الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
أمر الله المؤمنين برد كل ما تناوعوا فيه من أصول دينهم وفروعه إلى الله ورسوله، ومن لم يفعل دل ذلك على كفره برب العالمين ومروقه من دين المرسلين. فحكم الله وحده شقيق عبادة الله وحده، وهما مضمونا الشهادتين، وعلى القيام بهذا المضمون فعلا وتركا، جردت سيوف الموحدين للجهاد
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي معلقًا على قول الله تعالى:
ثم أمر بردِّ كل ما تنازع الناس فيه، من أصول الدين وفروعه إلى الله والرسول، أي: إلى كتاب الله وسنَّة رسوله، فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية، إما بصريحهما، أو عمومها، أو إيماء، أو تنبيه، أو مفهوم، أو عموم معنى يقاس عليه ما أشبهه.
لأن كتاب الله وسنة رسوله، عليهما بناء الدين، ولا يستقيم الإيمان إلَاّ بهما. فالرد إليهما، شرط في الإيمان، فلهذا قال:{إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59]. فدلَّ ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة، بل مؤمن بالطاغوت، كما ذكر في الآية بعدها.
(ذلك) أي: الرد إلى الله ورسوله {خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59]، فإن
حكم الله ورسوله، أحسن الأحكام وأعدلها وأصلحها للناس، في أمر دينهم ودنياهم وعاقبتهم» (1).
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى:
«واعتبار شيء من القوانين للحكم بها ولو في أقل قليل، لا شك أنه عدم رضا بحكم الله ورسوله، ونسبة حكم الله ورسوله إلى النقص وعدم القيام بالكفاية في حل النزاع وإيصال الحقوق إلى أربابها، وحكم القوانين إلى الكمال وكفاية الناس في حل مشاكلهم، واعتقاد هذا كفر ناقل عن الملَّة، والأمر كبير مهم وليس من الأمور الاجتهادية.
وتحكيم الشرع وحده دون كل ما سواه شقيق عبادة الله وحده دون ما سواه، إذ مضمون الشهادتين أن يكون الله هو: المعبود وحده لا شريك له، وأن يكون رسوله صلى الله عليه وسلم هو: المتبع المحكم ما جاء به فقط، ولا جُرِّدت سيوف الجهاد إلَاّ من أجل ذلك والقيام به فعلاً وتركا وتحكيمًا عند النزاع، {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59]» (2).
وقال أيضًا رحمه الله تعالى:
«القوانين كفر ناقل عن الملَّة اعتقاد أنها حاكمة وسائغة. وبعضهم يراها أعظم، فهؤلاء نقضوا شهادة أن محمدًا رسول الله، ولا إله إلَاّ الله أيضًا نقضوها، فإن من شهادة أن لا إله إلَاّ الله، لا مطاع غير الله، كما أنهم نقضوها بعبادة غير الله.
وأما الذي قيل فيه: كفر دون كفر، إذا حاكم إلى غير الله، مع اعتقاد أنه عاص وأن حكم الله هو الحق، فهذا الذي يصدر منه المرة ونحوها.
أما الذي جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفر وإن قالوا: أخطأنا وحكم الشرع أعدل.
ففرق بين المقرِّر والمثبت والمرجع، جعلوه هو المرجع. فهذا كفر ناقل عن الملَّة (تقرير)» (1).
وقال الشيخ صالح الفوزان يحفظه الله تعالى:
«وكما لا تجوز طاعة العلماء في تحليل الحرام وتحريم الحلال، فكذلك لا تجوز طاعة الأمراء والرؤساء في الحكم بين الناس بغير الشرعة الإسلامية، لأنه يجب التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله في جميع المنازعات والخصومات وشؤون الحياة، لأن هذا هو مقتضى العبودية والتوحيد، لأن التشريع حق لله وحده، كما قال تعالى:{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10]، أي: هو الحَكَم وله الحُكْم، وقال تعالى:{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59].
فالتحاكم إلى شرع الله ليس لطلب العدل فقط، وإنما هو في الدرجة الأولى تعبُّد لله، وحق لله وحده، وعقيدة، فمن احتكم إلى غير شرع الله من سائر الأنظمة والقوانين البشرية، فقد اتخذ واضعي تلك القوانين والحاكمين بها شركاء لله في تشريعه، قال الله تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]، وقال تعالى:{وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]» (2).
(1)«مجموع رسائل وفتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم» : (12/ 280).
(2)
«الإرشاد إلى تصحيح الاعتقاد» : (ص 87، 88).