الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
الإيمان بوحدانية الله في ربوبيته وألوهيته يستلزم الإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم، مع إفراده بالطاعة والاتباع والحكم في كافة المنازعات
قال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله تعالى في شرحه لكتاب التوحيد:
قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيدًا} [النساء: 60].
لما كان التوحيد الذي هو معنى شهادة أن لا إله إلَاّ الله، مشتملاً على الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، مستلزمًا له، وذلك هو الشهادتان، ولهذا جعلهما النبي صلى الله عليه وسلم ركنًا واحدًا في قوله:«بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلَاّ الله، وأنَّ محمَّدًا رسول الله، وإقام الصَّلاة، وإيتاء الزَّكاة، وصوم رمضان، وحجّ البيت مَن استطاع إليه سبيلاً» ، نبَّه في هذا الباب على ما تضمَّنه التوحيد، واستلزمه من تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم في موارد النزاع، إذ هذا هو مقتضى شهادة أن لا إله إلَاّ الله، ولازمها الذي لا بدَّ منه لكل مؤمن، فإن من عرف أن لا إله إلَاّ الله، فلا بد من الانقياد لحكم الله والتسليم لأمره الذي جاء من عنده على يد رسوله محمد صلى الله عليه وسلم
…
(إن التحاكم في موارد النزاع إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم، دلالة صارخة على النفاق وأهله)
إذا تبين هذا فمعنى الآية المترجم لها: أن الله تبارك وتعالى أنكر على
من يدَّعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله، وعلى الأنبياء قبله، وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله، كما ذكر المصنف في سبب نزولها.
قال ابن القيم: والطاغوت: كل من تعدَّى به حدَّه من الطغيان، وهو مجاوزة الحد، فكل ما تحاكم إليه متنازعان غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهو طاغوت إذ قد تعدَّى به حدَّه.
ومن هذا، كل من عبد شيئًا دون الله فإنما عبد الطاغوت، وجاوز بمعبوده حدّه فأعطاه العبادة التي لا تنبغي له، كما أن من دعا إلى تحكيم غير الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقد دعا إلى تحكيم الطاغوت.
وتعلل تصديره سبحانه الآية منكرًا لهذا التحكيم على من زعم أنه قد آمن بما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى من قبله ثم هو مع ذلك يدعو إلى تحكيم غير الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويتحاكم إليه عند النزاع، وفي ضمن قوله:{يَزْعُمُونَ} نفي لما زعموه من الإيمان، ولهذا لم يقل:«ألم تر إلى الذين آمنوا» ، فإنهم لو كانوا من أهل الإيمان حقيقة لم يريدوا أن يتحاكموا إلى غير الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل فيهم «يزعمون» ، فإن هذا إنما يقال غالبًا لمن ادّعى دعوى هو فيها كاذب، أو منزل منزلة الكاذب، لمخالفته لموجبها وعمله بما ينافيها:
قال ابن كثير: والآية ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكم إلى ما سواهما من الباطل، وهو المراد بالطاغوت ههنا» (1).
وقال الشيخ عبد الله بن حميد:
«وقد تكفلَّت الشريعة بحل جميع المشاكل وتبيينها وإيضاحها، قال
(1)«تيسير العزيز الحميد» : (ص 376، 377).
تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 38].
وقال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89].
ففي هذه الآية أن القرآن فيه البيان لكل شيء، وأن فيه الاهتداء التام، وأن فيه الرحمة الشاملة، وأن فيه البشارة الصادقة للمتمسِّكين به الخاضعين لأحكامه
…
فكيف يجترئ من يدَّعي الإيمان مع هذا البيان الواضح والآيات البينات والأحاديث الصحيحة على الرضا بالتحاكم إلى الطاغوت والإعراض عن شريعة الله، والله قد نفى الإيمان عمَّن لم يحكم الرسول فيما وقع بينهم من التشاجر، قال تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء: 65]» (1).
* * *
(1) فتاوى ورسائل الشيخ عبد الله بن حميد، رسالة كمال الشريعة:(/330 - 331).