الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
من أعظم الفساد في الأرض: التحاكم إلى غير الله ورسوله، ومن ثم كان إباء التحاكم إلى الكتاب والسنَّة، دليلاً قاطعًا على الكفر والنفاق والزندقة
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في شرحه على كتاب التوحيد:
«قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا} [النساء: 61]: بيَّن تعالى أن هذه صفة المنافقين، وأن من فعل ذلك أو طلبه، وإن زعم أنه مؤمن فإنه في غاية البُعد من الإيمان.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: هذا دليل على أن من دُعي إلى تحكيم الكتاب والسنَّة، فأبى أنَّه من المنافقين» (1).
وأرسل الشيوخ الفضلاء: محمد بن إبراهيم، وعبد العزيز الشثري، وعبد اللطيف بن إبراهيم، وعمر بن حسن، وعبد العزيز بن باز، وعبد الله بن حميد، وعبد الله بن عقيل، وعبد العزيز بن رشيد، وعبد اللطيف بن محمد، ومحمد بن عودة، ومحمد بن مهيزع، رسالة إلى من يراها من المسلمين، داعين الله أن يسلك بهم جميعًا سبيل عباده المؤمنين، وأن يعيذهم من طريق المغضوب عليهم والضالين، آمين
…
ثم قالوا رحمهم الله جميعًا بعد تقديم نصيحة غالية للمسلمين:
«وإن من أقبح السيئات وأعظم المنكرات: التحاكم إلى غير شريعة الله من القوانين الوضعية، والنظم البشرية، وعادات الأسلاف والأجداد التي قد وقع فيها الكثير من الناس اليوم، وارتضوها بدلاً من شريعة الله التي بعث بها
(1)«فتح المجيد» : (381).
رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم.
ولا ريب أن ذلك من أعظم النفاق، ومن أكبر شعائر الكفر والظلم والفسوق وأحكام الجاهلية التي أبطلها القرآن، وحذر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا} [النساء: 60، 61].
وقال تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45]، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47].
وهذا تحذير شديد من الله سبحانه لجميع العباد من الإعراض عن كتابه وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتحاكم إلى غيرهما، وحكم صريح من الرب عز وجل على من حكم بغير شريعته بأنه كافر وظالم وفاسق ومتخلِّق بأخلاق المنافقين وأهل الجاهلية» (1).
وقال الشيخ صالح الفوزان يحفظه الله تعالى:
وقد نفى الله الإيمان عمَّن تحاكم إلى غير شرعه، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى
(1)«فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم» : (12/ 257 - 260).
الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ} [النساء: 60].
إلى قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
(تحكيم القوانين: تحكيم للطاغوت، وإيمان به)
فمن دعا إلى الحكيم القوانين البشرية، فقد جعل لله شريكًا في الطاعة والتشريع، ومن حكم بغير ما أنزل الله، يرى أنه أحسن أو مساو لما أنزل الله وشرعه، أو أنه يجوز الحكم بهذا، فهو كافر بالله، وإن زعم أنه مؤمن، لأن الله أنكر على من يريد التحاكم إلى غير شرعه؛ وكذَّبهم في زعمهم الإيمان، لأن قوله:{يَزْعُمُونَ} متضِّمن لنفي إيمانهم، لأن هذه الكلمة تقال غالبًا لمن يدِّعي دعوى هو فيها كاذب، ولأن تحكيم القوانين تحكيم للطاغوت، والله قد أمر بالكفر بالطاغوت، وجعل الكفر بالطاغوت، ركن التوحيد، كما قال تعالى:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ} [البقرة: 256].
فمن حكَّم القوانين، لم يكن موحدًا لأنه اتخذ لله شريكًا في التشريع والطاعة، ولم يكفر بالطاغوت الذي أمر أن يكفر به، وأطاع الشيطان، كما قال تعالى:{وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيدًا} [النساء: 60].
وقد أخبر الله عن المنافقين أنهم حينما يدعون إلى التحاكم إلى شرع الله يأبون ويعرضون، فقال سبحانه:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا} [النساء: 61].
كما أخبر أنهم يردون الفساد صلاحًا، لانتكاس فطرهم، وفساد قلوبهم، فقال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لَاّ يَشْعُرُونَ} [البقرة: 11، 12]، فالتحاكم إلى غير الله من أعمال المنافقين، وهو من أعظم الفساد في الأرض» (1).
(1)«الإرشاد إلى تصحيح الاعتقاد» : (ص 88، 89).