الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد هام لسبر أغوار قضية الإيمان
لقد أجمع علماء أهل السنَّة، جيلاً بعد جيل على أنَّ الإيمان: قول وعمل، وتمسك بالكتاب والسنَّة، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، بل وعدُّوا ذلك أصلاً من أصولهم، التي من باين واحدًا منها صار خارجًا عن صراطهم، وداخلاً في سبل أهل الأهواء والبدع.
ولقد انعقد الإجماع القديم على أن: الإيمان محله القلب والجوارح معًا؛ خلافًا لفرق المرجئة التي قصرته طائفة منهم على القلب، وبعضهم على اللسان، وبعضهم على القلب واللسان معًا دون بقية الجوارح.
وكون الإيمان محله القلب والجوارح، فالمقصود به: الإيمان المطلق، وكذا مطلق الإيمان، أي: الإيمان بكل درجاته ودوائره. فالإيمان المطلق هو: القيام بعبادة الله وحده لا شريك له، والبراءة من الشرك، مع القيام بالواجبات والانتهاء عن المحرَّمات.
وهذا الإيمان يستوجب لصاحبه دخول الجنات، والنجاة من النيران والعذاب.
ومطلق الإيمان هو:
القيام بالتوحيد، والبراءة من الشرك، مع القيام ببعض الواجبات وترك بعضها، بشرط أن لا يكون في فرض، يلزم من تركه فساد الإيمان بالكلية، كترك الصلاة كسلاً، عند من يعدها كفرًا من علماء السلف والخلف.
وهذا الإيمان يجعل صاحبه في المشيئة الإلهية، ويحرم عليه الخلود في النيران.
ومما تقدَّم، نستطيع الوقوف على: الحد البين الواضح المفرق بين أهل السنَّة والخوارج في قضية الإيمان، فكلاهما نصَّ: على أنَّ الإيمان محله القلب والجوارح، لكن أهل السنَّة فرَّقوا في هذا المقام بين الإيمان المطلق، ومطلق الإيمان.
فإذا اقترف العبد كبيرة من كبائر الذنوب، خرج بها من الإيمان المطلق إلى مطلق الإيمان، ولا يبطل إيمانه بالكلية إلَاّ بفعل ناقض من نواقض الإسلام.
أما الخوارج فقد اشترطت الإيمان المطلق لكل عبد حتى يصح إسلامه، فإذا نقضه بفعل كبيرة، أو ترك فريضة، فقد بطل إيمانه وفسد بكل درجاته ودوائره.
وبهذا انعقد إجماع أهل السنَّة على أن العاصي من الموحدين لا يخلد في النار، كما تواترت بذلك الآثار، خلافًا للخوارج والمعتزلة، وقد يدخلها بسبب ذنوبه، إن لم تدركه رحمة ربه تبارك وتعالى، ويمكث فيها ما شاء الله له ثم يخرج منها، وذلك خلافًا للغلاة من المرجئة التي نصبت راية النجاة من العذاب لكل العصاة من الموحدين زاعمة أن المعصية لا تضر مع الإيمان، كما لا تنفع مع الكفر طاعة، وعليه فإن إيمان العصاة من أهل القبلة، كإيمان الملائكة والنبِّيين والصدِّيقين
…
ولقد دوّر السلف دائرة للإسلام، ودوَّروا داخلها دائرة للإيمان، ونصُّوا: على أن فعل الكبيرة يخرج صاحبه من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام إلَاّ الكفر المبين والردَّة عن الدين.
* * *