الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
دلالة الكتاب، والسنة، والإجماع، بفهم الأئمة العلماء، على كفر من عبد غير الله، وإن صلَّى وصام، وزعم أنه مسلم حرام الدم والمال
قال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمهما الله تعالى:
«فاعلم أن العلماء أجمعوا: على أن من صرف شيئًا من نوعي الدعاء لغير الله، فهو مشرك، ولو قال: لا إله إلَاّ الله محمد رسول الله، وصلى، وصام، إذ شرط الإسلام مع التلفظ بالشهادتين أن لا يعبد إلَاّ الله، فمن أتى بالشهادتين وعبد غير الله فما أتى بهما حقيقة، وإن تلفظ بهما كاليهود الذين يقولون: لا إله إلَاّ الله وهم مشركون، ومجرد التلفظ بهما لا يكفي في الإسلام بدون العمل بمعناهما واعتقاده إجماعًا.
ذكر شيء من كلام العلماء في ذلك، وإن كنا غنيين بكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم عن كل كلام، إلَاّ أنه قد صار بعض أناس منتسبًا إلى طائفة معينة، فلو أتيته بكل آية من كتاب الله وكل سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل حتى تأتيه بشيء من كلام العلماء، أو بشيء من كلام طائفته التي ينتسب إليها.
قال الإمام أبو الوفاء علي بن عقيل الحنبلي صاحب كتاب «الفنون» الذي ألَّفه في نحو أربعمائة مجلد، وغيره من التصانيف. قال في الكتاب المذكور: لما صعبت التكاليف على الجهَّال والطغام، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم، وهم عندي كفار لهذه الأوضاع، مثل تعظيم القبور، وخطاب الموتى بالحوائج، وكتب الرقاع فيها: يا مولاي افعل بي كذا وكذا،
أو إلقاء الخرق على الشجر اقتداء بمن عبد اللَاّت والعُزَّى. نقله غير واحد، مقررين له، راضين به، منهم الإمام أبو الفرج بن الجوزي، والإمام ابن مفلح صاحب كتاب «الفروع» وغيرهما.
وقال شيخ الإسلام في «الرسالة السنية» : فإذا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من انتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة، فليعلم أن المنتسب إلى الإسلام والسنة في هذه الأزمان أيضًا قد يمرق أيضًا من الإسلام وذلك بأسباب:
منها: الغلو الذي ذمه الله في كتابه حيث قال: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ} [النساء: 171]. وكذلك الغلو في بعض المشايخ، بل الغلو في علي بن أبي طالب، بل الغلو في المسيح عليه السلام، فكل من غلا في نبي أو رجل صالح وجعل فيه نوعًا من الإلهية، مثل أن يقول: يا سيدي فلان انصرني، أو أغثني، أو ارزقني، أو اجبرني، أو أنا في حسبك، ونحو هذه الأقوال، فكل هذا شرك وضلال، يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلَاّ قتل، فإن الله إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب ليعبد وحده، ولا يُدعى معه إله آخر، والذين يدعون مع الله آلهة أخرى، مثل المسيح، والملائكة، والأصنام، لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق الخلائق أو تنزل المطر، أو تنبت النبات، وإنما كانوا يعبدونهم أو يعبدون قبورهم، أو يعبدون صورهم، يقولون:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3]، ويقولون:{هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ} [يونس: 18]، فبعث الله رسله تنهى أن يدعى أحد من دونه لا دعاء عبادة، ولا دعاء استغاثة. انتهى.
وقد نص الحافظ أبو بكر أحمد بن علي المقريزي صاحب كتاب «الخطط» في كتاب له في التوحيد على أن دعاء غير الله شرك.
وقال شيخ الإسلام: من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم
يدعوهم ويسألهم، كفر إجماعًا، نقله عنه غير واحد مقررين له، منهم: ابن مفلح في «الفروع» ، وصاحب «الإنصاف» ، وصاحب «الغاية» ، وصاحب «الإقناع» وشارحه وغيرهم، ونقله صاحب «القواطع» في كتابه عن صاحب «الفروع». قلت: وهو إجماع صحيح معلوم بالضرورة من الدين، وقد نص العلماء من أهل المذاهب الأربعة، وغيرهم في باب حكم المرتد، على أن من أشرك بالله فهو كافر، أي: عبد مع الله غيره بنوع من أنواع العبادات. وقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن دعاء الله عبادة له، فيكون صرفه لغير الله شركًا» (1).
وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين:
«قال القاضي عياض في كتابه الشفاء: «فصل في بيان ما هو من المقالات كفر» إلى أن قال: والفصل البيِّن في هذا أن كل مقالة صرحت بنفي الربوبية، أو الوحدانية، أو عبادة غير الله، أو مع الله فهي كفر، إلى أن قال: والذين أشركوا بعبادة الأوثان، أو أحد الملائكة، أو الشياطين، أو الشمس، أو النجوم، أو النار، أو أحد غير الله من مشركي العرب، أو أهل الهند، أو السودان، أو غيرهم، إلى أن قال: أو أن ثمّ للعالم صانعًا سوى الله أو مدبرًا فذلك كله كفر بإجماع المسلمين.
فانظر حكاية إجماع المسلمين على كفر من عبد غير الله من الملائكة وغيرهم، وهذا ظاهر ولله الحمد».
وقال أيضًا رحمه الله تعالى:
«قال رحمه الله تعالى: وأما ما سألت عنه من أنه هل يجوز تعيين إنسان بعينه بالكفر إذا ارتكب شيئًا من المكفرات؟
(1)«تيسير العزيز الحميد» : (/155 - 157).
فالأمر الذي دل الكتاب والسنة وإجماع العلماء عليه أنه كفر، مثل الشرك بعبادة غير الله سبحانه، فمن ارتكب شيئًا من هذا النوع، أو حسنه فهذا لا شك في كفره، ولا بأس بمن تحققت منه شيئًا من ذلك أن تقول كفر فلان بهذا الفعل.
يبين هذا أن الفقهاء يذكرون في باب حكم المرتد أشياء كثيرة يصير بها المسلم مرتدًا كافرًا، ويستفتحون هذا الباب بقولهم: من أشرك بالله كفر وحكمه أن يستتاب فإن تاب وإلَاّ قتل، والاستتابة إنما تكون مع معين، ولما قال بعض أهل البدع عند الشافعي: أن القرآن مخلوق قال: كفرت بالله العظيم. وكلام العلماء في تكفير المعيَّن كثير.
وأعظم أنواع الكفر الشرك بعبادة غير الله، وهو كفر بإجماع المسلمين، ولا مانع من تكفير من اتصف بذلك، كما أن من زنى قيل فلان زان، ومن رابى قيل فلان مراب والله أعلم. (منقولة حرفًا بحرف، وصلَّى الله على محمد وصحبه وسلم)» (1).
وسئلت اللجنة الدائمة: «السؤال الأول من الفتوى رقم 9336» :
س: إذا كان إنسان إمام مسجد ويستغيث بالقبور ويقول: هذه قبور ناس أولياء، ونستغيث بهم من أجل الواسطة بيننا وبين الله، هل يجوز لي أن أصلي خلفه وأنا إنسان أدعو إلى التوحيد، وأرجو منكم توضحوا لي كثيرًا في هذا مواضيع النذر والاستغاثة والتوسل.
جـ: من ثبت لديك أنه يستغيث بأصحاب القبور، أو ينذر لهم، فلا يصح أن تصلي خلفه لأنه مشرك، والمشرك لا تصح إمامته، ولا صلاته، ولا يجوز للمسلم أن يصلي خلفه، لقول الله سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا
(1)«مجموعة الرسائل والمسائل النجدية» : (5/ 523).
كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88]، وقوله عز وجل:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ} [الزمر: 65، 66].
وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
…
نائب رئيس اللجنة
…
الرئيس
عبد الله بن غديان
…
عبد الرزاق عفيفي
…
عبد العزيز بن عبد الله بن باز» (1)
* * *
(1)«فتاوى اللجنة الدائمة» : (1/ 63).