الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
الرد على شبهة التنقص بحق النبي صلى الله عليه وسلم والازدراء بمقام الرسالة
نفث أحد المجرمين المناوئين للتوحيد والتحنف في رُوع أتباعه من المشركين بأن الوهابية: لم يدركوا طبيعة الرسول صلى الله عليه وسلم الحقيقية، ووقفوا عند حدود طبيعته البشرية، بل وحكموا بكفر من وصف نبي الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم بأنه نور، كيف لا والله يمد بواسطته كل من أراد هدايته بالأنوار والأسرار، ثم جفوا كعادتهم، فحكموا بأن التوسل به صلى الله عليه وسلم شرك صريح مخرج من ملته السمحاء.
وليت أمرهم وقف عند هذا، بل قاموا بتجريد الرسول صلى الله عليه وسلم من كل خصائصه ومزاياه، التي من الله بها عليه، حتى استوى لديهم: التوسل به، والاستشفاع بالأصنام، وجعلوها على حد سواء
…
قال أحد المناوئين لدعوة الشيخ المجدد رحمه الله تعالى: [ومن أسف أن الوهابية قالوا: تمجيد الرسول بما يخرجه عن طبيعته البشرية باطل وزور
…
إلخ].
وأجاب الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين حفظه الله تعالى بقوله:
جوابه أن يقال: مراده بالوهابية الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومن انتفع بدعوته السلفية رحمهم الله، وقد علم أنه رحمه الله لم يأت بجديد، وإنما جدَّد للناس ما اندرس من معالم التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ....
(المشروع من محبة النبي صلى الله عليه وسلم):
فأما الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فإننا نمجده ونحبه ونقدِّم محبته على الأنفس
والأموال فإن ذلك شرط لصحة الإيمان، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا يؤمن أحدكم، حتى أكون أحب إليه من ولده، ووالده والناس أجمعين» ، ولكن لا نخرجه بهذه المحبة عن طبيعة البشر فنجعله ربًا، أو إلهًا، أو خالقًا، أو رازقًا، وإنما ميزته الرسالة، حيث فضله الله على جميع البشر، وأنزل عليه الوحي وكلفه بحمل الرسالة وتبليغها إلى جميع الناس، مع أنه لا يزال متصفًا بالبشرية وبالعبودية.
قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف: 110]، بل إن الرسل كلهم لم يخرجوا عن وصف البشرية كما حكى الله عن الرسل قولهم ولأممهم:{إِن نَّحْنُ إِلَاّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} [إبراهيم: 11]، ولمَّا تعنَّت بعض المشركين وطلبوا منه بعض الآيات التي لا يقدر عليها إلَاّ الله، قال الله تعالى له:{قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلَاّ بَشَرًا رَّسُولاً} [الإسراء: 93]. فهل من دليل يفيد أن الرسل ما خرجوا عن طبيعة البشرية، فصاروا يعلمون الغيب ويملكون التصرف في الكون، ويشاركون الرب في الإعطاء والمنع، والضر والنفع، ونحو ذلك؟ أليس قد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [الأحقاف: 9].
بل أمره الله تعالى أن ينفي عن نفسه هذه الأمور، حيث قال تعالى:{قُل لَاّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام: 50] ....
الرسول صلى الله عليه وسلم هو النور والسراج المنير:
فأما قوله - أي المناوئ السابق -: [وحكموا بكفر من وصفه بأنه نور، وغاب عن هؤلاء الحمير بأن الله قد وصفه بالسراج المنير بصيغة المبالغة، بمعنى أن الله عز وجل يمد بواسطته كل من أراد هدايته بالأنوار والأسرار
…
إلخ].
جوابه أن يقال: متى حكمنا بكفر من وصفه بأنه نور؟! أين نصوص علماء الدعوة في ذلك؟! هذا من الكذب الصريح والبهتان المبين، بل هم متَّبعون لما وصفه الله به من ذلك، كما في قوله تعالى:{قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} [المائدة: 15].
قال أبو جعفر بن جرير الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية من سورة المائدة: يعني بالنور: محمدًا صلى الله عليه وسلم الذي أنار الله به الحق وأظهر به الإسلام، ومحق به الشرك، فهو نور لمن استنار به يبين الحق، ومن إنارته الحق تبيينه لليهود كثيرًا مما كانوا يخفون من الكتاب.
لكن لا يلزم من هذا الوصف أن يًصرف له شيء من حق الله فلا يُدعى مع الله ولا يُعظَّم كتعظيم الله، ولا يوصف بشيء من خصائص الله» (1).
* * *
(1)«الكنز الثمين» : (ص 298 - 306).