الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
شروط عصمة الدم والمال بين أهل السنة، والمرجئة والخوارج
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن:
«فلا إله إلَاّ الله، هي: كلمة الإسلام، لا يصح إسلام أحد إلَاّ بمعرفة ما وضعت له، ودلَّت عليه، وقَبوله، والانقياد للعمل به، وهي: كلمة الإخلاص المنافي للشرك، وكلمة التقوى، التي تقي قائلها من الشرك بالله، فلا تنفع قائلها إلَاّ بشروط سبعة:
الأول: العلم بمعناها، نفيًا وإثباتًا.
الثاني: اليقين، وهو كمال العلم بها، المنافي للشك والريب.
الثالث: الإخلاص المنافي للشرك.
الرابع: الصدق المانع من النفاق.
الخامس: المحبة لهذه الكلمة ولما دلَّت عليه، والسرور بذلك.
السادس: القَبول المنافي للرد، فقد يقولها من يعرفها، لكن لا يقبلها ممن دعاه إليها تعصبًا وتكبرًا، كما قد وقع من كثير.
السابع: الانقياد بحقوقها، وهي: الأعمال الواجبة إخلاصًا، وطلبًا لمرضاته» (1).
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله في شرحه على كتاب التوحيد:
«إن النطق بكلمتي الشهادة دليل العصمة لا أنه عصمة، أو يقال: هو العصمة لكن بشرط العمل، يدل على ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا
(1)«الدرر السنية» : (2/ 246).
ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُواْ
…
} [النساء: 94]، ولو كان النطق بالشهادتين عاصمًا لم يكن للتثبت معنى، يدل على ذلك قوله تعالى:{فَإِنْ تَابُوا} [التوبة: 11]، أي: عن الشرك وفعلوا التوحيد {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]، فدل على أن القتال يكون على هذه الأمور، وفيه أن لله تعالى حقوقًا في الإسلام من لم يأت بها لم يكن مسلمًا، كإخلاص العبادة له والكفر بما يعبد من دونه» (1).
وقال الشيخ عبد الرحمن الجبرين، مبينًا وشارحًا شروط الشهادتين:
«ذكر العلماء لكلمة الإخلاص سبعة شروط، نَظَمَها بعضهم بقوله:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع
…
محبة وانقياد والقبول لها
وهذه الشروط مأخوذة بالاستقراء والتتبع للأدلة من الكتاب والسنة، وقد أضاف بعضهم إليها شرطًا ثامنًا، ونظمه بقوله:
وزيد ثامنها الكفران منك بما
…
سوى الإله من الأنداد قد ألها
وأخذ هذا الشرط من قوله صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلَاّ الله، وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه» رواه مسلم.
وذكره الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد ثم قال بعده: وهذا من أعظم ما يبيِّن معنى لا إله إلَاّ الله، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصمًا للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلَاّ الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله فإن شك أو تردد لم يحرم ماله ودمه
…
إلخ.
ومعنى هذا الشرط: أن يعتقد بطلان عبادة من سوى الله، وأن كل من
(1)«تيسير العزيز الحميد» : (92، 93).
صرف شيئًا من خالص حق الله لغيره فهو ضالٌّ مشرك، وأن كل المعبودات سوى الله من قبور وبقاع وغيرها، نشأت من جهل المشركين وخرافاتهم، فمن أقرَّهم على ذلك، أو تردَّد في صوابهم، أو شك في بطلان ما هم عليه فليس بموحِّد، ولو قال: لا إله إلَاّ الله، ولو لم يعبد غير الله» (1).
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمهما الله تعالى:
«وقد غلط كثير من المشركين في هذه الأعصار، وظنوا أن من كفَّر من تلفظ بالشهادتين فهو من الخوارج، وليس كذلك، بل التلفُّظ بالشهادتين لا يكون مانعًا من التكفير إلَاّ لمن عرف معناهما، وعمل بمقتضاهما، وأخلص العبادة لله، ولم يشرك به سواه، فهذا تنفعه الشهادتان.
وأما من قالهما، ولم يحصل منه انقياد لمقتضاهما، بل أشرك بالله، واتخذ الوسائط والشفعاء من دون الله، وطلب منهم ما لا يقدر عليه إلَاّ الله، وقرَّب لهم القرابين، وفعل لهم ما يفعله أهل الجاهلية من المشركين، فهذا لا تنفعه الشهادتان، بل هو كاذب في شهادته، كما قال تعالى:{إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1].
ومعنى شهادة أن لا إله إلَاّ الله هو: عبادة الله، وترك عبادة ما سواه، فمن استكبر عن عبادته ولم يعبده، فليس ممن يشهد أن لا إله إلَاّ الله، ومن عبده وعبد معه غيره، فليس هو ممن يشهد أن لا إله إلَاّ الله» (2).
* * *
(1)«الكنز الثمين» : (ص 149، 150).
(2)
«الدرر السنية» : (12/ 263، 264).