الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
المراد من إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على أحد أصحابه لقتله مشركًا بعد ما تلفظ بالشهادتين
وأما حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما الذي أنكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم: قتله لمشرك بعد ما تلفظ بـ: لا إله إلَاّ الله، فإليكم بيانه والمراد منه، وفق الأصول الكلية، والمقتضيات الشرعية.
سئل أبناء الشيخ وحمد بن ناصر، عن المشرك إذا قال لا إله إلَاّ الله حال الحرب؟
فأجابوا: هذا يحتاج إلى تفصيل، فإن كان المشرك لا يتلفظ بها في حال شركه وكفره، كحال المشركين الذين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا إذا قال: لا إله إلَاّ الله، وجب الكف عنه، لأنها دليل على إسلامه وإقراره، لأن المشركين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقولونها، وإذا قالها أحدهم كانت دالة على إسلامه، وهذا معنى الأحاديث التي جاءت في الكف عمن قال لا إله إلَاّ الله.
كحديث أبي هريرة المتَّفق عليه: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلَاّ الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلَاّ بحقها، وحسابهم على الله عز وجل» .
وكذلك حديث أسامة، لما قتل الرجل في الحرب بعدما قال: لا إله إلَاّ الله، فلما ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك عليه، وقال:«أقتلته بعدما قال لا إله إلَاّ الله؟» ، فقال: يا رسول الله، إنما قالها تعوُّذًا، وفي رواية: إنما قالها خوفًا من السلاح، فقال:«أفلا شققت عن قلبه» .
قال العلماء: وفي ذلك أنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلَا تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا
…
} [النساء: 94]، فدلَّت
الآية على أنه يجب الكف عن المشرك إذا أظهر الإسلام، ولو ظن أنه إنما قال ذلك خوفًا من السيف، فإن تبين بعد ذلك أنه إنما أظهر الإسلام تعوذًا، قتل، ولهذا قال تعالى:{فَتَبَيَّنُواْ} [النساء: 94]، والتبيُّن هو: التثبت والتأني، حتى يتبين حقيقة الأمر، وأما إذا كان المشرك يتلفظ بلا إله إلَاّ الله، في حال كفره وردَّته، ويفعل من الأفعال ما يوجب كفره وأخذ ماله، فهذا يقتل ويباح دمه وماله، كما قال الصديق رضي الله عنه، لعمر رضي الله عنه، لما ارتدت العرب بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيهم طائفة يشهدون أن لا إله إلَاّ الله، وأن محمدًا رسول الله، ويصلون، ولكنهم منعوا الزكاة ....
وأما قولك: إن المسلمين إذا أمسكوا أحدًا يشهد أن لا إله إلَاّ الله، أنهم يقتلونه ويأسرونه، فجواب هذه المسألة، نظير الجواب في التي قبلها، ونحن نقول: لا إله إلَاّ الله قول وعمل، فمن قال لا إله إلَاّ الله، ولم يعلم معناها، ولم يعمل بمقتضاها، لم ينفعه ذلك، فإن المنافقين الذين في الدرك الأسفل في النار، يقولون لا إله إلَاّ الله ولم ينفعهم ذلك.
وكذلك بنو حنيفة، الذين قاتلهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقولون: لا إله إلَاّ الله، ويؤذِّنون، ويصلَّون، وهم كفار بالإجماع، وقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغزو بني المصطلق لما قيل له إنهم منعوا الزكاة، وهم يقولون: لا إله إلَاّ الله، ويؤذنون ويصلون، وكذلك على حرق الغالية، وهم يقولون: لا إله إلَاّ الله.
وكذلك الخوارج الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه، مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم» ، وأخبر أنهم شر قتيل تحت أديم السماء، وقاتلهم علي رضي الله عنه، وهم يقولون: لا إله إلَاّ الله، ويعملون أعمالاً شاقة» (1).
(1)«الدرر السنية» : (9/ 239 - 243).