الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
وجوب التباين بين أصل الإيمان وشعبه وأصل الكفر وشعبه، ثابت بالكتاب والسنة
لقد أصل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن أصولاً ذهبية في قضية الإيمان - قد استقاها من الإمام العلامة ابن قيم الجوزية - لا يمكن الاستغناء عنها لمن أراد الوقوف على علل وأحكام الإيمان والكفر، فقال رحمه الله:
«وهنا أصول، أحدهما: أن السنة والأحاديث النبوية، هي المبينة للأحكام القرآنية، وما يراد من النصوص الواردة في كتاب الله، في: باب معرفة حدود ما أنزل الله، كمعرفة المؤمن، والكافر، والمشرك، والموحِّد، والفاجر، والبر، والظالم، والتقي، وما يراد بالموالاة، والتولي، ونحو ذلك من الحدود ....
الأصل الثاني: أن الإيمان أصل، له شُعب متعددة، كل شعبة منها تسمَّى إيمانًا، فأعلاها: شهادة أن لا إله إلَاّ الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق.
فمنها: ما يزول الإيمان بزواله إجماعًا، كشعبة الشهادتين، ومنها: ما لا يزول بزواله إجماعًا، كترك إماطة الأذى عن الطريق، وبين هاتين الشعبتين شُعب متفاوتة، منها:" ما يلحق بشعبة الشهادة ويكون إليها أقرب، ومنها: ما يلحق بشعبة إماطة الأذى عن الطريق ويكون إليها أقرب، والتسوية بين هذه الشعب في اجتماعها، مخالف للنصوص، وما كان عليه سلف الأمة وأئمتها.
وكذلك الكفر أيضًا، ذو أصل وشعب، فكما أنَّ شُعب الإيمان: إيمان، فشُعب الكفر: كفر، والمعاصي كلها من شُعب الكفر، كما أن الطاعات
كلها من شُعب الإيمان، ولا يسوَّى بينهما في الأسماء والأحكام، وفرق بين
من ترك الصلاة، أو الزكاة، أو الصيام، أو أشرك بالله، أو استهان بالمصحف، وبين من يسرق، ويزني، أو يشرب، أو ينهب، أو صدر منه نوع موالاة، كما جرى لحاطب، فمن سوَّى بين شُعب الإيمان في الأسماء والأحكام، أو سوَّى بين شُعب الكفر في ذلك، فهو مخالف للكتاب والسنة، خارج عن سبيل سلف الأمة، داخل في عموم أهل البدع والأهواء.
الأصل الثالث: أن الإيمان مركب، من قول وعمل، والقول قسمان:
قول القلب، وهو: اعتقاده.
وقول اللسان، وهو: التكلُّم بكلمة الإسلام.
والعمل قسمان:
عمل القلب وهو: قصده، واختياره، ومحبته، ورضاه، وتصديقه.
وعمل الجوارح: كالصلاة، والزكاة، والحج، والجهاد، ونحو ذلك من الأعمال الظاهرة.
فإذا زال تصديق القلب، ورضاه، ومحبته لله، وصدقه، زال الإيمان بالكلية.
وإذا زال شيء من الأعمال، كالصلاة، والحج، والجهاد، مع بقاء تصديق القلب وقَبوله، فهذا محل خلاف، هل يزول الإيمان بالكلية، إذا ترك أحد الأركان الإسلامية، كالصلاة، والحج، والزكاة، والصيام، أو لا يزول؟ وهل: يكفر تاركه أو لا يكفر؟ وهل: يفرق بين الصلاة، وغيرها، أو لا يفرق؟
فأهل السنة: مجمعون على أنه لا بد من عمل القلب، الذي هو: محبته، ورضاه، وانقياده، والمرجئة تقول: يكفي التصديق فقط، ويكون به مؤمنًا، والخلاف في أعمال الجوارح، هل يكفر أو لا يكفر، واقع بين أهل السنة والمعروف عند السلف: تكفير من ترك أحد المباني الإسلامية، كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والقول الثاني: أنه لا يكفر إلَاّ من جحدها.
والثالث: الفرق بين الصلاة وغيرها، وهذه الأقوال، معروفة.
وكذلك المعاصي والذنوب التي هي: فعل المحظورات، فرقوا فيها بين ما يصادم أصل الإسلام وينافيه، وما دون ذلك، وبين ما سمَّاه الشارع كفرًا وما لم يسمه، هذا ما عليه أهل الأثر، المتمسِّكون بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدلة هذا مبسوطة في أماكنها.
الأصل الرابع: أن الكفر نوعان: كفر عمل، وكفر جحود وعناد، وهو: أن يكفر بما علم أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء به من عند الله، جحودًا وعنادًا، من: أسماء الرب، وصفاته، وأفعاله، وأحكامه، التي أصلها توحيده، وعبادته وحده لا شريك له، وهذا مضاد للإيمان من كل وجه
…
الأصل الخامس: أنه لا يلزم من قيام شعبة من شُعب الإيمان بالعبد، أن يسمِّى مؤمنًا، ولا يلزم من قيام شعبة من شُعب الكفر، أن يسمَّى كافرًا وإن كان ما قام به كفر، كما أنه لا يلزم من قيام جزء من أجزاء العلم، أو من أجزاء الطب، أو من أجزاء الفقه، أن يسمَّى عالمًا، أو طبيبًا، أو فقيهًا، وأما الشعبة نفسها، فيطلق عليها اسم الكفر، كما في الحديث:«اثنتان في أمتي هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت» ، وحديث:«من حلف بغير الله فقد كفر» ، ولكنه لا يستحق اسم الكفر على الإطلاق» (1).
* * *
(1)«الدرر السنية» : (1/ 47 - 485).