الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
متي يصح التكفير وما هي مقومات الحكم به ومتى لا يصح، مع بيان أن المكفر يدور أمره بين الثواب، والعفو، والإثم الشديد
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن - رحمهما الله تعالى -:
ومع ذلك فلم يعنف عمر، على قوله لحاطب: إنه قد نافق، وقد قال الله تعالى:{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]. وقد ثبت: أن الرب تبارك وتعالى، قال بعد نزول هذه الآية، وقراءة المؤمنين لها:«قد فعلت» .
(التكفير بترك اصول الإيمان، من أعظم دعائم الدين)
وأما إن كان المكفِّر لأحد من هذه الأمة، يستند في تكفيره له إلى نصٍّ وبرهان من كتاب الله وسنة نبيِّه، وقد رأى كفرًا بواحًا، كالشرك بالله، وعبادة ما سواه، والاستهزاء به تعالى، أو بآياته، أو رسله، أو تكذيبهم، أو كراهة ما أنزل الله من الهدى ودين الحق، أو جحد صفات الله تعالى ونعوت جلاله، ونحو ذلك، فالمكفِّر بهذا وأمثاله، مصيب مأجور، مطيع لله ورسوله ....
والتكفير بترك هذه الأصول، وعدم الإيمان بها، من أعظم دعائم الدين، يعرفه كل من كانت له نهمة في معرفة دين الإسلام ....
وقد يصدر التكفير لصلحاء الأمة، من أعداء الله ورسوله، أهل الإشراك له به، والإلحاد في أسمائه، فهؤلاء يكفِّرون المؤمنين بمحض الإيمان، وتجريد التوحيد، ويعيبون أهل الإسلام، ويذمونهم على إخلاص الدين، وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بل قد يقاتلونهم على ذلك، ويستحلُّون دماءهم وأموالهم، كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج: 10].
فمن كفَّر المسلمين أهل التوحيد، أو فتنهم بالقتال أو التعذيب، فهو من شر أصناف الكفار، ومن:{الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} [إبراهيم: 28، 29].
وفي الحديث: «من قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما» .
وأما من أطلق لسانه بالتكفير، لمجرد عداوة، أو هوى، أو لمخالفة في المذهب، كما يقع لكثير من الجهَّال، فهذا من الخطأ البيِّن، والتجاسر على التكفير، أو التفسيق والتضليل، لا يسوغ إلَاّ لمن رأى كفرًا بواحًا، عنده فيه من الله برهان. والمخالفة في المسائل الاجتهادية، التي قد يخفى الحكم فيها على كثير من الناس، لا تقتضي كفرًا ولا فسقًا، وقد يكون الحكم فيها قطعيًا جليًا عند بعض الناس، وعند آخرين يكون الحكم فيها مشتبهًا خفيًا، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها ....
وبقي قسم خامس، وهم الذين يكفرون بما دون الشرك من الذنوب، كالسرقة والزنا وشرب الخمر، وهؤلاء هم الخوارج، وهم عند أهل السنة ضلَاّل مبتدعة، قاتلهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الحديث قد صح بالأمر بقتالهم والترغيب فيه، وفيه:«أنهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم» .
وقد غلط كثير من المشركين في هذه الأعصار، وظنوا أن من كفَّر من
تلفظ بالشهادتين، فهو من الخوارج، وليس كذلك، بل التلفظ بالشهادتين لا يكون مانعًا من التكفير إلَاّ لمن عرف معناهما، وعمل بمقتضاهما، وأخلص العبادة لله، ولم يشرك به سواه، فهذا تنفعه الشهادتان» (1).
وسئل الشيخ أبو بطين عن الذي يروي: «من كفر مسلمًا فقد كفر» :
«فأجاب عفا الله عنه: لا أصل لهذا اللفظ فيما نعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الحديث المعروف: «من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما» ومن كفر إنسانًا أو فسَّقه، أو نفقه، متأوِّلاً، غضبًا لله تعالى، فيرجى العفو عنه، كما قال عمر رضي الله عنه في شأن حاطب بن أبي بلتعة أنه منافق، وكذا جرى من غيره من الصحابة وغيرهم، وأما من كفَّر شخصًا أو نفَّقه غضبًا لنفسه أو بغير تأويل، فهذا يخاف عليه.
وأما من جعل سبيل الكفار أهدى من سبيل المؤمنين، فإن كان مراده: حال أهل الزمان اليوم، كأن يقول: إن فعل مشركي الزمان عند القبور وغيرها، أحسن ممن لا يدعو إلَاّ الله ولا يدعو غيره.
فهذا كافر بلا شك، وكذا قولنا: إن فعل مشركي الزمان عند القبور من: دعاء أهل القبور، وسؤالهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، والذبح، والنذر لهم، وقولنا: إن هذا شرك أكبر، وأن من فعله فهو كافر، والذين يفعلون هذه العبادات عند القبور كفار بلا شك.
وقول الجهَّال: إنكم تكفِّرون المسلمين، فهذا ما عرف الإسلام ولا التوحيد. والظاهر: عدم صحة إسلام هذا القائل، فإن لم ينكر هذه الأمور التي يفعلها المشركون اليوم، ولا يراها شيئًا فليس بمسلم» (2).
(1)«الدرر السنية» : (12/ 260 - 264).
(2)
«مجموعة الرسائل والمسائل النجدية» ، القسم الثالث (1/ 654، 655).