: "أَنَّ عَائِشَةَ أَقْبَلَتْ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ المَقَابِرِ، فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتِ؟ قَالَتْ: مِنْ قَبْرِ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ لَهَا: أَلَيْسَ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَ قَدْ نَهَى، ثُمَّ أُمِرَ بِزِيَارَتِهَا"(2).
ويؤيِّد رجحان الجواز حديث أَنَس رضي الله عنه، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ:"اتَّقِي الله وَاصْبِرِي"(3).
وموضع الدَّلالة أنَّه صلى الله عليه وسلم أمرها بتقوى الله عز وجل والصَّبر، ولم ينكر عليها قعودها عند القبر، ولم ينهها عن الزِّيارة، وإنّما نهاها عن الجزع. وَتَقْرِيرُهُ صلى الله عليه وسلم بَيِّنة وحجَّة، ولذلك ترجم عليه البخاريّ (بَاب زِيَارَةِ القُبُورِ).
ثمّ إنَّ العلَّة الَّتي من أجلها شرعت الزِّيارة - وهي التَّذكير بالآخرة -تشترك فيها النِّساء مع الرِّجال.
وأمّا الإكثار من الزّيارة فهو المنهيُّ عنه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ
(1) مسلم "صحيح مسلم"(ج 2/ص 669) كِتَابُ الْجَنَائِزِ.
(2)
الحاكم "المستدرك"(ج 1/ص 485/رقم 1423) سكت عليه الحاكم، وصحّحه الذّهبي في التّلخيص، والألبانيّ في "الإرواء"(ج 3/ص 234/رقم 775).
(3)
البخاري "صحيح البخاري"(ج 2/ص 73/رقم 1252) كِتَابُ الجَنَائِزِ.